مقالات

حسنة ملص مناضلة قومية في القاهرة ، وملا عبود يرثي “اللمبجي” : القواد الذي يضع فوق رأسه تاجا من ” قرون”

طعمة البسام*
في العصور السالفة وفي بعض المجتمعات كانت ” الدعارة ” امرا طبيعيا … بل ان ممارسة الجنس الجماعي في المعابد وفي مناسبات محددة كان امرا مقدسا … ومع ذلك فان الامر يحتاج الى نوع من ” التنسيق ” والترتيب .. وكان ثمة رجال يقومون بعملية التنسيق هذه … وهؤلاء الرجال غالبا ما يجلسون عند مداخل المدن لارشاد الغرباء الى بيوت الدعارة … ولتمييز انفسهم او بالاصح لتعريفها امام هؤلاء الغرباء كانو يضعون فوق رؤوسهم قرونا … لذلك فان الغرباء الراغبين بممارسة الجنس يتجهون الى اصحاب القرون لارشادهم الى مبتغاهم … وهذا هو الجذر التاريخي (( للكرن )) اي القواد … والفرق بين القواد والديوث هي ان الاول عام والثاني خاص باهله وقريباته . والى مطلع ثمانينات القرن الماضي كانت بيوت الدعارة منتشرة في العديد من المدن العراقية … وخاصة بغداد التي وصفها السياب في احدى قصائده بانها ” مبغى كبير ” وكانت البيوت تنتشر في محلة اسمها الميدان …اما لماذا في الميدان فلذلك قصة تروى : ذلك ان مجلس الوزراء في عهد عبد الكريم قاسم قرران ” ينظم ” الامر فاراد ان يجمع بيوت الدعارة في مكان محدد … فكان هناك نزاع بين وزير الداخلية ووزير اخر هو مزهر الشاوي الذي اصبح فيما بعد احد اعظم مدراء الموانيء في العراق والموجود تمثاله حاليا في مدخل مديرية الموانيء في البصرة … ذلك ان وزير الداخلية كان يريد ان يكون مجمع ” الدعارة” في الباب الشرقي وكان رأي الشاوي في منطقة الميدان … واشتد الخصام والنزاع بين الوزيرين …فأراد الشاوي ان يحسم النزاع فقال لوزير الداخلية : اذا اردت ان تتاكد ان افضل مكان للدعارة في بغداد هو منطقة الميدان فاسال امك !! فما كان من وزير الداخلية الا السكوت وتم الاتفاق ان تكون الميدان مركز الدعارة …. اما اشهر ” كواويد ” الميدان فهو داود اللمبجي … وسمي اللمبجي لانه كان يعمل على اشعال ” اللمبات ” في شوارع بغداد ليلا قبل ظهور الكهرباء … ولهذا “الكواد ” حكاية ” شرف ” تستحق ان تروى ذلك ان داود كان يستقل سيارة صغيرة تعمل على خط باب المعظم – الباب الشرقي .. وفي الطريق كان ثمة امرأتان تقفان في الشارع واشارتا للسيارة التي كان يستقلها داود الا ان الاخير طلب من السائق عدم الوقوف للمرأتين وانه سيدفع ثمن اجرتيهما … استغرب السائق من طلب داود فساله عن سبب طلبه هذا فقال له : انه كواد معروف في بغداد واذا رأى احد المرأتين معه في السيارة فسوف تكثر الاقاويل وتتشوه سمعتيهما !!! وحين مات داود رثاه الشاعر المعروف عبود الكرخي بقصيده عصماء غناها فيما بعد مطرب المقامات يوسف عمر …
ويقول مطلعها :
مات اللمبجي داود وعلومه كومو اليوم دنعزّي فطومه
كِضه عمره بالكواده ولا سوّه غير الطيب مكرن شاعت علومه
وفطومة زوجة اللمبجي ………
اما اشهر ” كوادات ” ميدان بغداد فهي “حسنة ملص” وهي اشهر من نارعلى عالم وكانت معروفة جدا في بغداد الخميسنيات وقد جاءت من الموصل وسكنت في بغداد ومارست تلك ” المهنة ” …وقد دخل اسمها في المعارك السياسية التي كانت قائمة انذاك … وخصوصا تلك القائمة بين التيارين القومي والشيوعي … وللطرفة هنا فان اشهر الاذاعات في ذلك الحين هي اذاعة القاهرة وكان العالم العربي يستمع اليها كثيرا وخصوصا في ليلة الخميس – الجمعة حين كانت تقدم حفلات السيدة ام كلثوم … وفي هذه الاذاعة كان المذيع المصري المعروف احمد سعيد من يقدم نشرات الاخبار والبرامج السياسية … وكان مناصرا قويا للحركة القومية في العراق … فاراد الشيوعيون الاستهزاء بمعارضيهم من القوميين فارسلوا رسالة طويلة الى اذاعة القاهرة ومذيعها احمد سعيد على اعتبار انهم من القوميين العراقيين …كاتبين له ان الشيوعيين قد قتلوا المناضلة القومية ” حسنة ملص ” وارادوا من المذيع والاذاعة مناصرتهم في هذه القضية … فخرج صوت احمد سعيد ملعلعا في الاذاعة منددا بسلوك الشيوعيين الذي قتلوا هذه المناضلة التي ضحت بحياتها من اجل القومية العربية .. ثم صرخ باعلى صوته : كلنا حسنة ملص … وفي اليوم التالي خرجت تظاهرات في شوارع القاهرة تحمل لافتات : كلنا حسنة ملص !!!!!!!!
وظل اسم ” حسنه” يتردد حتى بعد عام 2003 .. ذلك ان الشاعر رحيم المالكي كان قد اشتكى اليها من ساسة العراق الجديد في قصيدة طويلة مشهورة .
وفي البصرة كان ثمة شارع اسمه شارع بشار … نسبة الى الشاعر بشار ابن برد … غير ان احدا لم يوثق الحوادث والوقائع والفضائع التي وقعت في هذا الشارع لذلك فقد ضاعت .. ويا للاسف .. صفحة تاريخية .. بغض النظر عن لون تلك الصفحة … وقد تم تغيير اسم الشارع بعد ذلك … كما تم ازالة البيوت التي تمارس فيها الدعارة وبذلك فقد انطوت صفتحه وذهبت تلك الفترة ” الذهبية ” الى عالم النسيان .
وعلى سبيل الطرفة وما دمنا نتحدث عن ” الكوادة ” فيقال ان ريفيا ذهب الى بغداد بحثا عن عمل … فجلس ذات يوم في مقهى وطلب من احدهم ان يرشده الى عمل … فقال له الرجل نعم يوجد عمل هل انت مستعد تشتغل ” كواد ” فثار الرجل الريفي وصفعه على
خده فتماسك الرجلان وفي الاثناء مرت أمرأة وتدخلت بينهما واخذت الرجل الى جنب وقالت له : واضح عليك انك رجل شهم وعندك غيرة … لذا فانا راح اشغلك عندي … ثم حدثته قائلة : ان عندها مجموعة بنات وتخاف عليهن من اولاد الحرام وطلبت منه ان يجلس حارسا بباب بيتها وان لا يسمح لاحد بالدخول الى البيت الا من تأذن له هي به بالدخول … وظل الرجل كذلك سنوات طوال على هذه الحال …. ثم قيل له هل تعرف ماذا تعمل ؟؟؟ فقال : لا ، قالوا انك تعمل ” كواد ” من حيث لا تدري … فقال الرجل : اذا هي هاي الكوادة  فالشغلة سهلة كلش؟؟؟

  • كاتب وصحفي عراقي مقيم في البصرة 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى