رحيل موسيقار الحب والحرية اليوناني ميكس ثيودراكس صاحب موسيقى (زوربا اليوناني)
نُشر في
المشاهدات15
فلاح المشعل
رحل الموسيقار العالمي اليوناني ميكس ثيودوراكس 1925-2021 …الذي عصف بأرجاء العالم عبر القرن الأخير من الزمن، يكتب للحرية والحب في أنموذج فريد للرومانسية الثورية المشبعة بأحلام الشعوب والدعوة للإنعتاق من الظلم والنازية الهمجية والسلوك الفاشستي الذي اسقط وطنه اليونان بإنقلاب دموي عام 1967، فأوقعها تحت قضبان السجون والمقابر واحلام الثوار، وكان للموسيقار الكبير ثيودراكس إغنياته التي رفعت شعارا في اناشيد الشعب الجريح الغاضب، فكانت القصيدة الغنائية ( النعش) للشاعر اليوناني الشهير ( ريتسوس ) موسيقى والحان ثيودراكس، واحدة من ضمادات الجرح الوطني، ونافذة لغد جديد يسبح بالشمس والحرية والأزهار .. ويخلو من الفاشست .
صاحب موسيقى (زوربا اليوناني)
ثيودراكس المؤلف الموسيقي الشهير وصاحب موسيقى (زوربا اليوناني) التي تحولت الي اوبرا بذات الأسم، كان مفكرا موسيقيا من طراز فريد ومتماهيا مع قضايا الوطن والشعب ومطاليب الحرية والتقدم للشعوب أجمع ، وهو المناضل صاحب المقولة الشهيرة؛ ( الفاشست بكل اسلحتهم ينهزمون امام أغنية )، وكانت اغنياته الوطنية سببا في اشعال المقاومة الوطنية في اليونان ضد النظام الدكتاتوري عام 1973، كما يجدر بنا ان نذكر بهذا السياق التعاطف الكبير الذي اعلنه الموسيقار ميكس ثيودراكس مع القضية الفلسطينية ووضع موسيقى السلام الوطني الفلسطيني، وكانت له آراء ومواقف صريحة ضد امريكا والكيان الصهيوني وقد وصف النظام الاسرائيلي بكونه ( حفنة من أسوأ الاشرار في هذا العالم ).الموسيقار ثيودوراكس
اراد الموسيقار ثيودوراكس ان يجعل من موسيقاه وثيقة لبطولات الإنسان ومجده الذاتي في مخاض نضالاته ضد الفاشية والامبريالية والصهيونية، وتعلن النبوءة بنهار مشرق بالضوء والاحلام والحرية المجيدة، ومن هنا كانت إغنياته تتقدم المحتجين في تحدي السلطات الفاشية، كما تلهم المبدعين في رسم مسارات تعبيرية تنبض بأحاسيس الشعوب العاشقة للتحرر، وتنهض من الذاكرة تلك الواقعة في ( سانتياغو) عاصمة تشيلي حين تسامى الموسيقار (فكتور يارا ) وهو يتحدى الانقلابيين الفاشست في عزف اغنية ثيدوراكس التي كتبها الشاعر التشيلي بابلو نيرودا، وكانت الجماهير تردد معه تلك الاغنية الصاعقة، ولم يسكت جيتار يارا حتى قام الفاشست بإطلاق النار عليه لإخماد الثورة المنبعثة من صوت الغضب المحتج .
موسيقى ثيودوراكس تنطوي على روح عظيمة تتواشج من روح الأمة اليونانية وحضارتها وأمجادها التاريخية، وتتناظر مع تجليات حاضرها في قصائد الشاعر الكبير ريتسوس والروائي العظيم (نيكوس كازانتزاكي )صاحب رواية زوربا اليوناني، والموت والحرية ،وتقرير الى غريكو ..الخ وبذات الاستحضار فأن الموسيقار ثيودوراكس مؤلف موسيقى فلم زوربا اليوناني قد أعطى تنافسا ً واستنطاقا ً موسيقيا لروح النص وفلسفته وتكرس ذلك أيضا في إداء الممثل النجم العالمي (انتوني كوين )، كما قدمت كشفا ً عن الفكر الذي تعتمده مؤلفات ثيودراكس الموسيقية .
ثيودراكس ايعتمد النزعة الرومانسية الثورية
وضع الموسيقار اليوناني ثيودوراكس مجموعة كبيرة من المؤلفات الموسيقية توزعت بين قصائد غنائية وألحان راقصة واوبرات وموسيقى تصويرية وغيرها، ولعل اسلوبه التأليفي يعتمد النزعة الرومانسية الثورية ذات الطابع المتحرك الذي يعبر عن فكر التحول والحراك الاجتماعي، ويجسدها في انغام وجمل موسيقية متحركة بقوة وسرعة وتآلف درامي تشترك فيه الاوركسترا وبروح جمالية تنطوي علي موروث وتأثيرات بيئية صريحة إذ تجد موثرات البحر والجبل وحكايات تتنفس مورثات معبد الأكروبوليس وجبل الأولمب، مع تجليات صريحة للإحساس بقوة الإنسان والخروج عن نمطية التعبير من حدوده التلقائية، الى حركة تحرره من قيود الجسد والحاجة لإطلاق الطاقات الخفية، وكأنه يترجم مفهوم الحرية عبر الحركة وسلالم البناء الهارموني وتقاطعاته الحسية في تدفق لمشاعره وقراراته في صنع الثورة والتغيير، نعم انه قانون الحركة التي يقصي النمطية والاسترخاء والإيقاعات الرتيبة، وهو ذات البعد الفكري الذي وضعه الموسيقار العظيم بتهوفن في السمفونية الخامسة التي غاصت في اعماق الثورة الفرنسية آنذاك .
موت الموسيقار ميكس ثيودوراكس يعني ان البشرية تودع بصمت مخجل أحد العظماء الذين جعلوا الحياة شهية .