تحقيقات

من ذكريات القطار

حادثة المستنصرية 1980 .. شاهد من اهلها

  • عبد الجبار العتابي 
    من خلال عملي بالقطار ارتبطت بالعديد من العلاقات مع اشخاص يعملون في اجهزة الدولة الامنية ومن هؤلاء الاشخاص الذين يقومون بنقل البريد الى المحافظات ، ومع تطور العلاقة الايجابية عرفت الكثير من المعلومات عنهم وعن البريد الذي يحملونه خاصة بعدما يعرفون انني صحفي و (مثقف) اهلا للثقة !!.

    عبد الجبار العتابي

    ذات مرة ،في العام 1995، عرّفني اخي الاصغر الذي يعمل سائق قطار على شخص من اهالي محافظة نينوى كانت لهجته تشبه لهجة زميل لي في الجيش في الثمانينيات من اهالي حمام العليل ، لكنني لـ (سهو مني) لم اسأله عن سكنه، اوصاني اخي به كي ارتب له سريرا ينام عليه في غرف المنام التي كانت حصتها في القطار اثنتين فقط واحدة للعسكريين والاخرى للمدنيين، فأستطعت في تلك الليلة تجهيز سرير له في غرفة (الكوشيت- منام) التي هي عبارة عن اربعة اسرة، وصرت في العديد من سفراتي الى الموصل وبالعكس التقي هذا الشخص الذي تحولت العلاقة معه الى مصافحة وسؤال وجواب و (شلونك.. وشلونك بعد ) ، وحين لم يستطع ان يحجز له سريرا في اية سفرة انا فيها ،فأنا أوفره له وهكذا تعززت الثقة بيننا وصارت علاقتنا طيبة ..، خاصة انه كان من النوع الاريحي ، حتى.. احدى السفرات التي جاءني فيها الى غرفتي الخاصة في القطار فرحبت به ، لكنه بعد دقائق سألني : سمعت من اخيك انك صحفي ، قلت : نعم ، قال عندي سر اكتمه من سنوات طويلة و (نايم) على قلبي، فهل يمكنك ان تسمعه وتكتمه ، قلت له : قل .. سرك في بئر ، وكانت الصدمة !!
    استغربت ولا زلت لا اعرف سبب اختياره لي ليكشف السر ولا اعرف من اين اتاه الاطمئنان لي صراحة !!
    قال لي : هل تذكر حادثة المستنصرية في شهر نيسان من العام 1980 التي قتل فيها طالبان هما (فريال وطه) والتي بعدها بأيام قال صدام (ان الدماء التي سالت على ارض المستنصرية لن تذهب سدى) واندلعت بسببها الحرب العراقية الايرانية ، اجبته : نعم ، وكيف لا اتذكرها ، لكنه سألني : هل تذكر ما جرى بعدها ؟ قلت : اتذكر ان تشييعا جرى للشهيدين لكن التشييع تعرض الى اعتداء ، قال : نعم .. هذا صحيح ، لكنني لم افهم منه بعد شيئا لان الحادثة معروفة واتهم فيها عملاء لايران ومن هذا القبيل كما اخبرته ، لكنه قال لي : لا ، وهذا هو السر الذي الذي سأتحدث به لك ، قلت : كلي آذان صاغية ، قال : انا كنت احد العناصر الذين ضربوا المشيعين حينها !!!، انتابتني الدهشة وقلت : كيف انت ؟ هل انت عميل ايراني ؟ ابتسم وقال : بل انا احد عناصر الامن العراقي !!!،هزني قوله حتى خفت منه وسرت في قلبي رعشة: ماذا تقول يا رجل ؟ قال : هذه هي الحقيقة وهذا هو السر المدفون في صدري !!.
    وراح يسرد علي الحكاية ، قال : لا علم لي بالحادثة الاولى التي مات فيه الطالبان طه وفريال ، والتي قيل انها محاولة لاغتيال طارق عزيز ولكنني كنت احد العناصر الذين تم اختيارهم بضرب المشيعين بالقرب من اكاديمية الفنون الجميلة ، اتوا بنا ووزعونا خلف السدة الترابية التي كانت بين الشارع وجسر القطار المعلق ومقبرة الانكليز ،كنا هناك نختبيء ونحن نحمل رمانات يدوية ، وما ان مرت جموع المشيعين نفذنا ، انا رميت رمانة، ومن ثم انسحبنا الى المقبرة ومن ثم الى مقرنا الامني تحت حماية معينة .
    حين انتهى من حديثه .. لم اتكلم ،اكل الصمت لساني والذهول ضرب عيوني ، استعدت تلك الايام التي اتذكرها جيدا ، نظرت اليه وانا لا اعرف ما افعل بل ان شيئا من الخوف تسرب الى قلبي منه ومن السر الرهيب الذي كشفه ، يا الله .. هل يتكلم هذا الرجل بالصدق ، لكنه اقسم لي ان ما قاله صحيحا وقد وجدني مستغرقا في الصمت، وانه قال ما قاله لي كي احفظه عنه لان السر صار حملا ثقيلا عليه !!
    الكثير من علامات الاستغراب والاستفهام راودتني لكن الذي يجعلني اصدقه انه تحدث عن حادث غاب عن الاذهان ولا يمكن لاحد أن يختلق شيئا عنه لانه حدث عابر !!


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى