ادب وتراث

قراءة في وعي علي شريعتي ” 6 ــ 7 “

عبدالله خليفة *
ككل الشموليين العرب والإسلاميين يرفض علي شريعتي المرحلة الرأسمالية، رغم أطروحاته الموضوعية في فهم الحداثة، وتقديره لإنجازاتها، بخلاف ما هو شائع لدى الدينيين. فهو يقول:”إن الرسالة التي حملها المفكرون الأحرار في أوروبا في صراعهم مع دين القرون الوسطى والتي أنقذوا فيها أوروبا من التخلف والرجعية هي الرسالة نفسها التي أخذها أنبياؤنا على عاتقهم عبر التاريخ”، ] السابق، ص80 [. وبطبيعة الحال، فإن شريعتي هنا يعطي معايير مزدوجة للدين وللعلمانية، فرغم انه هو نفسه يعترف بأن الأديان والمذاهب في المشرق تم استغلالها من قبل الحكام والقوى المحافظة، فإنه يرفض أن يلعب دور المفكرين الأحرار الذي حدث في أوروبا، عبر فصل الدين عن السياسة، ولتوقيف ذلك المسلسل الذي كشفه بنفسه، وهو مسلسل استغلال الدين من قبل القوى السائدة .

فإذا كان التاريخ الشرقي قد استمر يستخدم الدين طوال أربعة آلاف سنة، ودائماً كان يتسلل الاستغلاليون إلى الدين ويعيدون صياغته لمصالحهم، رغم تضحيات الأنبياء العظام والأئمة الشهداء والكثير من المناضلين والدينيين المخلصين، فلماذا الاستمرار في هذا المسلسل ولماذا لا يحدد الدينيون أنفسهم كسياسيين منفصلين عن القداسة الدينية ورموزها، ويطرحون برامجهم الاقتصادية والاجتماعية، من دون تعكز على السلف الصالح؟! فإذا نجحوا في برامجهم السياسية فسيكون ذلك نصراً لتيارهم الديني، وإذا فشلوا واستغلوا مناصبهم فسيقع ذلك على أشخاصهم. إن شريعتي لا يطرح ذلك أبداً، لأن منهجه مصمم على استئصال الآخر، أي على صراع الإيمان ضد الشرك، وهو أمر يقوده إلى الصراع مع المسلمين أنفسهم، بدلاً من أن يبرمج هذا الإيمان، أي يقول: ماهية أهدافه العملية في الاقتصاد والسياسة، بحيث يتحول إلى برنامج كفاحي للمعذبين والمستغلين، بغض النظر عن مذاهبهم وأديانهم. إن برنامج العصور الوسطى يظل ملتصقاً ببرنامج شريعتي، برنامج الشكل المذهبي للكفاح، وبرنامج العجز عن تكوين طرح إسلامي عام وإنساني مشترك.

ويكمن في ذلك عدم القبول بضرورة التشكيلة الرأسمالية، ولتجاوزها، أو لتجاوز قوانينها وهي: الحداثة، والديمقراطية، والعلمانية، فهو يريد أن يقفز عليها، لهذا فهو يريد أن يقفز على هذا التطور فيؤجج: “الروح الثورية والهدف المقدس والنزعة الشعبية المطالبة بالعدالة والمناهضة للاستعمار والرأسمالية برسالة التوحيد التي طالما ناهضت الشرك بمختلف أشكاله الفكرية منها..لنصل إلى الغاية الكريمة المثلى وهي المساواة بين الناس في توزيع الثروة.. ولكي نثبت للجميع أن النظام الرأسمالي يجزئ الإنسان ويمسخه ويمثل به وان الدين الذي يدعو الإنسان إلى التكامل والتحلي بالقيم الأخلاقية المتعالية لا يمكن أن يبقى في هكذا نظام”، ] السابق، ص157 [. يتضح هنا عدم القبول بالرأسمالية من مواقع الثورة والرفض للاستغلال، وهو أمر إيجابي، ولكن التشكيلة الرأسمالية ليست اختيارية بل إجبارية، ولا يمكن أن تزول بوصايا أخلاقية، بل عبر النضال داخل قوانينها الاقتصادية والاجتماعية، ومن خلال نضال طبقاتها العاملة والمفكرة والمنتجة، ولكن إذا لم تتشكل هذه القوى الاجتماعية وتمارس كفاحها وتخلق منظماتها وتجربتها وقيمها، كيف يمكن أن يتشكل زوال الاستغلال؟ بالنسبة إلى علي شريعتي فإن الأفضل هو عدم دخول التشكيلة، لكي يبقى الدين كمنظومة خارج التاريخ المعاصر، أو بالأحرى ليبقى الإقطاع المذهبي مانعاً من تكون الطبقات وصراعها داخل الطائفة، وليظل رجال الدين الطيبون سائدين فيها. هذه ليست خلاصة مقحمة بل هي التتويج لمجمل المنظومة الفكرية، وهو أمر تشكل في تجربة إيران الأخيرة عبر هذا الوعي السابق عليها.

  • كاتب وروائي من البحرين 


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى