مقالات

الهجرة و الاغتراب

هيثم هاشم
الهجرة:  هى هروب جماعى او فردى من جغرافية الى جغرافية اخرى تختلف بيئياً و ثقافياً و كذلك فى انماط السلوك الإنسانى و لا شكٍ من عامل الخوف, الخطر و العوز الإقتصادى اثرهم البليغ فى موجات الهجرة التى تمت فى التاريخ. كان للبلدان العربية نصيب كبير فى القرن الثامن و التاسع عشر  خصوصاً علماً بأن حركة التنقل بقصد اكتشاف العالم و الثقافات و التجارة هى حركات قديمة قدم البشرية و بعضها يتحول اللى هجرة دائمة بسبب بقاء المسافر فى الأرض الجديدة لأسباب تجارية أو اجتماعية.
أما الاغتراب:  فهو من نتائج الهجرة, فالمهاجر او الجيل الثانى عندما لا يحافظ على شخصيته الثقافية و الحضارية يذوب فى الجسم الجديد و يصبح مزدوج المعايير بين الأساس و الجديد الذى حدث له و هذا له نتائج جداً خطيرة على اولاد المهاجرين و خصوصاً بسبب التربية المدرسية فينقلبون على اهاليهم و يبدأ التمرد و الخروج من الثقافة القديمة و له انعكاسات خصوصاً فى الإقبال على المخدرات و مزاولة الجريمة.

اغتراب الداخل:  هو تبنى ثقافة اخرى و نزع ثوب ثقافته الأصلية و هذا يحدث اشكالية لصاحب التحول الإجتماعى فهو (مغترب) فى وطنه فازدواجية المعايير و القيم إما تؤدى به للهجرة الفعلية أو الانطواء الذاتى عن المجتمع و يدخل فى به فى طور العقد النفسية و يصبح شديد الانتقاد ومكتئباً و هذه اسبابها تبنى افكار سياسية على اكثر الأحوال أو اجتماعية نمطية كفكر التحرر و الانسلاخ من المجتمع و تأثير المجتمع,  فالحالة الاقتصادية و السياسية هى مؤثرات على الشخصية الإنسانية ففى المجتمعات القمعية (الأبوية), المجتمع الأبوى و سلطة العائلة أو سلطة للدولة البوليسية و القمعية تدفع لهجرة الإنسان الداخلية, الاغتراب و الانسلاخ وهذه احدى اساسيات العنف و العنف المضاد.
ففى المجتمعات العربية مثلاً و الحمد لله, فطبخة الأنظمة كلها فى طبق واحد, شرائح بيتزا مسمومة بين الاضطهاد العائلى و سلطة الأخ الأكبر و الأم  و الأب و حتى بقية افراد العائلة فالكل يريد ان يحكم هذا المخلوق البشرى لأنهم محكومين من مخلوقات اخرى, فهى عملية تفريغ الشحنات العصبية و نقلها للآخرين و لهذا ينشأ فى العوائل العربية و الإسلامية علاقات الكراهية بدلاً من الحب بسبب السلطة الاجتماعية  فمارد السلطة موجود فى مجتمعاتنا تربوياً. و سلطة الدولة و نازلاً من اكبر موظف الى اصغر موظف ناهيك عن سلطة المدرسة و المؤسسات التربوية و سلطة العائلة و سلطة العمامة و سلطة المجتمع …
بودى هنا ان اوضح حالة مهمة يعانى منها الفرد العربى خصوصاً عندما ينكفئ الناس عن سلوك معين, أقصد يمتنع أو يكون له شخصية معينة يريد البقية أن يتبعوه و عندما لا يحدث هذا ينتقدهم ليس بسبب السلوك المختلف عنه و لكن بسبب عدم تمكنه من فعل ما يفعلوه هم, فمثال من الواقع و هذه الأيام هى موضة فكريه عندما يسلك شخص متدين سلوك معين يريد من البقية إتباعه و بعكس ذلك  فهو ينتقدهم بشدة مع التهديد الوعيد و المحاسبة الإلهية لهم , و الحقيقة هى ان هذا النمط السلوكى يكون بسبب غيرته من الآخرين عندما وضع نفسه فى سجن مغلق ..
تاريخياً كان للعرب نصيب كبير فى حركة الهجرة الخارجية خارج حدود البلد و خارج حدود الوطن العربى, وكانت اكبر هذه الهجرات هجرة الفلسطينيون عندما استلبت ارضهم و ألأحواز بين العرب عندما احتلت فارس إيران فى مطلع القرن التاسع و هجرات اقتصادية اخرى بسبب سياسات الاشتراكية  الاقتصادية و اقتصاد إفقار البلد و تحجيم الإنتاج وخفضه, فعامل “المعدة” اخطر عامل فى هجرة الشعوب لفقدانها الأمان الغذائى و الشعور بالحاجة و العوز ناهيك عن الشعور بالاضطهاد و الظلم و “زوار آخر الليل” و هى من قصص الواقع العربى المرير, ثقافة الهلع و التربص …
هاجرت الشعوب الأوروبية و شعوب الأرض بسبب الكوارث البيئية و الحروب و المجاعات و الأوبئة مثل الطاعون و نقلت معها امراضها للمجتمعات الذاهبة اليها و هذا حدث على مر التاريخ. و هنالك هجرة غير مرئية من دول العالم المتحضر الى الدول الغنية النفطية مثلاً و السطو على الوظائف الهامة و ذات المردود المالى الجيد و حتى المتوسط تخلصاً من النظام الضريبى فى مجتمعاتهم المتحضرة الذى شعاره “إعمل و ادفع لنا” عبودية التطور.
الهجرة المنظمة:  الشرق الأوسط, الاسم المسخ الذى يحاول الإعلام العالمى ترسيخه فى عملية احلال لغوية للوطن العربى. تعرض الوطن العربى, اقصد مواطنيه بسبب السياسات الاقتصادية و البوليسية السيئة الصيت كعامل دافع للخارج رغم الإعلانات الرسمية فى اجهزة الإعلام الحكومى تتضامن مع الفرد  و اهميته فى المجتمع, بالإضافة للاستفزاز الدينى لأفراد المجتمع الغير مسلمين كالمسيحيين مثلاً و لن ننسى مقولة عبد السلام عارف (لاجونى ولامونى) التى ادت بدفع العراقيين المسيحيين للهجرة ( بعد شعورهم بالإهانة) عن طريق الكنيسة ووسائل الاتصال الأخرى فهل تعتقد هذا الفعل غير مبرمج؟ و اليوم على ارض الواقع يحدث ما يشابهه و لكن بشكل مريع و نفس الأحداث مرة اخرى فى مصر و التى أدت لنزوح وهجرة المصريين “الأقباط” للخارج و خصوصاً بعد ثقافة تكفيرهم.
بالمقابل فتحت دول العالم ابوابها لتقوم بعملية محترفة بإفراغ المجتمع اولاً من النخبة و هم المهنيون مثل اساتذة الجامعات و العلماء و العباقرة و الأطباء و المهندسين و التكنوقراط المتمرسين, ادت نتائجها لهجرة العقول و بداية مرحلة للتخلف إضافة لمرحلة التخلف السابقة لكى يقضوا على اية اسباب لقيام استقرار يؤدى لنهوض و تطور فى المجتمعات التى بدأت بالتغير فى مطلع الثلاثينات, حركة النهضة العربية بعد زوال اشكال الاستعمار الخارجى و دخولنا فى الاستعمار الداخلى. أنظمة مزاجية و محتكرة للسلطة و المال و الاقتصاد فبضغط داخلى و تنفيس خارجى هربت المجاميع البشرية كأنها هجرة الطيور الموسمية …
و يقولون لا توجد مؤامرة …

 


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى