كتب محمد خضير*
ماذا يعني طلب اسرائيل بإخلاء “طهران” من ساكنيها (يقدر عددهم بين 10- 15 مليون نسمة). ماذا يعني إخلاء هذه “النسمات” الحيّة من البشر؟
هل يريد مخطّطو الحرب الإسرائيليون تكرار تجربة أميركا في قهر اليابان وإنهاء الحرب دفعة واحدة، وبضربة نووية ماحقة، خلال الحرب العالمية الثانية، العام 1945؟
ما الفرق في المعطيات عند تكرار تلك التجربة الأميركية (وقد يؤيد تكرارها عقلٌ عدوانيّ معاصر بدافع المباهاة والغطرسة والتفرّد على العالم)؟
التجربة الأولى على مدينتي اليابان الكبريين (ولا أجرؤ على تسمية الضربة النووية بكاملها) كانت في نهاية حرب كونية بدَت كأنّها ستستمر في حصاد الأرواح البشرية من جانبي النزاع إلى مدى لا يمكن التكهن بحجمه وآثاره المدمرة (ولا تنسوا أشباح المتنبئين بسقوط الإمبراطوريات وبأيّ شكل من أشكال السقوط).كانت الحرب حينذاك قد رسمَت صورةً أوليّة لنهاية العالم بأسماء مختلفة (منها عنوان رواية ويلز :حرب العوالم) الذي سيعمّ أدبيّات الحروب المستقبلية، ومنها (حرب النجوم) و(القُبب الحديدية) وسواهما من أسماء العقل التدميريّ.
كانت تلك الأخيولة حكايةً من اختراع العقل العلمي، بدأت في النهوض في رأس الانسان الخارق (السوبرمان) في أول تكوينه العولميّ. فمِن أيّ رأس ستبدأ الحكاية الخيالية انتفاخها وانفجارها القادم، كزوبعة نهائية؟ وهل ستنتهي حربٌ إقليمية محدودة المساحة بما انتهت إليه حربٌ عالمية، تحت زعامة أميركية؟
لا يكفي إسرائيل أن تصنع قنبلة نووية، بأيّ حجم وبأيّ تخطيط استراتيجي أو تكتيكي لاستخدامها. فالمشكلة في طريقة نقلها وتسليطها على المنطقة المفترضة- طهران الكبرى هذه المرة. أيّ حاملة قاذفات استراتيجية ستحمل (ما لا نقدر على تسميته) ثم إخلاء سبيله ليسقط متمهلاً على هدفه المنتخب؟ ما الوسيلة لحمل (الولد الصغير Little Boy) – ولنجرؤ في القول إن التسمية التجريبية اللاحقة أكثر انطباقاً على التجربة الخيالية الأولى- ثم إسقاطه، غير أن تكون طائرة من صنع أميركي؟ أيّ “الوليدين” أحقّ بأن يتبناه عقلٌ مفرط في تخيّلات إنهاء الحرب؟
حكاية الإخلاء الكلّي للمدن، ما زالت خيالاً يمكن تكراره. كذلك فإنّ تجربة الإنهاء لا تزال أخيولة تلازم عقلاً مخطِطاً على قياس الكوارث الكبرى، وأنموذجها هيروشيما وناجازاكي. أما ما لا يمكن تكراره ونسيانه فهي صورة الفطر المتصاعد لغيمة الانفجار، وما قد يرتسم مثلها من آثار أجساد متبخرة على سطح الأرض.
*كاتب وقاص عراقي