ادب وتراث

الشلامجة…أرضٌ تئن

(ملاحظة:وجدت هذه اليوميات في دفترٍ قرب بقايا هيكل عظمي لجثةٍ عراقيّةٍ مجهولة الهوية معلومة الإنتماء).
***
مزمورٌ جنوبيّ:
تهيأي ايتها الذنوب؛تهيأي ايتها الحروب
لن يحضر اليوم الشروق،
ولا الغروب
تَمَنْطَقْ بالميّتين ايها الوطن،
(الشك واليقين كذبتان)
(الكذب والصدق نحيلان في هذا الوطن السمين)
تعال ايها الليل،لا تختبيء خلف الباب،تعال:فحتى النهار له وجهك،تعال ايها الغروب،
ألا تخاف الشمس من النزول إلى هذه الأرض؟..
يا وجه الوطن،كُلَّما انظر إلى الشلامجة اظنك مُصاباً بجدري الجُثث،
(الجثث/زَغَبٌ على نهديّ الشلامجة)..
احمل ناراً بين كفيَّ؛
احمل وجهاً يابساً؛
وطنٌ يُشبه حريقاً ازليّاً،وطنٌ يُشبه قلب ارملة ثكلى يتيمة،وطنٌ يتناسخُ في القلب ويُنسخ على الأرض.

***
المكان:لا اعلم
الزمان:لا اعلم ايضاً
حينما خلق الله العراق إلتفت إلى جبرائيل قائلاً:
–  سأضع فيه أرضاً شبقة،لا تورق من غيمٍ ولا ترتوي من دمٍ مسفوك،إنها يوتوبيا اولاد الخايبة والملحة ومُستَجَمّ الطُغاة،ارض تنام على بشرٍ؛طينٌ يأكل طيناً.
نثر الله في مؤخرة العراق رملاً اصفر،لم يكن زعفراناً او تِبراً تُرابي الهيئة بل كان مسحوق الموت سريع التحضير.(في روايةٍ عن ذي التوابيت العرجاء”رض”).
***
الزمان:1990
المكان:إمتحانٌ وزاري في ثانوية الشعر البَصْرية
عَرّف الشلامجة:
الشلامجة:حزامٌ أصفر يُحيط بخصر البصرة؛حزامٌ يتآكل مع الخُوَذْ ليستفيق بعدها كفينيق الموت من رماد الحُروب؛
في الشلامجة،قاحلٌ حتى وجه النهار..
كأن (نهر جاسم) كان وريثها على الجانب الآخر…نهر جاسم هو الآخر مخنَّثٌ يعشق جثث العراقيين ودمع الهور…
إيهٍ ايتها الشلامجة…
– “ايتها”؟؟
من المضحك أن نؤنّث هذه الأرض!!!…
***
الزمان:1994
المكان:منزلٌ إنطفأت فيه شمعتان بالجبهة:
إمرأةٌ تخاطب نفسها:
الشلامجة إمرأةٌ شوهاء تبتلع الرجال؛تغوي الرجال رغم ان نهديها مُتيَّبسان وشفاهها عطشى لكلِّ قطرة دم…
هل كان للوطن ان يغرز بنيه في نهاية ارض الشلامجة؟؟.
***
الزمان:2007
المكان:الشلامجة
قال مَنْفائِيل:
عبرنا الشطّ منذ قليل،مشت السيّارة؛
كُلَّما مَشتْ سيارة الـ(G.m.c) اسمع الشلامجة تئنُّ وتصرخ:
–       اهلا بالمنفيين
او
–       اهلا بحطب الحروب…
ارضٌ صلعاءٌ صفراءٌ مريضة،صفارها لا يسرُّ الناظرين ولا يسرُّ سوى القنّاصين!.
***
الزمان:2008
إتحاد الأدباء والكُتّاب العراقيين في البصرة
ناقدٌ سكران يثرثر بينه وبين نفسه:
ملاحظةٌ تثير الإنتباه،الشلامجة هي المنطقة الوحيدة التي يقاتل فيها الأدباء اعداءهم:
جواد الحطّاب:ومضةٌ يدوية..
وارد بدر السالم:قنبلة سردية
حميد العقابي:آر بي جي روائية
فلان
فلان
فلان
فلان
المدينة الوحيدة التي يحمل الشعر فيها سلاحه و…..يتناثر…
– بوي!اعطني صحناً من الحُمّص بطحينة!
***
الزمان:1985
المكان:كورنيش البصرة قرب تمثال السيّاب،رجلٌ ممسوسٌ يتحدث:
حتى غربان الوطن تخاف من الذهاب إلى الشلامجة،حتى قُطّاع الطُرق والقتلة يخافون منها…”إحذر…حقل الغام” تكفي لتخويف حتى عزرائيل…
الألغام!
ما الألغام؟
الألغام:نساءٌ شبقات يتناثرن شوقاً تحت اي رجلٍ ولا سيما الرجال الذين يحملون هوية الفقر..
يا اممنا المُتحدة علينا إشكروا الكلاب التي تكتشف الألغام بعد تناثرها…
إشتعلت الشلامجة بسبب الحمقى،كان السيّاب يلتفتُ بقامته البرونزية نحو الشلامجة ويصرخ:
اتعلمين اي موتٍ تبثه الشلامجة؟؟
وكيف يشعر العريف فيه بالفراغ والصلابة؟؟
عيناكِ؟؟كلاّ ما هذا الهذر؟
ايعشق من عاش ومات في سقر؟
(ضحك السيّاب لأن نَصَّه وهو تمثال كان مليئاً بالزحافات!)
***
الزمان:1982
المكان:طريق العودة إلى البصرة
جنديٌ وجودي يصيح:
– نهار الشلامجة بين صوتين:
فيروز- كيفك إنته؟
شو بدي بالألغام؟
الله يخلي الزلام!!
نهاية نهار الشلامجة:
يا ايتها النفس المُطمئنّة!
(عزيزي ايها الفوق:عشقنا هذه الآية لكثرة ترديدنا لها!).
***
الزمان:1987
المكان:التنّومة
جُنديٌّ وصل إلى المدينة حاملاً ساقه اليُسرى بيده اليُمنى وورقةً كُتب عليها:
“أنت مُكلف بإبلاغ عائلة الجنود المُدرجة اسماؤهم بخبر إستشهادهم:
1-
2-
…..
…..
…..
55-
…..
…..
…..
إلخ”…
يسمع هاتفاً يتبوّل برأسه قائلاً:
“لم يكن هناك من احلام الجنود شيء سوى تناول قطعة (سمبوسة) وشايٍ داكن وليلة في شارع بشّار،لكن هيهات! فالشلامجة عوَّدت الجنود على ريجيمٍ قاسٍ فهم لم يتناولوا شيئاً سوى شطائر المنايا وعبوات الدمع المُنعشة..”
***
الزمان:لا اعلم
المكان:منزل مؤرخٍ بصري
في صحيح الحروب الخاطئة/الباب المُغلق/الصفحة المُشتعلة “أنَّ الشلامجة كانت عجوزاً تجلس في شوارع البصرة تتصيَّدُ الشباب وإن دخلوا إلى منزلها خرجوا وهم يبحثون عن اطرافهم ورؤوسهم فعاقبها الله بمسخها أرضاً لا تنام إلى يوم القيامة”.
في الميثولوجيا اليونانية قيل ان جوبيتر حينما اراد الإلتحاق بحرب الثمانية قرون ودَّعته افروديت إلى باب السماء قائلة:
–       إلى اين ستذهب يا جوبيتر؟
–       إلى “شلامجوياكا”!             (هذا هو إسمها في اليونان)
–       إذن؟
–       إبحثي عن زوجٍ آخر!
اما في ملحمة جلجامش فأن طه باقر نسي ترجمة هذه السطور:
“ولمّا ذهب جلجامش إلى النبع ليغتسل لم تأكل الأفعى عشبة الخلود بل اكلتها الأرض الصفراء “شلاميج” لهذا فهي خالدةٌ بدمائنا المُتَخثرة على شفتيها”.
***
الزمان:بعد الخلق بقليل
صرختْ البصرة بالشلامجة:
–       اغربي عن وجهي سأبصق على بطني التي اخرجتكِ..
***
الزمان:كوكب الأرض-قارة آسيا-العراق-البصرة- الشلامجة:
إسرافيل – المَلَكْ الكسول بجدارة- ينفخ بالصوُر لينهض الجنود من ارض الشلامجة،قاموا يُلملم بعضهم الآخر،نفض الجنود الغبار عن الخوذ والبذلات الخاكيّة(الصواب”كاكية” لكن اي صواب في ارض الخطأ؟)،قال احدهم موجهاً نظره إلى السماء:
– متى سترحموننا من الإلتحاق والحروب؟
صفعه احد الملائكة على قفاه العظمي (لم يُلملم اللحم بعد) فملأ الصوت الكون:
– طراااااااااااااك!!
***
رسائل إلى:
حمزاتوف:انا افضل منك؛انت تعبد بلادك لأنها لا تحتوي على شلامجة اما انا فأعشقها مع وجود هذا المنديل الأصفر المُبتل بالدمع…
جبران خليل جبران:هل مرَّ النبي في هذه البقعة؟لا اظنُّ لأنه كَلم الأهالي عن (الحياة)…
أدونيس:هل تبحث عن نهاية المعنى وبدايته؟دونك و الشلامجة…
الماغوط:سأعطيك سجائراً وشوارعاً وثقاباً على ان تعشق الشلامجة…
نزار قبّاني:هل تعلم ما هي الرمّانة اليدوية؟ إنها نهد الموت…
احلام مستغانمي:هل تعلمين ما هي فوضى الحواس؟ ان تنامي في الشلامجة يوماً واحداً..
يا أدباء الأرض…
يا ايها البشر
الشلامجة ما تزال موجودة،بدلاً من تأخذ العراقيين تُعطينا المُندلقين!..
***
ايتها الشلامجة:
كلُّ هذا واعشقك؛الست من بلادي وبصرتي؟
***
اهـهههههه

 


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى