ادب وتراث

الحب والإرهاب ، حكاية حب شاعررومانسي لفتاة عراقية ؟

*خليل الحلي – سدني :

كان الشاعر نزار قباني يلقى قصيدته في إحدى القاعات التي ضمت مهرجاناً شعرياً في بغداد عام 1962م فوقع بصره وهو يشدو بقصيدته على فتاة عراقية في العشرينات ، شديدة الجمال ، مليحة القوام ، تلاقت أبصارهما مرات ومرات فوقعت في قلبه ، فهام بها.سأل عنها ، فعلم أنها بلقيس الراوي ، تعيش في الأعظمية في بيت أنيق ، يطل على نهر دجلة ، فتقدم لخطبتها من أبيها ، ولأن العرب لا يزوجون من تغزل في ابنتهم ، لم يوافق ، فعاد نزار حزيناً إلى أسبانيا حيث كان يعمل في السفارة السورية.ظلت صورة بلقيس تداعب خياله ولا تغرب عن باله ، لكنه ظل يتبادل معها الرسائل في غفلة من الوالد.
بعد سبع سنوات عاد إلى العراق ليشارك في المربد الشعري وألقى قصيدة أثارت شجون الحضور ، وعلموا أنه يحكى فيها قصة حب عميقة ، فتعاطف معه الشعب العراقي بأسره ، كان يقول في قصيدته:
مرحباً يا عراقُ، جئت أغنيك وبعـضٌ من الغنـاء بكـاءُ
مرحباً، مرحباً.. أتعرف وجهاً حفـرته الأيـام والأنـواءُ؟
أكل الحب من حشاشة قلبي والبقايا تقاسمتـها النسـاءُ
كل أحبابي القدامى نسـوني لا نوار تجيـب أو عفـراءُ
فالشفـاه المطيبـات رمادٌ وخيام الهوى رماها الـهواءُ
سكن الحزن كالعصافير قلبي فالأسى خمرةٌ وقلبي الإنـاءُ
أنا جرحٌ يمشي على قدميه وخيـولي قد هدها الإعياءُ
فجراح الحسين بعض جراحي وبصدري من الأسى كربلاءُ
وأنا الحزن من زمانٍ صديقي وقليـلٌ في عصرنا الأصدقاءُ
كيف أحبابنا على ضفة النهر وكيف البسـاط والنـدماءُ؟
كان عندي هـنا أميرة حبٍ ثم ضاعت أميرتي الحسـناءُ
أين وجهٌ في الأعظمية حلوٌ لو رأته تغار منه السـماءُ؟

نقلت القصة إلى الرئيس العراقي أحمد حسن البكر، فتأثر بها فبعث بوزير الشباب الشاعر شفيق الكمالي ووكيل وزارة الخارجية، والشاعر شاذل طاقة، ليخطباها لنزار من أبيها ، عندها وافق والدها فتزوجا عام 1969 ليعيشا أجمل أيام حياتهما.
وبعد عشر سنوات من الزواج والترحال قال فيها قصيدة غناها كاظم الساهر مطلعها “
أشهدُ أن لا امرأة ً
أتقنت اللعبة إلا أنتِ
واحتملت حماقتي
عشرة أعوام كما احتملت
واصطبرت على جنوني مثلما صبرت
وقلمت أظافري
ورتبت دفاتري
وأدخلتني روضة الأطفال
إلا أنتِ ..
ما أن أشرق عام 1981م ، وبعد أن استقر بنزار وزوجته المقام في بيروت، حيث كانت بلقيس تعمل في السفارة العراقية ، حتى كان الخامس عشر من الشهر الأخير من عام 1981 ودعها نزار لتذهب إلى عملها وتصافحا فتعانقا فتفارقا ، فذهبت إلى عملها وذهب نزار إلى مكتبه بشارع الحمراء ، وبعد أن احتسى قهوته سمع صوت انفجار زلزله من رأسه إلى أخمص قدميه، فنطق دون شعور، قائلاً : ياساتر ياربي ، وما هي إلا دقائق حتى جاءه الخبر ينعي له محبوبته التي قتلت في العملية الإرهابية ومعها 61 من الضحايا ، فكتب فيها قصيدة رثاء لم يكتب أطول منها في حياته، ولا أجمل منها في مسيرته الشعرية.أتعلمون من فجر السفارة العراقية ؟ لقد فجرتها جماعة إرهابية ، هم حزب الدعوة العراقي القسم العسكري ، وكان يقود الجماعة المجرمة نوري المالكي الذي أصبح فيما بعد رئيساً للحكومة العراقية …لقد زار المالكي هذا العام بيروت، فطالب المحامي طارق شنب ممثل الضحايا ومن بينهم أسرة بلقيس، إلقاء القبض على المالكي ومحاكمته، فولى هارباًهذه قصة الحب والإرهاب ، إنها قصة تؤكد أنه ليس للإرهاب قلب ، وليس له مبدأ ، وليس له إيمان.لقد قال نزار في رثائها :
سأقول في التحقيق :
إنَّ اللصَّ أصبحَ يرتدي ثوبَ المُقاتِلْ
وأقول في التحقيق :
إنَّ القائدَ الموهوبَ أصبحَ كالمُقَاوِلْ ..
وأقولُ :
إن حكايةَ الإشعاع ، أسخفُ نُكْتَةٍ قِيلَتْ ..
فنحنُ قبيلةٌ بين القبائِلْ
هذا هو التاريخُ . . يا بلقيسُ ..
كيف يُفَرِّقُ الإنسانُ ..
ما بين الحدائقِ والمزابلْ
*كاتب وشاعر عراقي مقيم في سدني ، رئيس تحرير جريدة العهد المندائية


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى