Sliderتحقيقات

(( كيف نخدم مدينتنا وناسها ؟ ))

عبدالسادة البصري / العراق
بالأمس كنت مع عدد من الأصدقاء نستذكر البيوتات القديمة ورجالاتها ، تحدثنا عن الشناشيل والبيوت التراثية ومَن بناها وكيفية بنائها وما المطلوب الآن للحفاظ عليها من الخراب والهدم؟!، كما أخذنا الحديث إلى المدارس والمكتبات والمستشفيات وما إلى ذلك.. قال أحدنا : أتعرفون هذا المبنى الذي نجلس فيه الآن؟ إن بناءه يرجع إلى أكثر من ثلاثة أرباع القرن وان سقفه بُني بطريقة هندسية لا تحتاج إلى حديد ( شيلمان) بل على شكل قبة تضفي جمالا آخر لجماليات البناء ، وإنها بنيت على يد ( أسطى ) ماهر لا يعرف القراءة والكتابة . انه مهندس معماري بالفطرة ، وهو الأسطى إبراهيم الذي بنى إعدادية البصرة المركزية في عشرينات القرن الماضي بعد أن تبرع بأرضها وكلفة بنائها أحد الميسورين خدمة لمدينته وأبنائها. فأجبته وبناية (قبة الموانئ) أيضا بناها ( الأسطى إبراهيم )إضافة إلى بنائه جوامع وبيوت ذات طابع فريد بتصميمها.

الاعدادية المركزية في البصرة

وذكر صاحبي أن أحد الميسورين تبرع بقطعة أرض كي يُبنى عليها أول مستشفى في البصرة والذي سُميَ (مستشفى مود) ثم تغير الاسم إلى (مستشفى الملك فيصل). وبعد ثورة 14 تموز سُمي (المستشفى الجمهوري)،، لنذكر ضمن حديثنا أيضا أن الزعيم عبد الكريم قاسم كان قد تبرع ببيتهم القديم في الصويرة لتبنى عليه مدرسة ،،أخذنا الحديث إلى مكتبة ( النجاة الأهلية ) في الزبير التي تبرع بقطعة الأرض وتكاليف البناء احد الميسورين أيضاً.
كل هذا يدل على أن الميسورين ورجال الأعمال كانوا يعشقون مدينتهم ويشعرون بعمق الانتماء الحقيقي لها ، فيقدمون الخدمات الإنسانية بلا مقابل للناس، ما جعلهم يسكنون الذاكرة ويكونون أبطالاً للحكايات الجميلة ومضرباً للأمثال في الانتماء والمحبة.
اليوم ونحن نستذكر أولئك الرجال نتحسر كثيراً لأننا نشاهد الميسورين ورجال الأعمال وأصحاب الشركات وهم يستولون على الأراضي لا لشيء سوى أن يبنوا عليها قصورهم وفنادقهم ومدارسهم الأهلية طبعا ، والتي تدر عليهم أرباحاً هائلة متناسين أن المدينة وناسها بحاجة إلى خدماتهم ورؤوس أموالهم. فبدلاً من استثمارها هنا وهناك بعيدا عن الناس والمدينة وتشغيلها في ما يستهلك جيب الغني قبل الفقير حتما، عليهم أن يلتفتوا إلى مدينتهم وأبنائها ويعرفوا ما الذي يتوجب عليهم أن يقدموه للناس من خدمة يظل صداها يرن في ذاكرة الأجيال.
خدمة المدينة وأهلها هو الانتماء الحقيقي للناس والأرض في كل زمان ومكان، لا يقدر عليها إلا مَن كانت جذوره راسخة رسوخاً قوياً في الأرض وقلبه ينبض محبةً وعشقاً للمدينة وناسها ، ومن يدرك أن التاريخ يسجل كل شيء صالحاً كان أم طالحاً.
ولنا وقفة أخرى في حديث آخر عن عاشقي مدنهم وناسها.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى