ادب وتراث

رواية (مصرع ألماس) وحكايات لا تنتهي؟

هدية حسين*

يجب أن نواجه الأشياء التي نخاف منها لكي نتخلص منها، هذا ما يؤكده علم النفس، ولكن هل يمكننا أن نولع بما نخاف منه؟ يبدو الأمر غريبا أو غير قابل للتصديق، ولكن الراحل ياسين رفاعية جعله أقرب الى الحقيقة منه الى الخيال في روايته (مصرع ألماس) ، وألماس هذا بطل شعبي خارق كان يخشاه الأطفال، فهو كما يصفه الراوي «بعبع الطفولة» وهو الوحيد الذي يتحاور مع الجن والعفاريت، ومع ذلك فهم مولعون به، إذ يمكن لهذا الرجل الشجاع أن يختفي عن الأنظار حين يداهمه الخطر، وهو عملاق النجوم كما تصوره مخيلتهم، وكانوا يحلمون بأن يصبحوا مثله حين يكبرون.

حكايات خرافية

تخبر الأم طفلها وهي تسدل الستائر قبل نومه أن ألماس يذرع المقبرة الملاصقة لبيتهم ليلا ويأكل مع الموتى، وتنقل له حكايات خرافية عن هذا العملاق، ومن تلك الحكايات أن ألماس كان متهما بقضايا سلب وتهديد، وأن دورية أمن يرأسها ضابط فرنسي لاحقه، وحوصر في المقبرة (أحداث الرواية تدور أثناء الاحتلال الفرنسي لسوريا) وما إن شرع الجنود بدخول المقبرة حتى ارتدوا على أعقابهم وهم يشاهدون العفاريت تخرج لهم لحماية ألماس.

مزج التاريخ بالأسطورة

يمزج ياسين رفاعية بين الوقائع التاريخية والروايات الأسطورية التي تحيط بشخصية ألماس، الذي يحتل مساحة كبيرة من القسم الأول في الرواية، وتشاركه شخصيات أخرى
لا تقل أهمية في صنع الأحداث ورواية الحكايات، ومنها أبو عبدو وابنه عبدو، وأبو الود، وأبو خليل، والكولونيل جاك الذي تحول اسمه الى أحمد بعد إسلامه، وامتثال والخياطة لور وحسنية البلطجي وآخرون.

ثيمة الرواية

يحدث ذات يوم أن تقع جريمة في الحي، تقتل حسنية البلطجي المتزوجة من (أبو الود) وهو رجل مشلول بسبب إصابته بطلق ناري، وقد أسِر وعذّب ولم يبح بأسماء رفاقه ووجد ألماس نفسه بأنه مسؤول عن إعالة عائلته، ولكن لماذا قتلت حسنية ومن هو القاتل؟ بعد التحقيق الطويل فوجئ أهل الحي بأن ألماس هو القاتل، فلماذا يقتل المرأة التي يحسن إليها ويقيها غائلة الجوع والتشرد؟ وهل حقا هو أسطورة أم أنه بشر عادي له قدرة التأثير على الناس؟ وقبل أن يفيق الحي من هذه الجريمة تقع جريمة أخرى، فقد قتل أبو عجاج صديق ألماس، وألصقت الجريمة بألماس برغم العلاقات الودية التي كانت تربط بين ألماس وصديقه.. ثم يختفي ألماس عن الأنظار، وبعد اختفائه تشيع عنه الحكايات، ولكن حكاية وجوده في الصحراء الشاسعة بين العراق وسوريا هي التي تلقى قبولا، وتناقلها الناس بكثير من المبالغات، وبعد الاختفاء الطويل يظهر في المقبرة لزيارة قبر صديقه (أبو الود) ويحاصر من قبل الأمن الفرنسي من جميع الجهات، ومع ذلك لم يمسك به أحد منهم، فقد زاغ عن أبصارهم واختفى من أمامهم على الرغم من أنه كان على مرمى بنادقهم، قال أحد الجنود للضابط «كان كالعفريت يقفز من قبر الى قبر، ينحني ويقفز كالقرود، كان مشهدا عجيبا حقا كأننا لم نكن نطارد إنسانا بل وحشا أو ذئبا سريعا يظهر ويختفي كأن قوة ما تحميه، لا أعرف ماذا أسميها لك يا سيدي، كأننا كنا في كابوس أو حلم مزعج، وكأن هذا المجرم من غير أهل البشر» ص48. أقصى الخيال ، وهكذا يعيدنا المؤلف الى شخصية ألماس، الشخصية الملتبسة الخارقة، ولكن هل حقا أن ألماس بهذه القوة الخارقة أم أن له قدرة التأثير على عقول وقلوب الناس البسطاء الذين حولوه الى أسطورة بمرور الوقت حتى كاد المتخيل يطغى على الواقعي؟ ربما هذا وربما ذاك، وبينهما تتوالد الحكايات، وتأخذ طريقها الى الفصل الثاني، حيث يظهر أبو عبدو الطويل، وهو حكواتي كان يتصدر المقهى ليستل الحكايات من بطون التاريخ ويلقيها على مسامع الزبائن، ولم تتوقف حكاياته الا بعد أن يحكم عليه بالمؤبد لقتله يهوديا كان يتجسس على أهل الحي.. لكن حكايات المؤلف لم تتوقف، بل تتوالد وتستمر بشخصيات ، أخرى يجد لها مخرجا، ومن خلال هذه الرواية يأخذنا ياسين رفاعية الى أقصى الخيال والى الأجواء الأسطورية، ثم يعيدنا الى مرارات الواقع وتشابكاته، يمزجهما ويفرقهما ويوقعنا بالالتباس، ويسلط مجهره الإبداعي على تاريخ البلد ونضال أهله ضد الاستعمار الفرنسي.

  • روائية عراقية مقيمة في كندا 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى