Sliderاقتصاد

هل ستجبر حرائق الغابات الحكومة الاسترالية على التراجع عن وعودها الانتخابية ؟

نشر موقع «ستراتفور» تحليلًا حول التداعيات السياسية والاقتصادية لحرائق الغابات في أستراليا، وتكلفتها الهائلة التي تتجاوز أضرار أي موجة حرائق سابقة شهدتها البلاد، لدرجة أنها أجبرت الحكومة على التراجع عن وعودها بتحقيق فائض في الموازنة.

يرى التحليل أن أستراليا وجدت نفسها في مأزق يحتم عليها اتخاذ قرارات صعبة؛ حيث ينبغي لها أن توازن بين الاستمرار في صادرات النفط والغاز التي تحقق لها موارد مالية ضخمة، ولكنها في الوقت ذاته تؤدي إلى زيادة غازات الاحتباس الحراري، ما ينعكس عليها في صورة تهديد وجودي لبيئتها.

– تجاوزت الأضرار المتوقعة، التي كسرت الأرقام القياسية لموسم الحرائق في أستراليا لعام 2020، كل مستويات الأضرار السابقة، مما يضعف النمو الاقتصادي، ويجبر الحكومة على التخلي عن وعودها بتحقيق فائض في الميزانية.

– على المدى الطويل، قد تؤدي مواسم الحرائق الهائجة والمطولة على نحو متزايد إلى الإضرار بالمنتجين الزراعيين الأستراليين في المنافسة العالمية على الأسواق الآسيوية المتعطشة.

– عن طريق إعادة قضية المناخ مرة أخرى إلى صدارة السياسة الأسترالية، تمثل الحرائق أيضًا تهديدًا لسيطرة لائتلاف الوطني-الليبرالي الحاكم الهشة على السلطة.

– على الرغم من المخاطر السياسية، إلا أنه من غير المرجح أن تقوم كانبيرا (عاصمة أستراليا) بإجراء أي تغييرات شاملة لسياساتها الصديقة للطاقة بسبب الاعتماد الاقتصادي للبلاد على صادرات النفط والغاز.

تمر أستراليا ببداية ما يبدو أنه موسم حرائق غابات غير مسبوق في تاريخ البلاد، ويحتمل أن تكون له تداعيات اقتصادية وسياسية هائلة. واعتبارًا من منتصف شهر يناير (كانون الثاني)، أسفرت حرائق الغابات في نيو ساوث ويلز وفيكتوريا وجنوب أستراليا وكوينزلاند وأماكن أخرى عن أضرار في الممتلكات المؤمن عليها تقدر بأكثر من 1.34 مليار دولار (1.95 مليار دولار أسترالي)، وحرق ما يقرب من 12 مليون هكتار (29.7 مليون فدان) والتسبب في 28 حالة وفاة.

بالإضافة إلى المناطق التي ابتلعتها النيران بالفعل، فإن مساحات شاسعة من البلاد معرضة لمخاطر أعلى من المعتاد بالدخول إلى خط النار. ويمكن أن يكون الضرر حتى الآن مجرد قمة جبل الجليد؛ بالنظر إلى أن مواسم الحرائق السنوية في البلاد تمتد من ديسمبر (كانون الأول) إلى أبريل (نيسان).

ويشير تحليل «ستراتفور» إلى أنه مع زيادة سخونة مناخ أستراليا وجفافه، ستزداد شدة حرائق الغابات هناك. وهذا الاحتمال الذي يدعو إلى اليقظة، وضع صادرات البلاد من النفط والغاز، مرة أخرى، في مرمى المخاوف المتعلقة بالتغير المناخي.

ولكن حتى في ضوء ما سيلحق بصناعتي الزراعة والسياحة الأسترالية من جراء الحرائق المتوقعة، فإن التوقعات المربحة لأسواق الطاقة المتنامية في آسيا ستمنح كانبيرا بالرغم من ذلك حافزًا لمواصلة إعطاء الأولوية لقطاع الوقود الأحفوري، حتى لو كان ذلك يعني تعزيز صناعة يلقي عليها باللوم في الأزمة البيئية التي تجد البلاد نفسها غارقة في خضمها الآن.

باعتبارها دولة معزولة وذات كثافة سكانية منخفضة في طرف منطقتي المحيط الهادئ والمحيط الهندي، كان على أستراليا منذ فترة طويلة التغلب على العقبات التي تقف في طريق إرسال صادراتها من الزراعة والمعادن والطاقة إلى الأسواق العالمية. ولكن حرائق الغابات التي تتسبب في أضرار متزايدة تخاطر بالمزيد من عرقلة النمو الاقتصادي في البلاد عن طريق تهديد إنتاج المزارعين الأستراليين وتفاقم الجدل السياسي حول استغلال الطاقة.

