وطن برس أونلاين

جريدة عربية مستقلة

أهم الأخبار العراق

مافيات الظل… دولة داخل الدولة في العراق

 بقلم: المهندس علي جبار – مختص بإدارة الأزمات

منذ عام 2003، والعراق يعيش تجربة سياسية معقدة، كان يُفترض أن تقوده نحو بناء دولة مدنية ديمقراطية، لكن الواقع كشف عن بنية هشة تتحكم بها قوى ما وراء المؤسسات، تُعرف اليوم بـ”مافيات الظل”. هذه المافيات لا تظهر للعلن، لكنها موجودة في كل زاوية من زوايا الدولة. شكلتها بعض الأحزاب المتنفذة التي شاركت في تشكيل الحكومات المتعاقبة، واستثمرت في نظام المحاصصة لتحوّل مؤسسات الدولة إلى أدوات بيدها. فصار لكل حزب حصته من الوزارات، ولكل وزارة رجالها من “الظل”، يديرون القرار من خلف الكواليس، ويتحكمون بالعقود والتعيينات وحتى في الملفات الأمنية. الوزير قد يكون واجهة، أما من يملك الكلمة الحاسمة فهم رجال الحزب المزروعون داخل الوزارة. هؤلاء لا يحاسبهم البرلمان، ولا يعرفهم الرأي العام، ومع ذلك يمتلكون سلطة تعادل – بل تفوق أحيانًا – سلطة المسؤول الرسمي. هذا الوضع أنتج مشهداً مشوشاً، فقد فيه المواطن ثقته بالحكومة، وأصبح يشعر أن الدولة لا تدار لصالحه، بل لصالح أحزاب تتقاسم الغنائم على حساب مستقبله. في المقابل، هناك مؤشرات متزايدة على أن هذا النمط من الحكم بدأ يواجه ضغوطاً خارجية وداخلية قد تفضي إلى تغيير حتمي في السلوك السياسي. الضغوط الدولية، وبالأخص الأمريكية، باتت أكثر وضوحاً في الأشهر الأخيرة، مع تزايد الحديث في الأروقة الدبلوماسية عن “إعادة هيكلة السلطة” في العراق بما يضمن الحد من نفوذ الجماعات غير الخاضعة لسيادة الدولة، وتحجيم دور الفصائل المسلحة الممولة خارجياً. استراتيجية البيت الأبيض تجاه العراق دخلت مرحلة جديدة، تقوم على فرض الاستقرار من خلال تعزيز دولة المؤسسات، ومحاربة الفساد كمهدد مباشر للأمن الإقليمي. ويبدو أن واشنطن بدأت تتعامل مع العراق بوصفه ساحة اختبار لاستراتيجية أوسع في المنطقة تهدف إلى تقليص نفوذ بعض القوى الإقليمية، ودعم قيادات سياسية أكثر استقلالاً وقدرة على كسب ثقة الشارع العراقي. هذه الضغوط، إضافة إلى السخط الشعبي، والاحتجاجات المتكررة، والانكشاف الكامل لملفات الفساد، جميعها عوامل تضع الطبقة السياسية أمام لحظة حاسمة: إما الإصلاح الحقيقي، أو الانهيار التدريجي لنظام لم يعد مقنعاً حتى لمؤيديه. إن تفكيك مافيات الظل لا يمكن أن يتم عبر إصلاحات شكلية أو تغيير وجوه، بل يحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية، وقوانين صارمة تفصل بين الحزب والدولة، وتعيد للدولة هيبتها وقرارها المستقل. وما لم تبادر القوى السياسية لإعادة النظر في نهجها، فإن ضغوط الخارج وحراك الداخل سيخلقان مساراً بديلاً قد يكون قاسياً، لكنه في نظر كثير من العراقيين، أصبح الخيار الوحيد المتبقي.

المهندس علي جبار – مختص بإدارة الأزمات

اترك ردا

Developed and designed by Websites Builder Ph:0449 146 961