تحقيقات

من ذاكرة مهاجر عراقي/قرية مارية لوند (2)

 كتب / علي كاظم / السويد 
اكتشفت ان عدد العراقيين في هذه القرية تقريبا ب 200 شخص بينهم اكثر من عشرة عوائل وتعرفت علئ عائلة من أهالي زيونة حيث كان الآب مثقف جدا ويعمل مهندس وهرب من العراق بعد ان تم خطفه ودفع فدية لخاطفيه فاخذ عائلته وسافر الئ سوريا ومن بعدها وصل الئ السويد عن طريق البحر وشاهد بعينه غرق مركب بحري فيه لاجئين عراقيين غرفوا امام عينه دون ان يستطيع احد ان ينقذهم !!! ولم يصدق انه نجا من غضب البحر ووصل الى اليونان ومن ثم اكمل طريقه الى السويد !!! كان معه ولديه علي يبلغ من العمر 13 سنة وابنته مينا عشرة سنوات التي كانت تشعر بالضوجة والكآبة في هذه القرية الصغيرة !!!! وكذلك اصبح ابو عمار الذي اسكن معه في نفس الشقة من أصدقائي وأقضي معه طول اليوم مع صديقي ضابط الشرطة ملازم حسن والذي هو الان مقدم حسن قبل ان يقرر الاستقرار في السويد !! أخذني ابو عمار الئ بحيرة قريبة من العمارة التي نسكن فيها وشاهدت الكثير من الرجال والنساء يسبحون فيها وإستغربت من هذا العدد !!!! فنظر الي آبو عمار وقال لا تستغرب هؤلاء سياح من دول أوربا يأتون هنا وينصبون خيامهم حول البحيرة وفعلا شاهدت سياراتهم وخلفها كرفانات للنوم والاستراحة حيث يأتون هنا لمدة شهر يقضوها بين السباحة والرياضة والتجوال داخل الغابات الكثيرة التي تحيط بالقرية .. جلسنا بالقرب من البحيرة ونحن نشاهد فرحهم ولعب اطفالهم وضحكاتهم بينما نحن تركنا عوائلنا في سوريا وأهلنا في بغداد لمصير مجهول !!
في اليوم الثالث من وجودي في القرية تعرفت على بعض العراقيين الساكنين في نفس العمارة والمقسمة الئ شقق وزعت للعوائل وللاجئين الذين جاءوا وحدهم مثلي !!كان صديقي آبو عمار يعرفني عليهم ويقدمني لهم باني كنت مدير جنسية وضابط شرطة سابق!!؟ سمعت منهم الكثير من القصص المحزنة في كيفية وصولهم الئ السويد والمعاناة التي واجهتهم اثناء التهريب والوصول الى هنا !!؟! حدثني احد الشباب الذي لم يتجاوز عمره 18سنة عن مأساته وكيف قتل والده امام عينه في عام 2006 بعد تدهور الوضع الأمني في بغداد وقررت والدته الهروب الئ سوريا مع شقيقه الثاني ومن ثم ترك أمه وشقيقه في دمشق وجاء وحده الئ السويد عن طريق البحر تركيا ، اليونان .. ومن ثم طرق التهريب المعروفة حتئ وصل للسويد كان يحكي قصته وانا ارئ دمعه حبيس عينه يخجل من النزول أمامي !!!! أخذني صديقي ابو عمار الذي كان محبوب من الجميع بسبب بساطته وطريقة كلامه البغدادي وحبه لمساعدة الجميع الئ أصدقاء اخرين حيث كانوا يقومون بعمل صمون كهربائي بواسطة طباخ الغاز بعد ان يشتروا طحين من المجمع التسويقي الوحيد الموجود في وسط القرية مع بنك ومستوصف صحي ومحلات قليلة لبيع الملابس زرتها فيما بعد جلسنا معهم بعد ان اصروا ان نتناول الغداء معهم وبالفعل كان طعامهم لذيذ بفعل خبرتهم في الغربة والاعتماد على أنفسهم !؟؟؟ في العصر أخذني ابو عمار لمشاهدة مباراة لكرة القدم للفريق النسوي للقريةً !!! كنت اظنه مزحة عندما قالها ولكن عندما وصلت الئ الملعب فإذا ارئ نساء رشيقات وجميلات يرتدن الملابس الرياضية ويلعبون بكل حماس ولياقة عالية وهذه المرة الاولى التي اشاهد فيها مباراة للنساء !!! كان الفريق الخصم لفريق القرية من مدينة اخرئ لم اتذكر من الذي فاز ولكني استمعت بلعبهم وكأنها كرة قدم رجالية وليست نسائية !!!! عندما العودة للشقة بدأت اشعر بالكآبة والتفكير بعائلتي الذين تركتهم منذ أكثر من شهر في دمشق واشتقت لهم كثيرا خاصة اني لم أفارقهم مثل هذه المدة في السابق !!!! في الليل اجتمعنا في الشقة انا وأبو عمار وصديقي مقدم حسن وبعض الأصدقاء وجلسنا نتحدث عن العراق وبغداد والوضع الأمني وعرفت ان الكثير منهم مضى على وجوده اكثر من تسعة أشهر دون ان يعرف مصيره وعندما يتصل بمسؤول الهجرة يقول له ( انتظر ) هناك زخم كبير في ملفات العراقيين حيث يدخل كل شهر اكثر من 1500 لاجئ عراقي كل شهر للسويد وهذا ما جعل التأخير في إنجاز طلبات اللاجئين وحسم قضاياهم بعد ان كانت لا تتأخر في عام 2005 اكثر من شهرين بالزائد ويمنح العراقي الإقامة الدائمية ولكن بسبب تدفق إعداد هائلة من العراقيين بدأت المعاملات تتأخر !!؟؟
في اليوم الثالث ذهب ابو عمار ومقدم حسن وباقي الأصدقاء الئ مدرسة تعلم اللغة التي تبعد عن القرية بساعة ونصف تقريبا حيث يستقلون القطار في الساعة السادسة صباحا ويعود بهم في الساعة الرابعة عصرا !!! بقيت وحيدا في الشقة وصعدت الكآبة عندي واتصل احد الأصدقاء القدماء يسكن مدينة مالمو بعد ان علم بوجودي هنا وطلب مني ان ارجع الى مالمو واسكن معه في شقته خاصة انه حصل علئ الإقامة قبل فترة وأرسل لي عنوانه البريدي !!! عندما جاء ابو عمار ومقدم حسن في المساء من المدرسة أخبرتهم باني سأعود الئ مالمو وحكيت لهم ماجرئ من كلام مع صديقي في مالمو ..
في اليوم الرابع
ذهبت الئ مسؤول الهجرة مع المترجم وأخبرته باني اريد العودة الئ مالمو فقال هل لدية عنوان بريدي هناك !!! نعم يوجد لدي وأخذ العنوان وقال تستطيع الذهاب وسيصلك البريد علئ عنوانك الجديد !!!! رجعت الئ الشقة وانا اشعر بالفرح لأَنِّي سأعود الى مالمو واترك هذه القرية التي هي فعلا جميلا جدا ولكنك تشعر بالكآبة لموقعها البعيد وقلة الناس !!؟ عندما علم ابو عمار بالخبر شعر بالحزن ورأيته مقهور بالرغم من قصر مدة صداقتي به التي لم تتعدئ أربعة ايام وقال لي ( تعودنا عليك وحاول ان يثنيني علئ عدم الذهاب ) ولكني كنت مصمم علئ الرجوع الى مالمو !!!! اما مقدم حسن الذي اتصل بصديقه المصري ( وجدي ) الذي لديه سيارة ويستعملها تكسي لايصال الأشخاص لأي مكان وانه مقيم في هذه القرية منذ عشرة سنوات !!! جاءنا وجدي المصري وتعرفنا بسرعة وكعادة المصريين يمتاز بحلاوة الكلام وروح النكتة واتفقنا علئ سعر 80 دولار الئ مالمو وهناك شخصين اخرين ايضا سيكونون معي يذهبون الئ مالمو !!!! اتفقنا ان ننطلق غدا في الصباح في الساعة العاشرة وكانت المفاجاة ان مقدم حسن لم يذهب للمدرسة وسياتي معي في السيارة ويعود مع وجدي المصري !!!! عندما نهضت من النوم وجدت رسالة كتبها ابو عمار قبل ذهابه الئ المدرسة يتمنئ لي الخير والموفقية ويعتز بصداقتي رغم قصرها وكتب رقم هاتفه !!!! انطلقت بِنَا السيارة انا جالس بالقرب من وجدي المصري وخلفي يجلس مقدم حسن واثنين عراقيين ذاهبين لزيارةً أقاربهم في مالمو …
كان الطريق جميلا جدا حيث الغابات الكثيفة والبحيرات التي أراها من خلال النافذة وإشارات المرور الموجودة بالرغم من قلة السيارات التي تمر من هنا ولكنهم حريصين علئ وضع العلامات المرورية والإرشادات لتجنب الحوادث لان الانسان اغلئ شي في السويد على عكس وطني ارخص شي فيه الانسان
السويد يعتمد اقتصادها ايضا علئ بيع الأخشاب فلهذا كنت ارى أطنان من الأشجار المقطوعة وضعت بشكل منظم حتى تنقل للتصدير او الاستهلاك المحلي !!! لم نشعر بطول الطريق أبدا والسبب معروف السائق مصري في كل لحظة له حكاية ونكتة طريفة اضافة الئ سوالف مقدم حسن الجميلة .. وصلنا مالمو وودعت مقدم حسن ووجدي المصري بعد ان أخذت ارقام هواتفهم متمنيا لهم سلامة الوصول الى القرية الجميلة والكئيبة بنفس الوقت
وللقصة بقية
الصورة
في شتاء 2010 بمالمو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى