Sliderمقابلات

طالب غالي : ” لا رياح تاخذني إليها الا رياح الوطن. ” النبتة ُ بنت ارضها تعرف طينتها وحرارة عناقها فتنمو وتورق.

حوار اجراه / عبدالامير الديراوي

حوار اجراه :
البصرة / عبدالامير الديراوي

طالب غالي.. اسم لا تعّرفهُ الكلمات فهو يعرفها أكثر لأنه من صنّاعها ومنشئ حروفها
هو انسان من لحم ودم غير إنه يختلف بانسانيته وخُلقه وثقافته وفنه وابداعه عن الكثير منا، هو مجموعة من اصناف التميز المعرفي والثقافي والفني.
فنان عَرفَته باسقات النخيل لانه اودعها ألحانه
واغانية الجميلة، شاعر وثقته الدواوين المطبوعة والصياغات الجميلة المكملة للفن، مثقف نتباها به وبمعرفته لكل معطيات الحياة، سياسي عاش سنوات الحرمان والفراق الذي مزق فؤاده عن الارض وشط العرب وتحّمل مشاق الغربة ولوعتها.
فهو مكتمل الاوصاف وغني عن الوصف.
في هذا الحوار سيكتشف القارئ انه طالب غالي الانسان والمبدع الحقيقي ولا اريد ان ازيد على هذه الكلمات البسيطة لاجعلكم تتمتعون بما قال لي في حواري معه.

+- ففي البدء قلت له من هو طالب غالي؟ كيف نشأ وكيف توطدت علاقته مع الشعر والفن؟ فقال:

+- – من يكون طالب غالي ،،،
غير إنسان مثلكم ومنكم ،؟
انا بصريّ المولد ،، عراقيُّ الهوى ،، نشأت في محلةٍ يتسلق الحبُّ بيوتها ،،
واغلب ساكنيها من العمال والفلاحين .
تأثرت منذُ استوى الوعي ،، بما حولي،،
أراقب الوجوه المتعبة،، والاجسادالمنهكة ،
و هي تذهب او تعود من أماكن كدحها ،،
وعائلتي تنضوي تحت هذا الوصف .
في محلة مناوي الباشا حيث تكثر المجالس الحسينية،،وحلقات الذكر التي ترافقها المدائح النبوية ،،تركت فيَّ أثراً مزدوجاً بين الحزن والألم ،،وبين الفرح
والانتماء والحلم .
عشقتُ الموسيقى ،،احببتُ الترانيم ، ، والمراثي في استشهاد
الامام الحسين ،،واحياناً اتنصت ُ بشغف لأبي وهو يغني لنفسه، …و..لأمّي وهي ترتجلُ بعضاً من مديح او رثاء ،،
فنمت ،،وكبرت معي هذه العلاقة فكانت هي البؤرة ونقطة الانطلاقً.

+ – اي الازمنة احب الى نفسك وبأيها ابدعت زمن الشباب في بلدك ام في الغربة وتداعياتها؟.

+ – النبتةُ بنتُ أرضها ،، تعرف طينتها ،، وحرارة عناقها ،، تنمو ،تورق ، ،تزهر
ثمّ تعطي ثمارها ،، فهي نتاج أرضٍ مباركة ،، و منها تشكلت كينونتها وعطاؤها
هذا هو زمني الاول .. الذي احببت ،،وقدمتُ فيه ما تشابك او تفاعل في كياني
وما عايشتُ من احداث مختلفة ،،زمناً ،، وفعلاً ،،. وما مرّ بي من لواعج وانكسارات وتطلع في تشابكي مع الحبّ بأنواعه ،،حب الوطن ،، الحبيبة ،، النخل ،،الأزهار ،، الصديق ،، الذات ،، واخرى .
درجتُ في البصرة ،، كبرت في البصرة ،، وكانت لي مساهمات متعددة في المجال الأدبي والموسيقي .
على صعيد الشعر كتبت مجموعة من القصائد وأصدرتها في ديوان شعر ( حكايةٌ لطائرالنورس ) وعلى الصعيد الموسيقي لحنت لكثير من الشعراء . . نصوص باللغة المحكية والفصحى .الشعراء … علي العضب ،، داوود الغنام،، طاهر سلمان ،، كريم العراقي ،، كاظم السعدي ،، كامل الركابي ..محمد سعيد الصگار ،، وأحياناً أتولى كتابة النص الشعري وأعمل على تلحينه ..
ولي مساهمات موثقة في مجال المسرح ،، كالاوبريت ،،والمسرحيات الغنائية والأغاني .. . اوبريت المطرقة ،، العروسة بهية ،،كتب نصوصها الحوارية الغنائية الشاعر المبدع الشاعر علي العضب ،، وغيرها الكثير.
اما حين غادرتُ وطني قسراً كانت محطتي الأولى الكويت حيث كان النشاط الفني الغنائي في أوج عطائه ..أوجزه بشكل سريع . لحنت ثلاث مسرحيات
للأطفال،، ولحنت مقدمات ونهايات للكثير من احتوتني الغربة بكل ابعادها ،،اختلاف اللغة والعادات ،،والنظام الاجتماعي ،، وقوانين الدولة ،،
لغة الأرض ،، الناس ،. الطبيعة ،، الثقافة ،، العلاقات ،،
كان للغربة تأثيرٌ موجعٌ في بدايات احتوائها لي .
لكنها مع الأيام بدأت الغربة تخفف من ضغطها وتنتزع بشكل تدريجي
بعض أشواكها من جسدي ،،تقربت اليّ ودنوت منها ،،
فكشفت لي عن جوانب جمالية ،وفهم متقدم عن العلاقات الانسانية
مما جعلني أشعرُ بآدميتي ومعنى وجودي .
الغربة دائرةٌ بنصفين. . نصفٌ منحني حرية كاملة في التعبير فيما اؤمن واعتقد
وأبدع ،،وأنتمي ،، وأتطلع وأتأمل . يترافق معهُ ما تم الإطلاع عليه من ثقافة وحضارة هذا البلد وفنونه وعلاقاته الانسانية ،كبلد يختلف عن وطني
لقد أفدت كثيراً مما أحاطني وتداخلت معه ،في مجال الموسيقى والشعر
لكن الغربة في نصفها الثاني وبكل اغراآتها وما وفرته لنا من خلال نظام البلد وقوانينه من متعة وامان وعناية واهتمام وتقييم وتطور ،،لم تستطع ان توقف نزف الحنين لبلدي ،، أو تخفف عني صعوبة الاندماج في مجتمع يختلف تماماً مع ما احملهُ من ثقافة مجتمعية اخرى . حيثُ يتفجر الحنين بغتةً ،، صارخاً يا وطني .
ومرّ. زمنٌ غير قليل حتى تواءمت مع الواقع الجديد واستعدتُ نشاطي وهوايتي
فلحنتُ الكثير من النصوص الغنائية والقصائد بعد اغترابي عن الوطن للعديد من الشعراء . .للسياب ،، للجواهري ،
ل . .سعدي يوسف ، محمد سعيد الصگار ،، كريم گاصد. عدنان الصائغ ،، خلدون چاويد .. آشتي .. ابو إيفان ..وغيرهم ،، وقدمتُ حفلات غنائية في معظم دول اوربا لسنوات عديدة ..
وكانت مادة الأغاني وموضوعاتها كلّها تذكر بالوطن والأهل وتسعى الى خلق مناخ عراقي في الغربة ،، والتمسك بالمبادئ والقيم الانسانية التي تغربنا من اجلها .
كما أصدرت ديوان شعر . (. تقاسيم على الوتر السادس )
و هذا يعني أنّ لكل زمن نبضهُ و فعلهُ وعطاؤهُ وتقييمهُ .

+ – عُرفت بانك تربط الفن بالسياسة والشعر كذلك هل تعتقد إن ذلك قد قربك للناس او خلاف ذلك؟ وهل السياسة جعلت منك فناناً وشاعراً؟.

+ — سؤآل ينفتح على مسارات عديدة .. الجانب الاقتصادي ،، الاجتماعي ،، الفلسفي ، الثقافي الذي يشمل الفنون والآداب والعلوم.وغيرها.
في رأيي ان السياسة ميدانٌ. واسعٌ ومتفرع ،فبالنسبة لي ..في أحد جوانبها ،،
حسبتها منطلقاً رحباًللمساهمة مع الآخرين من اجل حياة أفضل وانحيازاً الى جانب الكادحين والمظلومين ، وتأكيداً على حب الوطن والدفاع عنه ،،
وانتماءً الى الانسانية والعدل والمساواة ،،.والمحبة بين شعوب الأرض ،، والنضال من اجل السلام العالمي ، وحق الشعوب في تقرير مصيرها..
فدخلت معتركها بانتمائي للحزب الشيوعي العراقي مما ادى الى تحولي من الخاص الى العام ،، وأشرعت أمامي نوافذ كانت شبه مغلقة .
أنا ارى ان هناك تداخلاً ومشتركات بين كل النشاطات الانسانية تعمل السياسة على تأكيدها وتصعيدها
لقد أفدت من السياسةفي فهم جوانب مختلفة في الحياة والعالم .. انها وسّعت من مدى تجربتي واطلاعي ومشاركاتي الانسانية ،،. ومنحتني مجالاً واسعاً في الرؤيا والخيال والاستنتاج.والفهم والتحليل الدقيق ،، واحترام الرأي والرأي الآخر
وعملت على صقل موهبتي ورفدها بمآثر وانجازات المبدعين في مجال الثقافة
و الفنون والعلوم وغيرها من النتاج البشري الإبداعي .
السياسةُ وحدها لن تخلق فنانا او أديبًا أو شاعرًا ،، انها تفتح فضاءً ذا ابعادمختلفة
لمن لديه الموهبة والاستعداد للإبداع كي يستفيد من مدلولاتها
وأحسب أنّ لديّ الموهبة الشعرية والاستعداد الموسيقي .
أما علاقتي مع الناس فأراه
علاقتي مع الناس فأراها من جانبي طيبة وجيدة وانا راضٍ بما هي عليه
لأنني أتعامل مع الناس على أساس المحبة الإنسانية ،،
وليس على أساس الموقف الفكري والطائفي .
لذا أجدني قريبًا من الناس ،وهم قريبون مني .

+ – كيف ترى الشعر في عالم المتغيرات ومستجدات الأحداث سواء في العراق او المحيط العالمي وهل استطاع الشعر ان يصمد امام تلك الاحداث ويؤدي دوره كما كان؟

+ — هذا السؤال ينفتح على مديات وأزمنة مختلفة تستدعي الإفاضة المطوّلة،، لكني سأحاول تكثيف رؤيتي في هذا المشهد.
الشعر فنّ جميل ،،وإحساس ورؤيا ،، وفيوضات إنسانية ،، وانعكاسٌ وتوثيق للواقع في مراحل وأزمنة مختلفة ،،
ويشير من ناحية اخرى الى وعي وثقافةوحضارة الأمة .
وأنارغم إيماني بأنّ للشعر تأثيرهُ ودورهُ الكبير في تقدم الأمم ونهضتها ،، كونهُ طاقةً كامنةقادرة على خلق مقاومة عالية التردد عند المظلوم والمضطهدللوقوف بوجه الظلم والاستبداد لأحداث تغيير في بنية ونظام الحكم السائد .
وكوني منتمياً للشعر والشعراء ،، أتلمّسُ إنخفاضاً في منسوب تأثير الشعر في العصر الراهن وخاصة في بلدي والبلدان العربية في ظل المتغيرات والمستجدات السياسية التي عمت العالم كلهُ ،، مّما أدى الى تعطيل او عرقلة تأثير الشعر ودوره في التغيير .وقد ساهمت التقنيات المتقدمة وبرامج الشبكة العنكبوتية في هذا المجال بشكل أثّر سلباً في جانب منهُ ،، مع عظم ما أنتجتهٌ من نقلات علمية نوعية عظيمة متقدمة في العالم ،، وما احدثتهُ، من تأثير كبير على الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية بكل فروعها .
لقد اصبح التغيير الآن مرتهناً لقوة السلاح المتعاظم والصفقات السياسية والتآمر الدولي للهيمنة على ثروات الشعوب وفرض السيطرة عليها بأشكال متعددة .
وقد انتج هذا لغةًأخرى مسنّنة الحروف تختلف كثيراً عن لغة الشعر واهدافه.
الشعر كما أحسّهُ وأتعامل معه هو نبض الشاعر وموحياته،، يتجسد كلوحة تعبيرية يرصدُ فيها الشاعر تشابك الأحداث والظواهر من خلال رؤيته وتفاعله وديناميكية خياله ونبوئته لما قد يحدث ،، ويعكسهافي قصيدة أو ديوان.
ألا ترى معي بأن الشعر الفاعل والحقيقي له تأثيرٌ آني وقد يمتد قليلاً ،، لكنهُ يشحب او يختفي بعد حين ،، مع التأكيد واليقين العالي بأنّ في وطني أجيالاًمن الشعراء الكبار والمبدعين وهم نجوم سماواته .
لذا سيظلّ الشعر طاقةً متقدةًوكامنةً ،، للتعبير عن الحقيقة وحرية الانسان وطموحاته في حياة رغيدة وأمنٍ وعدالةٍ وسلام ومحبة .
وهنا أريد ان انقل السؤال لحضرتك ..وانت شاعرٌ وأديبٌ وإعلاميٌّ معروف ،،
هل تلمست تأثيراً للشعر في وطني ..؟ أجبني .. وعلى أيّ صعيد .؟؟

+- انت من جيل الفنانين الذين برزوا مطلع سبعينيات القرن الماضي جيل الابداع الفني والشعري ما سبب ذلك الازدهار واسباب الخفوت بعد ذلك؟.

+ — جيل السبعينيات وما قبلهُ كان مولعاً بالقراءة والاطلاع على النتاج الثقافي والفني والأدبي والفلسفي العربي والعالمي من خلال الكتب والمجلات التي تصدر حديثاً ،، والكتب المترجمة عن لغات أخرى ،، والمتابعة الحريصة للتعرف على ما يستجد في الساحة الثقافية العربية منها والعالمية ،،
تدفعه عوامل كثيرة مؤثرة ،من المحيط الذي حوله والانفتاح على ثقافات العالم ،وهامش الحرية الذي أتيح له .
إنّ إقامة الندوات والمعارض والعروض المسرحية واللقاءات الشعرية في مهرجاناتها المتعددة . . كالمربد الذي كان ملتقى الشعراء العراقيين والعرب وشعراء وأدباء من دول أوربية مختلفة ،، كان لها الأثر الفاعل في التوعية ومتابعة ما يستجد في المشهد الثقافي ،، الشعر بخاصة ،، والاطلاع على التجارب والنتاج الشعري للشعراء العراقيين والعرب والأجانب .
كما أنّ جيلنا لم يقع تحت تأثير التطور الحاصل في مجال التقنيةالعلمية الحديثة وما نتج عنها كالشبكة العنكبوتية وتفرعاتها والبرامج التي أبعدت شبابنا عن المتابعة الإيجابية .
لذا تجد الأجيال اللاحقة قد استهوتها وجذبتها البرامج المستحدثة وتفرعاتها.
فمثلاً التلفون اليوم هو مكتبة متنقلة تحتوي على كل المعلومات من اول خلية
بالكون الى المحطات الكونية في الأجرام السنوية ،،اضافة الى ما يختزنه من برامج للتسلية والاتصال والبحث وخيارات اخرى لا يمكن عدّها .
هذا الانقلاب الكبير في المعلومات وتأثيره على الأجيال اللاحقة ،، يعطيك الكثير من التفسير عن الفرق بين جيل السبعينيات وما بعدهُ .
فالابتعاد عن الكتاب والقراءة الجادة والممنهجة ،، والإحساس باللاجدوى والإحباط ،، وارتباك النظام السياسي ، وما أنتجه من سوء في التخطيط في المجال
التعليمي والاقتصادي والاجتماعي وغيرها الكثير ،،هذه كلها قدأثرت سلبًا على الأجيال اللاحقة ،،وهذا لا يعني عدم وجود أدباء وشعراء وفنانين مبدعين وموهوبين وطموحين ضمن هذه الأجيال .
هناك طاقات ابداعيةشابة واعدة تحتاج الى رعاية واهتمام واحتضان من قبل الدولة والقائمين على النشاط المعرفي والثقافي ،،
فهم يحتاجون لومضة ضوء كي تتعمق وتتبلور تجربتهم ليكونوا مصدر إشعاع ثقافي .
أمّا أسباب الخفوت فهي تنحصر في ندرة المؤسسات والمنتديات الثقافية
و تحويل أغلب المراكز الثقافية كالمسارح ودور السينما والقاعات المخصصة للتدريب الموسيقي الى دكاكين وأسواق .
إضافة الى الإهمال المتعمد أحيانًا بعدم الاهتمام الجدي لهذالجانب والمتمثل
بإقامة المهرجانات الثقافية والفنية وخلق حوافز مثيرة لتطوير الحركة الثقافية
من خلال المنافسة في البحث والإبداع .
وما تقدم من عرض ينطبق على الجانب الموسيقي الغنائي ،،فهناك الفرق الموسيقية المتواجدة في المحافظات التي تقدم المواهب الشابة،،
وتقيم الحفلات الجماهيرية ،، وتمارس دوراًايجابياً في تنمية الذوق لدى الجماهير
مع تسابق و تنافس شعراء الاغنية لتقديم نصّ جديد شكلاً ومضموناً ،، وهذايستدعي او يتطلب منافسة بين الملحنين والموسيقيين في تقديم عمل موسيقي متطور ،، وهناك الكثير من الحوافز وعوامل الاندفاع لتقديم الجديد .
هنا يقتضي الإشارة الى أنّ المجتمع في السبعينيات كان منفتحاً على كل الأنشطة الثقافية والفنية ويستقبل كل جديد بفرح واعتزاز ،، يقابله لدى الأجيال اللاحقة نفور ٌ يصل حد الرفض .

فكيف تتجدد الفنون بأنواعها وتتطور في ظل هكذا موقف ..؟؟

+ – اين تجد نفسك بين شعراء جيلك وهل اهتمامك بالفن كان على حساب الشعر او اهتمامك بالشعر كان على حساب الفن.؟

+ – – لكل شاعر بصمتهُ ..
وكلّْ لهّ عالمهُ ورؤياهُ ونفح قصائده.وأجدني بين جمع الشعراء
وكما أرى وأحسُّ ،، أنّ الشعر والموسيقى يكمل بعضهما الآخر ،هما عالمان متداخلان متعاشقان ،،
لو قرأت قصيدة شعر جميلة واستمتعت بها ،،
فما هو رأيك بها . . لو صيغ لها لحنٌ جميلٌ بمستوى جماليتها تعزفهُ فرقةٌموسيقية بتوزيع موسيقي آلي وهارمونيّ . . كيف ستبدو هذه القصيدة ؟؟
حتماً ستكون أبهى وأجمل ،،ويكون تأثيرها اوسع من كونها قصيدة تُقرأ ،
وسيسمعها عدد اكبر بصورة اجمل وتظل زمناً اطول في ذاكرة الناس .

+ – فؤاد سالم كان له حظوة كبيره من ألحانك
على عكس المطربين الاخرين بماذا تفسر هذا الارتباط؟.

+ – – فوأد سالم صوتّ لن يتكرر ،،مساحةً ، دفئاً ،، شجناً ،، لمعاناً.
هناك مشتركات كثيرة بيني وبين الراحل فوأد سالم عدا الجانب الفني.
شدني اليه جمال صوته ورخامته وإحساسه بمعنى الكلمة وتأثيرها ضمن موقعها
من النصّ الغنائي ،، وسرعة الحفظ والتذكر لديه ،،. و ادراكهُ وتفاعله مع تموجات اللحن وانحناآته .. كانت لدينا مشاريع غنائية مشتركة لم يسعفنا القدر لإتمامها .
بعد رحيله .. ظلت بعض الاغاني الملحنةساكنةً في الكاسيتات لأنها صيغت كي تتلائم وصوت فؤاد واحساسهُ ، على أنّ هذا لا يعني عدم وجود أصوات جميلة ورائعة ،، ففي العراق ثروةٌ فطريةٌ وخامات صوتية مذهلة ،، إلاّ أن الظروف حالت دون تحقيق لقاء مع احدها ..ربما يحدث مستقبلاً ،،لو كان في العمر متسعٌ لذلك.

+ – يقال ان الناقد شاعر فاشل هل ترى ذلك صحيحا وهل تعرضت للنقد القاسي حول دواوينك وقصائدك؟.

+ – – لا اتفق مع هذا القول ،،إنه بعيدٌ عن الصواب ،، ممعن في الظنّ .
اما عن النقد الذي قرأته عن قصائدي فقد جاء اغلبهُ مقنعاً لي ،،لانني أؤمن بأن
النقدالجدّي والموضوعي يمارس دوراً ايجابياً على أي عمل ادبي وفني .
وليس عندي أدنى حساسية من هذا الموضوع ،اقتناعًا مني بأن لكل قارئ رأياً
وتفاعلا ً وتقييماً لمايقرأ ،، وان اَي نتاج حين يصدر من المبدع يصبح ملك القراء
وهم أحرارٌ بما يكتبون وما يشعرون .

+ – لاي المطربين العرب والعراقيين إنطلقت ألحانك ومن منهم وجدته يتلائم مع اسلوبك وتوجهك.؟

+ – – كُنتُ مقلّاً في التعامل مع المطربين العراقيين نتيجةللواقع والظروف التي
عشتها .
اثناء تواجدي في العراق كان اهتمامي بالأعمال المسرحية ،. والأغاني السياسية والوطنية ، مما أبعدني عن الوسط الفني اضافة إلى موقف السلطة الذي منع تسجيل ألحاني ،،و الذي مسح ما سجلتهُ رغم قلّته .. تمّ مسح اوبريت المطرقة ومدته ساعتان ..
وأغنيات لحنتها للراحل فؤاد سالم ،،ومائدة نزهة ،،وسيتاهاكوبيان ، والفنان سعدون جابر.
في بلد المهجر لم التق مع صوت تتوفر فيه المزايا التي أنشدها ،، ولعلّ ظروفي الخاصة لعبت دوراًفي ذلك . فلديّ الأن باقة جميلة من الأغنيات الملحّنة الكاملة
فلربما تسنح فرصةٌ تحملُ بشارةً للقاء مع صوتٍ جميل فيتحقق الحلم .

+ – بما تصف الاغنية العراقية اليوم هل هي باتجاه الانهيار شأنها شأن الفنون الاخرى وهل تنفعها مسارات التصحيح ان وجدت.؟

+ – – واضحٌ وجلّيّ ما هو عليه وضع الاغنية العراقية الراهنة.
انها فاقدة لكل مقومات الاغنية ،،لأسباب عديدة يدركها ابسط الناس وعياً
ماهو سائد يتصف بالركاكة والمستوى الهابط ،،والمواضيع الهزيلة على صعيد النص الشعري واللحن والصوت ، ، فالأغنية كنشاط انساني تعكس بوضوح
واقع الوضع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي للبلد .
و من البديهي ان تطور جميع الفنون والآداب تحتاج الى وضع مستقرٍ
وحريّة للتعبير ،، وحوافز ورعاية ودعم، كي تتعمق وتزدهر وتتفاعل بوعي مع متطلبات المرحلة .
وكما ترى ومن خلال المعايشة أنّ هناك الكثير من الموانع ومحاولات إقصاء الفن الإنساني الأصيل عن الساحة الفنيّة ، وتضييق قنوات الفرص أمام الفنانين الملتزمين والمبدعين . مع وجود استثناءات بين فترة وأخرى تلمع أعمال غنائية جيدة ومتكاملة في كل عناصرها .. النص واللحن والاداء .
،، فأين الاغنية العراقية الآن من كل هذا .؟؟

+ – ما سر عودتك لبلدك والعودة مجددا للغربة هل كنت تشعر ان الحياة في البلد غير مشجعة ام ماذا؟
+ – – ليس هناك أيّ سرّ…
هناك حبلٌ سريّ بيني وبين العراق وطني الاول والأخير
غادرتهُ مجبراً ، وعشت محنة الغربة وآلام فراقه سنوات ،حتى ادماني الحنين
إليه .. الى مرابعه ،، الى نخيله. ،، أنهاره ،، أهله ،،لكلّ شيئ فيه .
وعدت اليه طيراً حين تغيرت الظروف بتغيّر النظام بعد إغتراب لمدةخمس
وعشرين سنةٍ.
هوّمتّ في سماواته مستذكراً الليالي المقمرة ،،مستحضراً صوت الناي ينساب
شجناً ومناجاة ،، حضنتُ النخل في بساتينه الوارفات ،، تنسمت ُعلى ملامح احبتي وأصدقائي نفح أزهار الشوق ونقاء الوفاء ،، وذكريات الازمنة السابقة الجميلة.
حدث هذا في العودة الأولى ، ،كُلّ خلية في جسدي تنفست بعمق هواء وطني الساخن ،،لكنه كان معبأً بروائح الآس والأرض وطلع النخل .
بعدها عدت إلى مكان اقامتي ،،بعد ان حاصرني القيظ ، و تلوث الجو ،،. وانقطاع
الكهرباء ،، والشوارع التي تتكوم على أرصفتها الأزبال ، ، حاملاً معي حنيني واشتياقي على أمل العودة اليها ثانيةً … وعدت ُ ..
وتكررت زياراتي لمدينتي البصرة. وفي كلّ مرةٍ أجدهاتغطس في الخراب ،فتحوّل عذب مائها الى أجاج .،،
و تحولت مسارحها الى أسواق ،،ودور السينما الى مخازن للأعلاف والجلود
وتراجع التعليم في مدارسها المتهالكة والقليلة العدد .
و على مرّ الأيام تراكم الإهمال ،، وعمّت الفوضى والرشاوى في الدوائر
والمؤسسات ، وضعف الأمن والامان .
تكسرت في داخلي المرايا والرؤى والتفت أسلاك الغصة والألم على حنجرتي
فما عدت قادراً على البوح بالحب والفرح والنجوى . . وما زلتُ أعشقهُ وأهواهُ.
وعدت أدراجي الى حيثُ أقيم ،، وبرغم كل ما يتوفر في بلد اقامتي من الأمان ورهافة الإحساس بآدمية الانسان وقيمته ،، والعناية الفائقة بصحة المواطن ،،وحيثُ تشعر أنّ للحياة طعماً ومعنى .
فكلّ منعطفٍ هنا يقابلك بخضرة أشجاره،، ولون أزهاره ،،وبياض نظافته. وبرغم كلّ هذا ،، اشتاق للعودة الى وطني ومرتع صباي وأحلامي ..
سأظلُّ أحلمُ بان يعود لوطني بهاؤهُ وتعود شمسهُ اجمل الشموس،، ويتصدر
البلدان بثقافته وفنونه وحضارته وإنسانيته وتآخيه وتآلف ابنائه ،،

حتى لو لم يتسن لي رؤيته ثانيةً ..
فالعراقُ وطني الذي احمله جرحاً نازفاً واغنيةً خالدةً.

+ – اذن هنا اختتم الحوار الذي اعتز باني اجريته مع هذه القامة الثقافية والفنية المتميزة حقا فقد وجدته يريد ان يقول لا رياح تأخذني اليها الا رياح الوطن. والان ادعوكم لقراءة ما كتب عن الوطن

+ – أدناه قصيدة مهداة الى وطني .

الى ملكِ الرّ عشاتِ الأولى
+ + + + + + + + + +

مثلُ إلهٍ منسيٍّ في وادٍ للعشقِ
متروكاً كنتُ ومحزوناً
يتقاذفني الزمنُ الموسومُ بعصر المنفيين،،
بينَ شعابٍ لم يألفها القلب .
أيقنتُ بأنَّ فصولَ الأحزانِ قد إبتدأت ،،
وعليَّ الاسراء إلى أرضٍ تحضُنُني
أرضٍ تعرفُني
وسماواتٍ توقظُ في الأعماقِ الشوقَ
تُهدهدُني.. فأطيرُ .
وأُصبحُ نجماً يُومئُ من فرحٍ للنخلِ ،،
أُ ثيرُ الطيرَ بأغنيةٍ من نغمٍ مسكونٍ بالعشقِ.
نغمٍ .. يتفجّرُ من قلبِ الفلاحين الموجوعين بآهاتِ الناي وحُبِّ الأَرْضِ ،،
وأصواتِ الزنجِ المسبيّين مراراً عبرَ تواريخ الهجرةِ .
آهٍ يا وجعي ..،،
يا وجع العُمرِ المكتومِ بأوردتي
ها إنّي حُمِّلتُ تراتيلَ العشقِ مُعتّقةً، من وطن الحُبِّ .
وعبرتُ حدوداً شتّى ،،
منفيّاً عبر صحارى التيه
أيَّ الآياتِ سأتلو..
كي يُفتحَ بابُ مناجاةِ الرّبّْ ؟؟
فعسايَ أُوفقُ في إنشادِ الأحزانِ بمعبدِهِ ،،
فيرى الدّمعَ عُيوناً غارقةً بالدّمع
وخرائطَ وجدٍ لم تمْسسْها كفُّ المسّاحين ..

لا شيئ . . سوى الصمتِ يُحاصرُني
ونشيجِ الأشياء المتروكة عبر الأزمان..

ها أنّي مثلُ ابنِ الرّيبًِ وحيداً في فلواتِ العُمرِ
تنقُرُ رأسي طُيورُ الغربةِ
هل تُبصرُني يا ملكَ الرّعشاتِ الأولى..؟
هل تسمعُ صوتي المشحون بآهاتِ العشق
يتناثرُ مِثْلَ العصف على أرصفة المُدُنِ التعبى ؟
فأنا أسلمتُ مع الفجرِ مفاتيح غنائي
لقوافل لم تعرف أين طريق مدينتها
تجتازُ مفاوز َ تلعنها الريحّ
مثقلةً بالظمأ الحارق والإعياء

يا ملكَ الرّعشاتِ الأولى
يا وطني
أأظلُّ بعيداً عن عينيك ؟
يا ويلي …
سأموت من العشقِ قتيلاً ..

+ +


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى