Sliderادب وتراث

الشاعر البحريني الكبير يوسف حسن يستذكر عبدالله خليفة بكل الحب

الشاعر البحريني يوسف حسن

ثمة شخوص، تحفر عميقا في الذاكرة والروح والوجدان، وتبقى ماثلة شاخصة، بأبعادها الذاتية والإنسانية وعطائها اللامحدود، تعرفت على الكاتب والروائي والمفكر المرحوم عبدالله خليفة لأول مرة في منتصف الستينيات وهو في بدايات تجاربه القصصية الأولى بنادي جدحفص، وبرغم ذلك اليوم المبكر من عمر الحركة الأدبية في البحرين فإنك لا تكاد تجد مقعدا حيث اكتظت القاعة بالحضور.

عبدالله خليفة كما عرفته قامة إنسانية، بقدر ما هو قامة كتابية وفكرية شامخة، وكما عرفت عبدالله في كتاباته القصصية والروائية والفكرية، عرفته أيضا في جانبه الإنساني العميق.. البالغ العمق.. عبدالله غيري لا يكترث لذاته.. لا يكترث بالأنا بقدر اكتراثه بالآخر.. كان لعبدالله أن يكون من أصحاب الثراء والوفرة والنفوذ، حيث كانت الأبواب مفتوحة باتساعها لو أراد، لكن عبدالله أبى إلا أن يكون عبدالله، وآثر أن يكون إنسانا يقبض على الجمر بيد ويواصل رسالته الإنسانية باليد الأخرى. كم كنت أتمنى، لو أن عبدالله قد قيض له أن يكتب تجربته الإبداعية بما حف بها وداخلها من وقائع وأحداث، وما تمخض عنها من حراك ثقافي وأدبي وفكري واجتماعي وسياسي، لكن عبدالله آثر «تواضعا» أن يكتب هذه التجربة بأبعادها ومعطياتها بعيدا عن أناه المباشرة، حيث جسدها بصورها وأبعادها المختلفة تجسيدا فنيا وموضوعيا في إنسان الوطن البحريني العادي، فمعظم شخوص وأبطال رواياته وقصصه هم من مهمشي الفئات الدنيا أو الوسطى أو هم عصاميون معدمون، ناضلوا وكابدوا وأصروا على تدبر حياتهم وبناء ذواتهم الشخصانية، كما نجده في رواية الأقلف وفي ثلاثيته الينابيع، وفي غيرها من رواياته العديدة، التي تعتبر منجزا وطنيا إبداعيا، ولعله الوحيد الذي يحسب له كتابة تاريخ البحرين الحديث «روائيا» في ثلاثيته «ينابيع البحرين» التي ستظل مرجعا تأصيليا مهما لتاريخ البحرين والرواية السردية على السواء.
لقد رفد عبدالله خليفة المكتبة الروائية في البحرين والخليج والمحيط العربي بنهر ثري من العطاء الروائي والدراسات الأدبية والنقدية، وتوج ذلك العطاء بكتابه الموسوعي القيم «الاتجاهات المثالية في الفلسفة العربية الإسلامية» وهو دراسة فكرية موضوعية رصينة في العقل العربي الإسلامي بدء بالزمن الأسطوري حتى العقل واللاعقل الدينيين.
رحم الله عبدالله خليفة الكاتب والإنسان الذي لا يقل عطاؤه الوطني والإبداعي عن عطائه الإنساني، وقد كان غيابه المبكر وهو لم يزل بعد في ريعان العطاء الإبداعي فاجعة مني بها الإبداع التخيلي وخسارة كبرى للساحة الأدبية في البحرين والخليج والمحيط العربي.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى