فلاح المشعل*
تطغى مشاعر الانفعال العاطفي لدى غالبية العراقيين، وهم يتابعون الحرب الدائرة بين إسرائيل وإيران، وإذ يبدو الانحياز العاطفي نحو إيران متطرفاً، فلا غرابة من ذلك كون إيران جارة إسلامية و”شيعية” بنحو خاص، وهي من تعرضت للعدوان الإسرائيلي في انتهاك صريح للقوانين الدولية، ناهيك عن ما تمثل إسرائيل من انتهاكات وقتل للشعب الفلسطيني واللبناني واليمني، ما جعل إسرائيل تكتسب صفة العدو التاريخي، الذي يدفع الفرد العربي والإسلامي إلى الوقوف ضدها أخلاقياً وإنسانياً.
ارتفاع صوت العاطفة الصاخب طبع الغالبية العظمى من كتابات العراقيين المشتغلين في قطاع الإعلام السياسي، حتى صار العراق الوطن لا يُرى في احتشاد التعاطف مع إيران وإبراز الكراهية لإسرائيل، أو الكراهية واللعن لكل من لا يشتم إسرائيل، ويقول كلمة لصالح إيران ودعمها، بل تعدى ذلك إلى توصيف من لا يشهر موقفا مؤيدا مع إيران، بأوصاف لا أخلاقية!
لم يكتب أحد بصراحة عن حال العراق المحشور في حرب ليس له مصلحة فيها، بل يتحمل أضرارها وتطوراتها السلبية، في وقت تستباح سماؤه أمام الطائرات الإسرائيلية المعتدية، وكذلك مرور الصواريخ الإيرانية نحو أهدافها باتجاه إسرائيل، باستثناء شكوى الحكومة لدى الأمم المتحدة، وحفاظها على موقف حيادي منضبط، فإن الأهواء السياسية المتطرفة والعاطفة الطائفية قد ترمي ببلادنا نحو مهاوي الردى بعد أن أثقلت كاهلنا حروب خمسين سنة من الخراب والفساد والأزمات!
نعم لا أحد يفكر بما ستؤول له الأمور لو تم زج العراق في حرب كارثية لدولتين تحولتا إلى ترسانتين من الأسلحة الفتاكة والصواريخ البالستية والطائرات الشبحية، في وقت لا تملك قواتنا العسكرية رادارا حديثا، بل أن سماءنا تحت سيطرة سلاح الجو الأمريكي!
لقد اندرج في ذلك المهبط الإنشائي السطحي والهتاف العاطفي، العديد ممن كنا نقيم لهم وزنا في الرؤيا والتحليل والبعد الأكاديمي في الكتابة، ما جعل الصمت يطبع مواقف العديد من الكتاب المعتدلين والحياديين والنقديين، ومن يحتلهم الهم العراقي قبل أي شيء آخر، وتلك ظاهرة عمقت اعتقادي بهشاشة ثقافة المواطنة من جهة، وغياب مستوى الإدراك وفق معايير الموقف الثقافي الجاد والنقدي في قراءة الأحداث، بترفع عن ما هو ذاتي أو طائفي أو لحظي!
بخلاف ذلك، كنت أتابع كتابات وتحليلات الكتاب والسياسيين الإيرانيين، كانت أكثر نضجا وتعريفا وتحليلا وهدوءا من العراقيين، بشأن دوافع الحرب وتطوراتها واحتمالات ما ينتج عنها!
فشلت إسرائيل في تحقيق أهداف الضربة الاستباقية، وتحديدا في تدمير مراكز المفاعلات النووية والتخصيب ومعامل البلوتونيوم وغيرها؛ مما يدخل في عمل تطوير البرنامج النووي، وكذلك التسليح الحربي، وخصوصا الصواريخ البالستية، لكنها استطاعت أن تحدث خرقا مخابراتيا في قتل نخبة من علماء الطاقة النووية وكذلك أبرز قادة المؤسسة العسكرية والحرس الثوري، وكذلك في تدمير بعض المنشآت الصناعية العسكرية والمدية ومحطات الوقود والمصافي.
وحين جاء الرد الإيراني، رغم تأخره، كان ردا صاعقا في استخدام مئات الصواريخ البالستية والمسيرات، وقد أنزل خسائر هائلة وغير مسبوقة في تل أبيب وبقية المدن والمراكز العلمية والحيوية الإسرائيلية، مع عدد كبير من القتلى والجرحى، وتدمير في المباني ومحطات التكرير ووزارة الدفاع والاقتصاد، لقد فعلت الصواريخ الإيرانية صدمة غير متوقعة للجانب الإسرائيلي.
تعتقد إسرائيل أن الخسائر والأثمان التي ستقدمها بهذه الحرب، مستحقة مقابل الهدف الذي تريد تحقيقه في تدمير المشروع النووي الإيراني الذي يمثل تهديدا وجودياً لإسرائيل، لكنها لم تستطع تحقيق ذلك الهدف في اليوم الأول، كما كانت تتوقع، وها هو اليوم الثالث من حرب ضروس استخدمت فيها أقوى وأحدث إمكاناتها وآلتها الحربية، ما جعلها تطلب من أمريكا التدخل لمشاركتها القضاء على المفاعلات النووية بكونها الوحيدة التي تملك السلاح القادر على الوصول واختراق التحصينات التي وضعتها إيران إجابة مفاعلاتها النووية.
الحرب الدائرة بين إسرائيل وإيران تمثل تصادم استراتيجيات القوة والسيطرة في الشرق الأوسط، وليس تصادما أيديولوجيا، كما يذهب الرأي الشعبوي لدى غالبية الجمهور العراقي والإيراني.
اتساع دائرة التدمير المتقابل بين الدولتين إسرائيل وإيران، يجعل الحرب تمتد لأيام أخرى، ويجعل التوقعات والمخاوف تنفتح على تطورات أكثر خطورة وتهديدا لدول الشرق الأوسط والعالم، خصوصا إذا دخلت أمريكا الحرب لصالح إسرائيل، لكن الآفاق تبقى مفتوحة لفاعلية للجهد الدبلوماسي الذي تسعى دول أوربا لفتح مسارات له مع طهران، بهدف إيقاف الحرب والتوصل لاتفاق شامل بين الدولتين، ويبقى هذا الاحتمال مرهونا بقدرة أي من الدولتين على إحراز تفوق عسكري في الميدان يجعلها بموقف أقوى للتفاوض.
كاتب وصحفي من العراق