Sliderثقافة وفنون

المشخص … علامة دالة على تحقق صفة الرسم

خالد خضير /ناقد تشكيلي

قد يوحي بعض من يكتبون عن الرسم عندنا ان الانقطاع عن المشخص ، وتكريس المجردات أو ( اللاشكل) ، هو اهم أبواب الحداثة في الرسم ، بينما تتجه عفيفة لعيبي، وعدد من الرسامين الذين يشتركون معها في اهم مرتكزاتهم الشكلية، اتجاها معاكسا تمامأ حينما يكرسون المشخص باعتباره ، كما ذكرت سابقا،  ( علامة دالة على تحقق صفة الرسم) ، كما تنفرد عيفة لعيبي عن (مشاكليها) أيضا بخصائص واضحة أهمها: بنية اللقطة ، وتركيبها ، والسمات الاسلوبية، سواء الشكلية منها أو اللونية. ففي الوقت الذي يسعى رسامون كثيرون الى بناء لوحاتهم من قطعان من الخيول التي خرجت من معطف فائق حسن ، أو أجزاء من (فولكلوريات) عراقية يبنون منها خليطا لتجربة تجريدية توحي بأنها ما زالت مرتبطة، ولو بطريقة قسرية، وع (الواقع المحلي)، وربما يرسم أكاديميون آخرون الناس في فعالياتهم الاجتماعية كنجيب يونس وفيصل لعيبي ،الا ان عفيفة لعيبي تحتفي  بالانسان منفردا، ومعزولا ، اوبتعبير ادق، امرأة متكتمة على اخزانها، واسرارها وهي تغرق بصمت ثقيل يلف عوالم اللوحة، ويكرس كل شيء فيها لاستبطان العالم الداخلي للبطل، وبشكل مقنن، لامجال للعفوية فيه. ولم تكن عفيفة لعيبي حديثة عهد بنمط كهذا من الرسم ، فقد كانت تمارس هذا النمط، منذ بداياتها الاولى أيام دراسة الرسم في معهد الفنون الجميلة ببغداد، وكانت تشتغل رسامة في صحيفة ( طريق الشعب) ، وترسم بالحبر الصيني ، أو بالقلم الرصاص ، مولعة بأشكال النساء ، وموضوعات الامومة والطفولة ، فكانت نساؤها اناث ذوات نفوس شفيفة ،ووديعة ، وأجسادهن ممتلئة وبضة ، تؤدي أدوارها الانسانية , رغم وضوح الدوافع الايديولوجية للرسامة التي لم يكن ممكنا انكارها وقتها ، بينما هي الان ، في أحاديثها الصحفية ، والاهم في اعمالها ، تصرح ان السياسة شيء والرسم شيء أخر ، وان تكريس التوجه نحو الموضوعات الانسانية يجب ان يكون البديل عن الايديولوجيا. لقد سبق ان تساءلنا : هل يمكن ادخال عفيفة لعيبي ومشاكليها في خيمة الحداثة؟ ، ونحن نعتقد انه سؤال مهم ليس لنا وحدنا نحن المشتغلين في الفن التشكيلي ، ولكننا نعتقد ان الوصول الى جواب عنه من خلال مقارنة اسلوبا بأسلوب أي من مجايليها التجريديين هي مقارنه ظالمة، وهي ظالمة ربما لعفيفة لعيبي اكثر من الاخرين ، فلم تكن عفيفة لعيبي امتداد لتقاليد قرون غابرة من الرسم الواقعي أو الاكاديمي ، بل هي رغم احترامها للمماثلة مع المشخص ، كانت قد أجرت عليه ما يكفي من التحوير الذي يمنحه طابعا شخصيأ متفردا يبعده عن تلك الآساليب ، كما ان اقتراب الشكل من المشخص ، أو ابتعاده عنه لا يشكل برأينا مانعا للرسام من ان يكون رساما للمادة ، حاله في ذلك حال الرسام التجريدي تمامأ، من حيث التقنية اللونية ، واعتبار المادة والاشتغال عليها جوهر فن الرسم ، وليس ما يتجمع عليه من هوامش نثرية حكاياتية ، فأن اهم خصائص الرسم الحديث هو ميتريالية اللوحة ، وهي تعني في أبسط مدلولاتها المعالجة التقنية للمادة بشكل يجعلها المهيمنه الاكثر اهمية في اللوحة … وقد كرست عفيفة لعيبي نفسها باعتبارها ( رسامة مادة) من نمط خاص .. وبذلك تحتفظ لها بمكان داخل منطقة الحداثة ، رغم موضوعاتها ( المشخصة) . ان تفرد عفيفة لعيبي عن الرسامين الاخرين يعود، في جزء منه، الى اسلوبها في بناء اللقطة ، وهو اسلوب لايمكن ان نلحقة بمخلفات السورياليين، بل هو اسلوب ( حلمي) يستمد أجواءه و بعض مفرداته من حكايات أسطورية غامضة تمتد مرجعياتها الى تأثيرات المدة التي قضتها ترسم حكايات  الاطفال في المطبوعات التي ساهمت برسمها ، فكانت تلك الاجواء بادية من خلال سارونيمات مجنحة، تمسك أبواقها وتنفخ فيها ، في بحيرات سحرية تتصاعد منها ابخرة  تملآ المكان عبقا سحريا غامضا ، يفجر في المتلقي انثيالات ودودة تجعل من تجربة عفية لعيبي  اقرب لآولئك المتلقين الذين يبحثون عن ( معان) مرتبطة بأشكال الواقع ، ومشخصاته اكثر مما يبحثون عن ( تكنيكات) الرسم ، وألعابه اللونية التي تهم نفرا قليلا من متعاطي الحداثة . رغم انها اجمل فرية على الرسام اتهامه انه مرتبط بالانسان.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى