Sliderتحقيقات

(( لا تضيّعوا بصرتكم  ..!!))

عبدالسادة البصري

البصرة .. منذ تمصيرها عام 16 هجرية ، وهي منبع ثرٌّ للثقافة والأدب والفن والعلم والثروات الطبيعية ، منها انطلقت الأفكار والرؤى فكان المعتزلة وأخوان الصفا والمرجئة وغيرهم ، في مربدها تبارى الشعراء ومازالوا يتبارون ، وعلى شواطئها سهر السمّار وغنى المطربون وعُزِفت الهيوة والسامري ، وبين أزقة عشّارها عزف تومان بنايه معلناً عن فيلمٍ سينمائيٍّ جديد ، ومن ماء شطّها العذب شَرِب الرحّالة القدامى والحديثون  ، مُزِج عسل رطبها بزيت السمسم فصار حلاوة نهر خوز ،، كم من الحروب مرّت عليها ،وكم من خرابٍ في سالف الزمان وحالياً ؟

طفت الجثث في أنهارها وسالت الدماء بسككها ودرابينها من أثر ما فعلته السيوف سابقاً ، وتهدّمت بيوتاتها واصطبغت شوارعها بالدم من أثر الرصاص لاحقاً !! ولم تمت أبداً ، إنها عنقاء الزمان !!

البصرة مدينة الملح والتمر والحنّاء والماء العذب والأسماك والخضروات بأنواعها ، كما هي مدينة النفط ومشتقاته والصناعات المكملة له كالبتر وكيمياويات والحديد والصلب والأسمدة والورق ، وهي بوابة العراق والميناء الذي يطل على العالم !!

البصرة حباها الخالق بثروات لن تنضب أبدا ، كما منحها صبراً لن تتحمله الجبال والهضاب إذا اجتمعن !!

البصرة ناقةٌ حلوبٌ ولودٌ تحمل ذهباً ، لكنها تأكل العاقول والأشواك !!

البصرة ابتليت بمن يتسيد عليها في كل زمان ، ما أن يستقر به المقام على الكرسي حتى يُشرع بالنهب وكأنه مدفوع على تخريبها !! البصرة ابتليت بالساسة والقادة والشيوخ والأمراء ، كما ابتليت بالعبيد والمماليك والصعاليك ،في كل زمان يمر عليها مبتلاة ، وتكسر الخاطر دائما لأنها مأكولة مذمومة كسمك الصبور !!

الكلّ يأكل من خيراتها لكنّ أبناءها يتضورون جوعاً ، والكلّ يلبس من خيراتها لكن أطفالها عراة ، نفطها يدفئ العالم لكنها ترجف من البرد !!

الإهمال مرضها المزمن منذ سنين ، والخراب صديقها اللدود الذي لن يفارقها  !!

انعدمت زراعتها ومات النخل واقفا  ، وتوقفت معملها فصار ماءها آسناً ، نخر الفساد جسدها الطريّ ، فصارت تئن وتلطم حظها العاثر الذي( يدولب) بها من يد  إلى أخرى !!

لهذا أقول نصيحة للجميع :ــ يا كلَّ من شَرِبَ من مائها وأكل من رطبها انتبهوا لحال مدينتكم قبل فوات الأوان ، ولا تتصارعوا على مُلكٍ زائل ذات يوم  ، لا تتصارعوا على الكراسي والمغانم فيخذلكم الزمان  ، ويتسرب كل شيء من بين أيديكم فتذهب ريحكم ، وتصبحوا نادمين !!

البصرة أمّنا جميعاً ، فداءٌ لها كل شيء ، المالُ يأتي ويذهب ولن يبقى إلاّ العمل الصالح الذي ينفع الناس جميعا ، والكل يأتي ويذهب ولن يبقى إلاّ الذكر الطيب بين الناس !!

فقط تأملوا كلّ ما مرّ بالبصرة منذ تمصيرها ولحد هذه الساعة ، وانظروا ببصيرةٍ ثاقبةٍ جدا لمن بقي ذكره خالداً تتبعه الرحمة والدعوات ، ومن نُسي ذكره أبدا ، وإذا ما ذُكِر نادراً فالسب واللعن عليه !!

البصرة أمنا الرءوم ومدينتنا التي تسكننا لا تضيعوها بصراعاتكم رجاءً !!!!


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى