Sliderالعراق

في عيد صاحبة الجلالة اقف احتراما لأساتذتي

تحسين صبار
ﻣﻨﺬ عقدين من الزمن مرا كأنهما لحظات او انهما كانا يوم او بعض يوم وانا اعيش في بلاط صاحبة الجلالة حتى ﺗﺮﺑﻌﺖ على جميع جوارحي بدءا من الفؤاد وصولا الى الانامل حتى بت اعشقها عشق المتيم الولهان وبرغم حب الناس لها وتتبع اخبارها الا ان العاملين فيها لا يستطيعون منها فكاكا فهي البلسم والداء اذ اننا بها ومن خلالها نطل ونطلع كل ﺻﺒﺎح وحتى الهزيع الاخير من الليل على ما يجري في ارض المعمورة والفضاء وتنقل الينا اخبار الاخرين مهما بعدت المسافات فتمنحنا وﺘﻤﻨﺤهم ﻣﺤﺒﺘها وﻳﺘﻠهفون لمتابعة ما تنقله اليهم من وقائع بعضها يثير الحزن والقلق ويبعث في النفس الشجن الا ان الناس يلوذون اليها وبها في كل صغيرة وكبيرة فقد وجدت لهم وبهم علا شأنها.

تحسين صبار
ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺼﺤﺎﻓﺔ ﺻﺎﺣﺒﺔ اﻟﺠﻼﻟﺔ ﻏﯿﺮ اﻟﻤﺘﻮﺟّﺔ ﻣﺮآة ﺻﺎدﻗﺔ وﺣﻘﯿﻘﯿﺔ ﻟما يجري في السر والعلن ولم يخف عنها شيء حتى في الغرف المظلمة ووراء الابواب المغلقة والموصدة،ولم ﺗﻨﺰل ﻣﻦ ﻋﻠﯿﺎﺋها برغم ما حيك ضدها من مؤامرات واستهداف لرموزها والعاملين فيها واولادها الذين كانوا احرارا بها ولم يعقوها فبقيت ﻛﻠﻤﺘها هي العليا وﺗﺄﺛﯿﺮھﺎ يزداد يوما بعد اخر طرديا مع ما تنقله من وقائع واحداث ﻓﻲ مختلف البلدان، وﻟم تضعف يوما من الايام ولم يتمكن اعدائها من كبح جماحها وتمكنت من ان تستقطب ﻛﻞ ﻧﺨﺐ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ وﻓﺌﺎﺗﻪ بدءا بموظفي اﻟﺪوﻟﺔ وطﻼب اﻟﻤﺪارس واﻟﺠﺎﻣﻌﺎت كونهم وجدوا فيها بغيتهم التي توصلهم الى اكبر عدد من المتلقين فمنها يبدأ الخبر ومنها ينتشر ومنها يصل الرأي سواء كان سياسيا ام دينيا ام اصلاحيا فمن خلالها يصغي الجميع لما يقال ويخشى سطوتها الجميع بما فيهم كبار الساسة واصحاب النفوذ فهي برغم ما قيل ويقال وما حيك ضدها في السر والعلن بقيت محافظة على ﻋﺮاﻘتها ورﺻاﻨتهاوعراقيتها،ﻓﻟم تتجرد من مهنيتها فكانت منبرا للحقيقة والدعوة الى نبذ العنف والتطرف والايغال في الظلم والجبروت وان كانت لم تسلم من الأذى فقد اريقت دماء ابنائها وخسرت وضحت حالها حال العراقيين بشباب مانزال نبكيهم كلما ذكرناهم ومررنا على ما سطروه من حروف بوجه الطغاة فكان مآلهم الموت على عتبة الحرية والخبر اليقين والدليل القاطع.
واليوم وفي عيد صاحبة الجلالة اقف احتراما وتقديرا لكل اساتذتي الاجلاء وزملاء المهنة المقدسة والكلمة الحرة الشريفة بعد حفرنا الاسماء ﺑﺸﻖ اﻷﻧﻔﺲ واعتزال الاهل والولد والاصدقاء والبحث عن متاعب المهنة وﻣﺼﺪاﻗﯿﺔ الخبر واﻟﻤﻮﻗﻒ واﻵراء وﺣﺘﻰ اﻟﻤﻘﺎﻻت فكانت الصحافة العراقية ﻣﺪرﺳﺔ إﻋﻼﻣﯿﺔ وﺛﻘﺎﻓﯿﺔ وأدﺑﯿﺔ وﻓﻨﯿﺔ ورياضة وأﺻﺒﺤﺖ ﺗﻌﺎﻧﻲ ﻣﻦ ھﺠﻤﺎت من هنا وهناك لتوقف عجل حراكها وتخفت من بريق ضوئها، وتسعى جاهدة لتبعد اﻷﺟﯿﺎل اﻟﺠﺪﻳﺪة عنها
لقد خطا العالم خطوات واسعة وسريعة في مجال اﻟﺘﻮاﺻﻞ والحصول على المعلومة حتى بات العالم برغم سعته قرية صغيرة لا يخفى فيها شيء وهذا جزء من ﺘﻄﻮر اﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﯿﺎ ﻋﻠﻰ ﺣﯿﺎة الفرد واﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت بمختلف توجهاتها ومشاربها وهذا الامر كان لصاحبة الجلالة النصيب الافر منه كون هذا الامر من صميم عملها ومهامها التي تنصب في الاساس على ايصال المعلومة الى اﻟمتلقي باسلوب أﻋﻼﻣﻲ فكان في البلدان التي سبقتنا في كل شي بما فيه الاعلام قوانين وتشريعات ونظم ﺗﺤﺪد مسؤولية كل شخص في المؤسسة الاعلامية وبالتالي فان اﻟﺠﻤﯿﻊ يخضعون لهذه القوانين واﻟﻤﺤﺪدات بما فيها عدم الخوض في ما لا فائدة منه ويشكل ازعاجا للاخرين ويحد من حرياتهم التي تبدأ من حيث انتهت حرية الاعلاميين انفسهم في التصدي لكل ما يجدونه يجب ان يصل الى علم المواطن الذي يشكل اساس الراي العام الذي تخشاه الدول برغم قوتها وترسانة اسلحتها وجبروتها وهذا نقيض ما يجري وما موجود لدينا اذ اصبحنا نعمل في محيط متلاطم الامواج من دون ان نرى ثمة ضوء في الافق فكان ان انعكست الفوضى السياسية على واقع بما فيه من مؤسسات وﻓﻀﺎءات أﻋﻼﻣﯿﺔ ﻤﻘﺮوءة ومسموعة ومرئية، ﻓﺜﻤﺔ ﻓﻮﺿﻰ كان لها أول وانطلاقة ولكن لم يلوح لنا بوادر نهايتها.
إن ﺻﺎﺣﺒﺔ اﻟﺠﻼﻟﺔ ﺗﺤﺘﻔﻲ بصدور اول مطبوع عراقي هو جريدة الزوراء قبل نحو قرن ونصف قرن من الزمان حتى بات تقليدا ان تجمع الصحف ما يصدر منها من اعداد في مجلدات من الصدور حتى الاحتجاب فثمة صحف كثيرة ولدت بعد 2003 وانتهت حياتها بالاحتجاب بسبب عدم وجود التمويل فبقي ما صدر منها على رفوف ﻣﻜﺘﺒﺎت المثقفين والمتابعين ورﻓﻮف وﺧﺰاﻧﺎتهم القديمة ما يدعونا الى ان نطالب بتمويل الصحف والمؤسسات الاعلامية التي اصبح لها متابعيها للوصول الى اﻷھﺪاف والغايات الانسانية والصحفية وأدراكا لقيمة اﻟﻜﻠﻤﺔ الحرة وﺗﺄﺛﯿﺮھﺎ إﻋﻼﻣﯿﺎ على ان تكون هناك عدة صمامات امان في المؤسسة الواحدة فلا ﻳﻤﻜﻦ أن نفتح اﻷﺑﻮاب ﻋﻠﻰ مصراعيها أﻣﺎم من هب ودب سواء في الصحافة الورقية ام اﻻﻟﻜﺘﺮوﻧﯿﺔ ام اﻟﻔﻀﺎﺋﯿﺎت ﻟﺘﻘﻮل ﻣﺎ ﺗﺸﺎء من دون ﺿﻮاﺑﻂ وادلة مقبولة قانونا في ظل ﺗﺸﺮﻳﻌﺎت عادلة ومهنية تاخذ من تجارب الاخرين ما يتلائم واخلاقياتنا وتاريخنا وعاداتنا وهنا ﻻ أطﺎﻟﺐ ﺑرقابة تكتم الافواه واﻻﻧﻔﺎس بل لتكون هناك ﺛﻤﺔ ﺧﻄﻮط ﺣﻤﺮ ﻻ يجب ﺗﺠﺎوزھﺎ الا للضرورات القسوى على ان يمر على اكثر من صاحب رأياذ لم يعد مجال للسكوت عن ما يتم تداوله وتزهق بسبب ارواح بريئة باسم ﺻﺎﺣﺒﺔ اﻟﺠﻼﻟﺔ وهنا لابد من تشريع ﻗﻮاﻧﯿﻦ حرية التعبير والاعلام وتأسيس وزارة تكون واجهة اعلامية للبلد تاخذ على عاتقها نشر الوعي من دون ان تحسب على هذه الجهة او تلك وانما تحسب على المهنية وعلى الحكومة ان تعيد للصحافة هيبتها بعد ما عانته من تهميش.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى