المهندس علي جبار الفريجي

تأتي زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الرياض هذا العام 2025 في سياق إقليمي ودولي بالغ التعقيد، وتختلف بشكل كبير عن زيارته الأولى في 2017، سواء من حيث الأجندة أو الرمزية، في ظل واقع جيوسياسي متغير في الشرق الأوسط.
أولاً: التحول في الأجندة من الأمن إلى الاقتصاد والتكنولوجيا
• في 2017: ركزت الزيارة على مكافحة الإرهاب، مواجهة النفوذ الإيراني، وتوقيع صفقات تسليح ضخمة تجاوزت 110 مليار دولار.
• في 2025: تتمحور الزيارة حول تعزيز الشراكة الاقتصادية، حيث يسعى ترامب لتأمين استثمارات سعودية تصل إلى 600 مليار دولار، مع التركيز على مجالات الذكاء الاصطناعي، أشباه الموصلات، والطاقة النووية المدنية.
ثانياً: رمزية الزيارة في ظل التوازنات الإقليمية الجديدة
• التطبيع مع إسرائيل: رغم جهود ترامب لتوسيع “اتفاقيات أبراهام”، إلا أن التقدم في هذا المسار بات مرتبطًا أكثر بالتوازنات الإقليمية، خاصة مع تصاعد دور الصين وروسيا.
• إعادة تموضع واشنطن: في ظل توجه الولايات المتحدة نحو آسيا، فإن إشراك السعودية كشريك إقليمي فعال أصبح خيارًا استراتيجيًا، لا سيما في إدارة ملفات حساسة مثل الطاقة، وأمن الممرات البحرية، والاستقرار في الهلال الخصيب.
ثالثاً: دور سعودي متقدم في ملفات سوريا والعراق سوريا: مع التراجع النسبي للدور الإيراني في بعض المناطق، والانفتاح العربي الأخير على دمشق، تسعى السعودية إلى دور أكثر تأثيرًا في إعادة الإعمار وضبط التوازنات السياسية. ومن المرجح أن يدعم ترامب هذا التوجه كجزء من سياسة محاصرة النفوذ الإيراني.
• الزيارة قد تفتح الباب أمام دعم أمريكي لانخراط سعودي أوسع في سوريا، سواء عبر أدوات اقتصادية أو ضغط دبلوماسي.
• تراجع الدور الروسي بسبب الحرب في أوكرانيا يعطي مساحة أكبر لتحرك سعودي أمريكي مشترك.
العراق: السعودية تعتبر العراق امتدادًا للأمن الخليجي، وتسعى لإبعاده عن دائرة النفوذ الإيراني عبر الاستثمارات والنفوذ الديني الناعم. • قد يسعى ترامب إلى تنسيق سعودي-أمريكي جديد للحد من نفوذ القوى المسلحة المدعومة من إيران.
• السعودية مرشحة للعب دور في إعادة بناء المؤسسات الأمنية والاقتصادية العراقية كجزء من شراكة استراتيجية مع واشنطن. رمزية هذا التحول: إعطاء السعودية دورًا محوريًا في الملفين السوري والعراقي يمثل تحولًا من الدور التابع إلى دور الشريك القيادي في صنع السياسات الإقليمية، ما يعزز رؤيتها لنفسها كقوة مركزية في الشرق الأوسط الجديد بدعم أمريكي واضح.
ختامًا: إذا كانت زيارة ترامب في 2017 قد رسخت تحالفًا أمنيًا ضد الإرهاب وإيران، فإن زيارة 2025 ترسّخ تحالفًا استراتيجيًا متعدد الأبعاد، يضع السعودية في قلب ملفات المنطقة، ليس فقط كممول، بل كصانع قرار إقليمي بشراكة مباشرة مع واشنطن.
مختص بأدارة الازمات