                                                      الأموال التي احترقت

تعد الخسائر الناجمة عن موسم حرائق الغابات في أستراليا لعام 2020 كبيرة بالفعل. وفقًا لبنك Westpac الأسترالي، من المرجح أن يصل إجمالي الأضرار التي وقعت حتى تاريخه، بما في ذلك الخسارة الاقتصادية، إلى 3.45 مليار دولار، وهو ما يمثل خسارة في إجمالي الناتج المحلي تصل إلى 0.5%.

وألحقت حرائق الساحل الشرقي أضرارًا بالغة بوجهات سياحية شهيرة، مثل منطقة «إيست جيبسلاند» في فيكتوريا والساحل الجنوبي لنيو ساوث ويلز، ناهيك عن خسارة الإيرادات وتراجع الطلب الذي يبلغ مئات الملايين من الدولارات.

وعدت الحكومة الأسترالية بتخصيص 1.4 مليار دولار على مدى العامين المقبلين للتعامل مع تداعيات هذا الدمار، مما دفع كانبيرا إلى التخلي عن تعهدها بتحقيق فائض ميزانية في عام 2020. كما ستحتاج الحكومة أيضًا إلى توفير أموال كبيرة للتعافي من آثار الكارثة، وقد تحتاج حتى إلى طرح حوافز مالية.

ومع ذلك، تحترق المسطحات الطبيعية في أستراليا على الدوام جزءًا من دورة موسمية طبيعية، وأحيانًا عن عمد بفعل التدخل البشري. وسبق أن وقعت كوارث من هذا النوع على فترات منتظمة طوال تاريخ البلاد الحديث. مثل: حرائق السبت الأسود القاتلة في عام 2009، وحرائق يوم أربعاء الرماد في عام 1983، وحرائق فيكتوريا عام 1939، والتي كانت جميعها جزءًا من المواسم التي تسبب كل منها في أضرار تقدر بحوالي ملياري دولار لحقت بالممتلكات المؤمن عليها.

غير أن موسم حرائق عام 2020 زاد سوءًا؛ بسبب ظاهرة القطب الثنائي بالمحيط الهندي هذا العام، وهو نمط من درجة حرارة البحر يشبه ظاهرة «إل نينو» التي تزيد الأمطار في شرق أفريقيا والجفاف في جنوب شرق آسيا وأستراليا. إنه أيضًا جزء من اتجاه عام خلال السنوات الأخيرة يتسم بمواسم حرائق أطول وأكثر شدة في القارة الأسترالية، وهو تطور ستكون له تداعيات اقتصادية هائلة على هذه الدولة الواقعة على حافة حوضي المحيط الهادئ والمحيط الهندي.

                                            المزارعون على خطوط النار الأمامية

ويتابع التحليل أنه بالنظر إلى التأثير الهائل على المناطق الريفية، سيكون المنتجون الزراعيون في أستراليا من بين أكثر الخاسرين في مواسم الحرائق الملتهبة.

وتشكل حرائق الغابات مخاطر على الزراعة، ليس فقط من حيث التدمير المباشر للماشية والأخشاب والمحاصيل والمنتجات الزراعية المخزونة، ولكن أيضًا من خلال أضرار الدخان التي تصيب محاصيل الخضروات والفواكه.

وفي أعقاب الحرائق، يجب على المزارعين كذلك التعامل مع الأضرار التي لحقت بالأسيجة، والبنية التحتية للمياه والمعدات الزراعية، بالإضافة إلى مخاطر فقدان التربة السطحية والانسياب السطحي للمياه بسبب تساقط أوراق الأشجار.

حتى أولئك المزارعين الذين لم يتأثروا مباشرة بالحرائق، يمكن أن يعانوا من متاعب تتعلق بالبنية التحتية للنقل، وهو ما يمثل تحديات في نقل البضائع إلى السوق أو شراء الأعلاف والوقود للحفاظ على الإنتاج. وهذا كله يضاف إليه ظروف الجفاف القاسية التي سبقت الحرائق.

وسيكون لمواسم الحرائق التي تتزايد شدتها أسوأ التأثيرات المباشرة على قطاع الألبان، الذي ينشط بقوة في فيكتوريا ونيو ساوث ويلز، بالإضافة إلى إنتاج لحوم البقر في نيو ساوث ويلز وكوينزلاند. ويواجه قطاع الألبان أيضًا مخاطر إضافية تتمثل في التعرض لانقطاع التيار الكهربائي، مما يعرض عملية تخزين الحليب للخطر. ولفت التحليل إلى أن التقديرات تشير إلى أن موسم حرائق عام 2020 سيسفر عن تدمير 1.8 في المئة من الماشية الأسترالية و2.4 في المئة من أغنامها، وخفض إنتاج الصوف بنسبة 10 في المئة تقريبًا بسبب الحرائق وظروف الجفاف السابقة.

                                 الحرائق ربما تؤدي بالمزارعين إلى خسارة أسواق كبيرة

على المدى الطويل، قد تؤدي مواسم الحرائق المدمرة المتكررة إلى إعادة المزارعين الأستراليين إلى مؤخرة الركب، في حين يشهد المنتجون المنافسون في الولايات المتحدة وأماكن أخرى مكاسب محتملة وسط تراجع التوترات بين الولايات المتحدة والصين، مما يعرض الامتيازات الأسترالية للخطر فيما يتعلق باتفاقاتها التجارية الحرة واسعة النطاق.

إن انخفاض عدد سكان أستراليا وهباتها الكبيرة من الأراضي الصالحة للزراعة، جعلها منذ فترة طويلة قوة محركة للصادرات الزراعية. وعلى الصعيد العالمي، تعد أستراليا ثالث أكبر مصدر للحوم البقر والسكر، ورابع أكبر مصدر للألبان وخامس أكبر مصدر للقطن والقمح.

وتتجه نحو 60 في المئة من صادرات أستراليا الزراعية إلى الاقتصادات النامية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، حيث أصبحت المنافسة بين المصدرين شديدة على نحو خاص في أعقاب العديد من الاتفاقات الثنائية مع الولايات المتحدة، فضلًا عن اتفاق الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ والشراكة الإقليمية الاقتصادية الشاملة المقترحة.

انتقادات لاذعة.. كانبيرا تحت النار

ويرى تحليل ستراتفور أن موسم حرائق الغابات هذا العام يمثل مخاطر سياسية لرئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون وحكومة الائتلاف الليبرالي- الوطني المؤيدة للطاقة التي يقودها. فبسبب الاستجابة البطيئة تجاه الأزمة؛ انخفض معدل التأييد لموريسون بنسبة 8 نقاط مئوية في استطلاعات الرأي التي أجريت يوم 12 يناير. كما تخطى زعيم حزب العمال المعارض، أنتوني ألبانيز، موريسون لأول مرة في معدلات التأييد.

خلال العقد الماضي، اتسم المشهد السياسي الأسترالي بالأغلبيات الحاكمة الضئيلة، والسقوط المفاجئ والسريع لرؤساء الوزراء. غير أن موريسون وائتلافه الحاكم نجحا في تحقيق أكثر مما توقعا في انتخابات مايو (آيار) 2019 لتأمين أغلبية ضئيلة في مجلس النواب. لكن تقدم الائتلاف الليبرالي-الوطني في مجلس النواب لا يزال قائمًا على تفوقهم بأربعة مقاعد فقط على البرلمانيين المعارضين والمستقلين.

يتابع التحليل: إن حرائق عام 2020 يمكن أن تعرض هذه السيطرة الهشة على السلطة للخطر؛ من خلال إعادة قضايا تغير المناخ إلى صدارة السياسات المحلية.

                               أستراليا ثالث مصدر للغاز الطبيعي في العالم وأول مصدر للفحم

تعد أستراليا مسؤولة عن حصة صغيرة نسبيًّا لا تزيد تقريبًا عن واحد % من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على مستوى العالم، والتي يحملها توافق الآراء العلمية مسؤولية ارتفاع درجات الحرارة في العالم.

لهذا السبب، تركز الجدل السياسي تركيزًا أكبر في البلاد على تخفيض صادرات الطاقة التي ينبعث منها الكربون. وتفاخر أستراليا بمكانتها باعتبارها ثالث أكبر مصدر عالمي للغاز الطبيعي المسال، وتمثل 11%من إجمالي صادرات العالم. كما أنها أكبر مصدر للفحم بحوالي 38 % من الإجمالي العالمي.

ومنذ عام 2014، زادت أرقام كل من الغاز الطبيعي المسال والفحم بنسبة 18 % وتسعة % على التوالي. وتمثل صادرات الطاقة حوالي 35 % من إجمالي صادرات أستراليا من حيث القيمة، ويشكل الفحم وحده قرابة خمس صادرات البلاد.

غير أنه بالإضافة إلى المخاوف المتعلقة بالمناخ، أصبحت زيادة إنتاج الطاقة وتوزيعها في أستراليا أيضًا مشكلة محلية تتعلق بكسب الرزق. وسط الصادرات الضخمة للغاز الطبيعي المسال، أدى النقص في إمدادات الغاز الطبيعي المحلية إلى مخاطر حدوث نقص في السوق الأسترالية؛ مما أثار دعوات لزيادة الإنتاج، وكذلك فرض قيود على الصادرات أو زيادة الواردات.

وعلى الرغم من هذه المخاوف، إلا أن الجانب المحافظ للسياسة الأسترالية جادل منذ فترة طويلة بأن الحد من إنتاج موارد الطاقة هذه سيأتي بتكاليف اقتصادية غير مقبولة.

في الواقع، كانت هذه هي الرسالة التي انتصرت في انتخابات 2019، بالنظر إلى أن حملة الائتلاف وضعت سياساتها المؤيدة لقطاع الأعمال والمؤيدة للطاقة في مواجهة التركيز الشديد لحزب العمال على قضايا تغير المناخ. لكن من خلال إعادة تسليط الضوء على سياسة المناخ، يمكن أن تهدد الحرائق المستمرة باطراد قبضة الحكومة الهشة على السلطة، بحسب التحليل.

والانتخابات لعضوية مجلس النواب أو مجلس الشيوخ لن تحين قبل عامي 2021-2022، مما يعني أن لدى الائتلاف الوقت الكافي لضبط نهجه بفرض مزيد من التدقيق على مشاريع النفط والغاز الجديدة، على الرغم من أن الأهمية الاقتصادية لقطاع الطاقة في البلاد ستظل تحد من القدرة على القيام بذلك.

وساعد استخراج المعادن والنفط والغاز لفترة طويلة في تخفيف صدمات الاقتصاد الأسترالي، الذي أفلت من الركود على مدار ثلاثة عقود، ويعزى ذلك جزئيًّا إلى التنويع بين صادرات الموارد واقتصاد الخدمات.

على سبيل المثال، قد تتيح عمليات التنقيب المخطط لها في الخليج الأسترالي أكثر من تسعة مليارات برميل من احتياطي النفط الخام، وهي زيادة كبيرة على إجمالي 1.8 مليار برميل من الاحتياطيات المؤكدة (اعتبارًا من 2016).

على المستوى المحلي، يعد إنتاج النفط والغاز عاملًا مهمًا أيضًا في تخفيض تكاليف نقل البضائع والأشخاص عبر مناطق أستراليا الجغرافية الواسعة، بالإضافة إلى دعم قطاع التعدين الحيوي في أستراليا.

                                                      مأزق المناخ في أستراليا

مع وضع تلك الثروة الكبيرة من النفط والغاز على المحك، ستجد الحكومة الأسترالية بالتالي صعوبة في التقليل من استغلالها لاحتياطيات الطاقة لديها، حتى مع الغضب المضاف الناتج عن حرائق الغابات.

وعَكسَ موقف حزب العمال في انتخابات 2019 هذا التوازن الحرج؛ فعلى الرغم من التأكيد على التغير المناخي، قال الحزب المعارض إنه لا يزال يدعم التصديع المائي (لاستخراج النفط والغاز) في الإقليم الشمالي، ووعد بتخصيص مبلغ 1.5 مليار دولار لبناء خطوط أنابيب جديدة. كما أنه ابتعد على نحو ملحوظ عن التعهد بوقف العمل في منجم أداني كارمايكل للفحم، الذي لطالما أثار غضب أنصار البيئة.

الموازنة بين الاحتياجات قصيرة المدى والتهديدات الوجودية

واختتم ستراتفور تحليله بالإشارة إلى أنه في الوقت الحالي، تعني الأهمية الاقتصادية لقطاع النفط والغاز أنه من غير المرجح أن يغير أي من المعسكرين السياسيين في أستراليا سياسات الطاقة الموجهة نحو التصدير في البلاد تغييرًا جوهريًا.

لكن هذا لن يمنع مواسم الحرائق الشديدة والمطولة على نحو متزايد من اجتياح البلاد على مدى العقود القادمة، مما يشكل تحديًّا للمنتجين الزراعيين الذين يحاولون الاحتفاظ بموطئ قدم في الأسواق الآسيوية التنافسية.

وبالاقتران مع خسائر السياحة، فإن هذا الحال سوف يوهن النمو الأسترالي. لكن الإجراءات المتعلقة بتغير المناخ تخاطر أيضًا بكبح جماح صادرات النفط والغاز المربحة التي ساعدت البلد النائي على الاستفادة من النمو الهائل في آسيا.

وبالتالي، حتى لو بقي الائتلاف الحاكم في السلطة، فسيكون عليه أن يتعامل مع المهمة الصعبة المتمثلة في الموازنة بين احتياجات أستراليا الاقتصادية قصيرة المدى، وعلى الجانب الآخر التهديدات الوجودية التي تخيم على أفق بيئتها.

المصدر / الأمة برس 


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى