مقالات

الفارس و (الشخاطة) .. ورئات من لا رئات لهم!..

صادق فرج التميمي
أيها الفارس ..
لقد تركت أحداث ما بعد عام 2003 عراقا مُتداعياً ومدمراً، وحكومة مُحاصصة بل حكومة خصصة غير مُتجانسة، وسياسيون لا يعون حجم المؤامرة التي تُحاك ضد العراق من دول قريبة وبعيدة، بقدر ما يعون المحاصصة والتناحر والتنابز، وبقدر ما يتفنون بنهب أموال الشعب بشكل مُنظم لم يشهد له التاريخ مثيلا، حتى جعلوا شعبنا يحتاج لعقود من الزمن المُقبل حتى يتجاوز فضائع الحرب وويلاتها المُدمرة وويلات نهب المال المُنظم ..
في ظل حقبة ما بعد عام 2003 تراجعت مكانة العراق من سيئ الى الاسوء، ليصبح من الدول الأكثر فسادا وسرقة وقتلا وتدميرا في العالم، بعد إن تلقى الشعب وعداً من وجوه الفساد والافساد بصناعة عراق يُحتذى به، وسيكون قُدوة المنطقة والأنموذج الأمثل في صنع وتطبيق الديمقراطية، حتى ثارت ثائرة دول (الشخاطة): كيف يحصل هذا في العراق؟!.
وأمام هذا الحال إتكأ العراقيون على موتهم بعد أن لبسوا الأكفان، ليدفنوا أنفسهم وهم أحياء، وربما تُدفن معهم في تُراب القبر كُل مآسيهم وويلاتهم، فينبري هذا أو ذاك كاذباً حتى يظن إننا نُصدقه، ونصدق أن مظهره وأناقته وشكله توحي لنا بأنه الفارس الذي سينقذ العراق من رماد المأساة الذي طال إنتظاره، كي ينقشع الرماد الى غير رجعة ، فكُلما أمسكت بأحد العراقيين كأنني أمسكت بمومياء بلا روح، وجسد بلا سيقان، وكُلما تحدثت الى أحدهم لا أجده إلا غارقاً بفيضان حروف وكلمات لا معنى لها ، فتذوب حروفه وكلماته ذوبان الزمن الضائع، ولا فرق لمن حدثتهم بين الأمس واليوم ..
وجوهنا صارت مثل تُراب ملفوفة بالأكفان وكأن هذا التُراب يمنحنا سر الخلود السرمدي الى الأبد من دون أن تلمح في عيوننا أي أسرار دفينة، سوى إن البعض منَّا ممن لا تزال شكيمته قوية أو بصيرته ثاقبة ليُخبرك على الفور: (الله كريم .. تخلص)!، يُقابل ذلك ظهور فارس طال إنتظاره ..
أيها الفارس ..
إليك وإلى الذين دفنوا رؤوسهم في تُراب القبور، وإلى الذين يرددون مثلي: (الله كريم .. تخلص) أقول: لم يخطر ببالي وأنا أتصفح وجوه العراقيين وعيونهم أي معنى للمستقبل، وحتى مُستقبلهم صار كأنه يدور حول الماضي، فيصير السؤال الملح: متى نعود للماضي؟.. والسؤال السخيف: هل نحن وطن بلا شعب أم شعب بلا وطن؟، والسؤال الاسخف: هل نبقى نحن العراقيين أسيري أصحاب دول (الشخاطة) الذين يدافعون عن عروشهم على إمتداد مساحة أرضنا الجميلة على خرابها، بل يُدافعون في جسد شعبنا بكل أشكاله وألوانه، ليموت الوطن والشعب بقصص مُخيفة؟ من دون راعٍ، فيصير السؤال المحير: (كيف يقبل أصحاب الشخاطة)، وهم من لحمنا ودمنا بتحليل سفك دماء العراقيين بفتاوى الموت والجوع؟ ليعود
السؤال للصراخ من جديد: هل هي أنفاس أصحاب (الشخاطة) التي يتم ضخها عمداً في رئات من لا رئات لهم؟..
أيها الفارس، إذا كُنت الكاظمي ..
إخبرنا، من أي عالم قدمت، ومن أي عالم نزلت، هل هو العالم العلوي أم العالم السفلي؟ .. أحقا إنك جئت من جوار الحسين، أم من جوار كاظم الغيظين ! ..
هكذا يقول الشعب لي!..
إذا كان الأمر كذلك، صف لي تربة الحسين وفاجعته بأهل بيته، وصف لي مأساة كاظم الغيظين، وصف لي بقعتهما في الأرض والسماء، كي أُخبر شعبنا، كيف ستحمل راية العراق، أحقا إن الحُسين غادرنا لنجد حُسينا آخراً، أحقا كاظم الغيظين غادرنا لنجد كاظما آخراً ..
وإخبرني، أيها الفارس، لأخبر البطلة زينب: إن الحسين وكاظم الغيظين مدارس العلم والإصلاح والشهادة شاهداتٌ لهما، لا مدارس للقتل والنهب المُنظم!..
وزدني، أيها الفارس، بالله عليك، كي أُخبر علياً وعُمراً: إنك وُلدت فارسا ستطفأ بعناقك جمرة الدجل والشعوذة والقتل والنهب المُنظم لاموال اليتامى والمتعففات وممن تقطعت بهم سبل العيش، والقائمة تطول بذكر الآخرين ..
إذا كان الامر كذلك، أيها الفارس، سر في درب الحسين وكاظم الغيظين، وأطفأ ما تبقى بعناق عليٍ وعُمرٍ، وردد:
(نحن أهل الخصال التي سمعت بها نجوم السماء .. وشمس العراق حين تشرق وتغيب) ..
ونحن سنردد معك: (إنك البدر في سماء الله نجم .. وزانهن شهادته وغرته .. فأن بكت أُمه فعناق طفلها يلد درر) ..

كاتب وصحافي من العراق


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى