ثقافة وفنون

تقاسيم على الهامش(( كيف نقرأُ بعضَنا ..؟! ))

 عبدالسادة البصري
في كلّ مرّةٍ يواجهني هذا السؤال ، وتحديداً عندما يهديني أحدهم إصداره البكر أو الجديد ، في البدء أتصفحهُ وأقرأُ ما كُتبَ على الغلاف ، ثم أتركهُ جانباً لأعود إليه كي أقرأه بتمعّنٍ وتأنٍ لأعرف ما يريد !!
قبل أيام وبعد أن أهداني أحد الأصدقاء أربعة كتبٍ أصدرها في وقتٍ متقارب ، ثلاثة شعرية وآخر نقدي ،وعند قراءتي لها وجدته ناقداً أفضل من كتابته للشعر لهذا قلت له :ــ لدينا من الشعراء ما يفيض عن الحاجة ، لكننا نفتقد الى النقاد الحقيقيين ، أتمنى أن تستمر في النقد وتهجر الشعر أو تتركه للأيام !! انزعج من كلامي وأخذ يحدثني بأنه قرأ هنا وهناك وله من المعجبين والمعجبات بشعره في مواقع التواصل الكثير ، فقلت له :ــ لكَ ما تشاء ، أعطيتك رأيي بمحبة خالصة !!
تذكّرت هذه الحادثة وهناك الكثير مثلها ، حيث لا أترك كتاباً يهدى لي دون قراءة ، إذ تجدني أدوّن ملاحظاتي على الكتاب ، ثم أجمعها لأكتب مقالةً أسميتها (( قراءة أولى )) لتكون قراءتي منتجة ، لا أن أستلم الكتاب من أيّهم وأرميه جانباً أو أجعله مكمّلا لما في مكتبتي من رصيد كما يفعل البعض من أصدقائنا وزملائنا للأسف ، تراه يلفّ ويدور لغرض الحظوة بإصدار ما في أي جانب من جوانب الأدب وبعد أن يحظى بالإهداء يأخذه دون أن يُتعبَ نفسه حتى بتصفّحهِ ، لأنك حين تسأله عن رأيه بما جاء فيه يبادرك فوراً بأن وقته لم يسمح له بالقراءة وهكذا تستمرّ الحكاية !! واحدنا يبحث عن إشارة أو كلمة حول انجازه لأنه يرغب بمعرفة أين وصل في مجاله الإبداعي ، لكنه يُصاب لحظتها بالخيبة عندما لم يسمع أية كلمة منّي أو منكَ ، لهذا علينا أن ندرك ما يريده الآخرون ، فمثلما نتمناه لأنفسنا يتمنونه بالتأكيد ،المعادلة متساوية تماما لكلينا ، فما علينا إلاّ أن نرمي النرجسية والغرور والتعالي جانباً ونفتح قلوبنا لكل ما تمسكه أيادينا من إصدار يُهدى إلينا لنقرأه وكأنه إصدارنا .
مَنْ مِنّا لا يعيد قراءة ما كتبه أكثر من مرّة ؟! ومَنْ مِنّا لا يريد تصحيح أخطائه ؟! ومَنْ مِنّا لا يحب أن يقرأه الآخرون ؟! كلنا نرغب بذلك ونتمناه كي نعرف أين نضع أقدامنا !!
علينا أن نترك كل ما فينا من عُقَدٍ جانباً في اللحظة التي تمتد إلينا الأيادي لتهدينا ما سطّرته أناملها ، ونبدأ بقراءته مثلما يرغبون لندلي إليهم بما وجدناه في كتاباتهم بعيداً عن الأستاذية والترفع والأنانية التي دمّرت الكثير من المواهب ، وعلينا أن نقرأ بعضنا كما نقرأ أنفسنا لأنّ رأينا مسؤولية وواجب إنساني للرسالة التي نحملها ، فما أكثر الإصدارات وأقلّ الإبداع لكن علينا أن نقرأ كل ما يُهدى إلينا بروح القارئ المتفحص والناقد الحقيقي المخلص لفنّه بعيداً عن المجاملة والاخوانيات وملء فراغات الصحف بالغثّ والسمين.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى