Sliderتحقيقات

اسطنبول مدينة تتنفس على وقع الأفواج السياحية العربية

  • د.طه جزاع :

المحطة الثالثة عشرة :
شهدت السنوات الخمس الأخيرة انتعاشاً واضحاً لنشاط بناء المجمعات السكنية الحديثة في اسطنبول وعدد من المدن التركية ، وقد ساعد في ذلك إقبال الأجانب على شراءالعقارات والشقق لأغراض السكن أو الاستثمار ، ونسبة كبيرة منهم من مواطني دول الخليج العربية ومن العراقيين الذين يتقدمون أقرانهم العرب في امتلاك تلك العقارات ، لاسيما في اسطنبول وبورصا ويلوا وانطاليا الواقعة جنوب غرب تركيا على ساحل البحر الأبيض المتوسط ،وفي ألانيا التي تبعد حوالي 120 كم شرق مدينة انطاليا .ومما شجع على انتعاش سوق تجارة وبيع الوحدات السكنية للأجانب عموما ً التعديل الذي أجرته الحكومة التركية في العام 2012 على قانون الملكية ( الطابو ) والذي ألغى شرط المعاملة بالمثل وسمح للأجانب بامتلاك العقارات والأراضي ، وبالتالي الحصول على الإقامة ، وربما الجنسية التركية بعد خمس سنوات بشروط محددة ، حتى لو كانت دولهم لاتمنح المواطنين الأتراك مثل هذا الأمتياز ، وقد أسهم هذا الإجراء في جلب المستثمرين والمشترين الأجانب وسد حاجة الاقتصاد التركي للعملة الصعبة وفتح الامكانات والفرص للأجانب وفي مقدمتهم العرب للاقبال على شراء العقارات ، علماً ان هذا التعديل أعطى حق التملك لمواطني أكثر من 129 دولة من دون الخضوع لشرط المعاملة بالمثل . وبالطبع فأن هناك بعض الشروط والاجراءات الأمنية والاحترازية وخصوصاً في حالة رغبة مواطني روسيا واليونان بامتلاك العقارات في تركيا ، كأن لا يكون العقار ضمن سواحل البحر الأسود بالنسبة للروس ، وأن لايكون ضمن المدن الحدودية والساحلية بالنسبة لمواطني اليونان ! غير أن مواطني سوريا يعاملون وفق مبدأ ( المعاملة بالمثل ) لذلك لا يحق لهم امتلاك عقار بشكل مباشر إلا في حالة إنشائهم شركة محدودة أو شركة محاصصة مع مواطنين أتراك.
اسطنبول تتنفس على وقع الأفواج السياحية العربية ، وتزدحم بالعرب المقيمين من مختلف الجنسيات ، وفي مقدمتهم اللاجئين السوريين من حلب وأدلب وحمص وحماه ودمشق وغيرها والمقيمين بمختلف أنواع الإقامات ومنها اقامة لجوء إنساني ، وقد بدأت بعض مدارس اللغات بدأت في تنظيم دورات تعليم للغة العربية ، بل ان المدارس التركية باشرت منذ سبتمبر من العام الماضي بتدريس اللغة العربية في صفوف المرحلة الابتدائية بعد ان كانت مادة اختيارية في المرحلتين المتوسطة والثانوية ، علماً ان مؤسس تركيا الحديثة كمال أتاتورك قد منعها ومنع الكتابة بأحرفها منذ العام 1925 ، ويعتقد عدد من التربويين ان ذلك سيمكن الأتراك من التواصل مع تاريخهم الذي كتب بالحروف العربية ، وان الهدف منه ليس فقط تعلم العربية ، بل أيضاً اللغة العثمانية التي تعتمد الحرف والرسم العربيين .
في ميدان السلطان أحمد التاريخي وشوارعه المتفرعة الصاعدة حتى ميدان أكسراي حيث محطة المترو الرئيسة ، وفي ميدان تقسيم وشارع الإستقلال وانحداراته حتى البسفور والقرن الذهبي ، تنتشر عشرات المكاتب السياحية ، مثلما ينتشر مئات المتسولين على الرغم من الحملات التوجيهية لبلدية اسطنبول لمحاربة ظاهرة التسول خصوصاً بين الأطفال من الأتراك وغيرهم ( لا تتعاطفوا مع الأطفال المتسولين ) . ومن بين هؤلاء بعض السوريين ، شيوخاً وعجائز ونساءً ورجالاً وشباباً وأطفالاً ، يتفنون في أساليب الكدية الى أقصى إذلالاتها ، وهم منتشرون على ضفاف البسفور يستقبلون السواح المغادرين والواصلين من رحلاتهم البحرية الى الجزر أو النزهات الليلية والنهارية في الزوارق واليخوت السياحية ، ويعرضون أنفسهم لملاحقة البلدية التي عادة ما تهدد بملاحقتهم ومصادرة الأموال التي يجمعونها عن طريق التسول ،ونقلهم الى مخيمات . هنا لا تستطيع أن تمنع عن ذهنك وأنت تتأمل صفحة البسفور الصافية ، صدى كلمات محمود درويش التي كان يعني بها الفلسطيني تحت وطأة الإحتلال والتشرد ، فأصبحت صالحة لملايين العرب الآخرين من اللاجئين والمشردين والهاربين عن أوطانهم من غير الفلسطينيين :
سَجِّل ! أنا عربي .. ورقمُ بطاقتي خمسونَ ألفْ .. وأطفالي ثمانيةٌ .. وتاسعهُم سيأتي بعد صيف !
فهل تغضب ؟ .. سَجِّل أنا عربي !
المحطة الرابعة عشرة :
شأنها شأن بقية المدن العصرية ، فإن اسطنبول مدينة مزدحمة جداً بالناس وحركة المرور وبالأخص في أشهر الصيف ، فقد بلغ عدد سكانها وفق آخر إحصائية رسمية أكثر من 14 مليون نسمة ، وان كان سكنك في أطرافها وضواحيها فقد يتطلب وصولك الى مركزي السياحة في المدينة ، ميدان السلطان أحمد غربي البسفور ، وميدان تقسيم شرقي البسفور ، أكثر من ساعتين ان كنت قد إخترت الباص أو سيارة الأجرة ، وذلك بسبب الزحام المروري الكثيف في الشوارع المؤدية اليهما . غير إن السائح المتمرس أو المقيم لمدة طويلة لايختار هذين الوسيلتين في تنقلاته ، أنما يجتهد في معرفة استخدام خطوط المترو الذي يتحرك تحت سطح الأرض وفي الأنفاق ، أو الترام الذي يتحرك فوق سطح الأرض وعلى جوانب الشوارع الرئيسة في المدينة أو في أطرافها وضواحيها ، وكلا الوسيلتين يعملان من الساعة السادسة صباحاً وحتى منتصف الليل ، وبذلك فإن السائح يوفر الوقت والمال باستخدامه لهذه الخطوط والاطلاع على خرائط توقفاتها في مختلف المحطات ، وهي خرائط معلنة بالألوان على لوحات في جميع المحطات ، عوضاً عن امكانية الحصول عليها من مكاتب المحطات الكبرى مجاناً . وهناك فئة من السواح الأوربيين الشباب على وجه الخصوص يفضلون قطع هذه المسافات مشياً على الأقدام ، بأحذيتهم الرياضية الخفيفة ، وحقائب الظهر التي تحتوي على بعض المستلزمات الضرورية ، وأهمها قنينة عصير أو ماء .
ومثلها أيضاً مثل المدن السياحية المهمة ، فإن اسطنبول توفر للسائح فرصة الاطلاع على معالمها عن طريق توفير الباصات السياحية المكشوفة ، إذ يتمكن من القيام بجولة عبر باص ( HOP – ON HOP – OFF SIGHTSEEING ) أو مايطلق عليه اسم باص اسطنبول الكبير ( BIG BUS ISTANBUL ) وينطلق هذا الباص ذو الطابقين والمميز باللون الأحمر من محطات معلومة وبتوقيتات محددة معلنة ، وهي على مسارين أو خطين ، الأول هو المسار الأحمر ( RED ROUTE ) الذي ينطلق كل 30 دقيقة ويقوم بجولة سياحية في معالم اسطنبول المهمة ( ISTANBUL CITY TOUR ) وتستغرق جولته أكثر من ساعتين ، والثاني هو المسار الأزرق ( BLUE ROUTE) الذي ينطلق كل 60 دقيقة ويتضمن جولة على مناطق ضفاف القرن الذهبي بجانبيه ( GOLDEN HORN TOUR ) وتستغرق جولته أكثر من ساعة ، وتتوفر في هذه الباص الذي يبدأ عمله من الساعة التاسعة والربع صباحاً وحتى الساعة الحادية عشرة والربع مساءً ، سماعات أذن بثماني لغات منها اللغة العربية للاستماع الى الشروحات السياحية المهمة ، كما يمكن للسائح أن يترجل أو يصعد في أية محطة يرغب لأن تذكرة الباص الكبير صالحة لمدة 24 أو 48 ساعة منذ وقت استخدامها ، وتباع هذه التذاكر في مواقف الباصات مباشرة أو عن طريق الحجز عبر الموقع الالكتروني باستخدام بطاقات الائتمان ، ولا ينصح بشرائها من الفنادق أو المكاتب السياحية .
فضلاً عن ذلك فإن هناك عشرات المكاتب السياحية الأهلية التي تنضم جولات الى عدد من المدن والمناطق السياحية القريبة من اسطنبول مثل بورصا ويلوا وبحيرة صبنجة أو سبانجا وشلالات المعشوقية وجزر الأميرات ، وتنتشر تحديداً في ميدان تقسيم وميدان السلطان أحمد وفي مناطق الفاتح مثل أكسراي ولاللي وبايزيد ويوسف باشا التي يقطنها عدد كبير من العرب . ومن الظواهر الجديدة الملفتة للنظر مشاهدة شباب ورجال غالبيتهم من البلدان العربية معصوبي الرؤوس بالشاش والأربطة الطبية التي تنز منها قطرات من السوائل الطبية الممزوجة بالدماء على جباههم وأعناقهم وكأنهم جرحى حرب في الوحدات الطبية الميدانية !
هؤلاء هم المصابون بمشكلة الصَلَع وتساقط الشَعَر الذين وجدوا ضالتهم في اسطنبول التي كثرت فيها المستشفيات والمراكز الطبية المختصة بعمليات زراعة الشعر لمن تضايقهم هذه المشكلة من أصحاب الصلعات الصغيرة والكبيرة !

  • كاتب وصحفي من العراق 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى