ادب وتراث

ثلاث نصوص شعرية من القطر الليبي الشقيق

للشاعر الليبي أمراجع المنصوري*

ارتباكات. . !

(( 1 ))

 يحدُثُ أحْياناً أنْ ينْسى  (( الواحدُ منا ))  فى لحظةٍ . . .

اسمَهُ . . اسم أمَهِ . . واسم أبيهْ

واسم ” صاحبتِهِ وبنيهْ ”

وينسى كلَ التفاصيلِ منْ حولِهِ . . .

فى ارْتباكٍ يغيبْ

وينْسى ملابسَهُ . . وما يرْتديهْ

يحْدُثُ أنْ يبْحثُ الواحدُ مِنا عنْ قدمَيهِ . .

هكذا فجْأةً . . فلا يجدْ قَدميهْ

وينْسى أينَ ضَاعا . . ؟ وكيْف . .؟ 

وينْسى الحِذاءَ الذى يمْتطيهْ

يحْدُثُ أحياناً أنْ لا يُدْرِكُ الواحِدُ منا  ،

كمْ مِنَ العُمرِ مَرْ  . . وكمْ مِنَ العُمْرِ ظلَ مُتاحاً . .

والى أينَ يمْضى . . ؟ . . وكيْفَ . . ؟

والى أينَ تُفْضى بِهِ الطرُقُ المُوحِلهْ . 

(( 2 ))

 

يحْدُثُ أحياناً أنْ لا يُدْرِكُ  (( الواحدُ منا ))  ،

أينَ كانَ بالأمْسِ . . ؟ . . وكيْفَ . .؟

واليوم . . أينَ . . ؟

وأيْنَ غداً سيكُونْ

 

(( 3 ))

 يحْدُثُ عادةً أنْ تسْتفيقَ بِنا الشهوةُ الجارفهْ

ويستبدُ بِنا الشوقُ . . .

حينَ تمرُ بِنا امرأةٌ ناضجهْ

وتمْضى بِنا الى ” الهُناكَ ” بعيداً . . .

وحتى أقاصى الأرقْ

. . تُشْعِلُ فينا الجمْرَ الخبئْ

تُشْعِلُنا . . فنُذْكى حرائقَنا فى الورقْ 

 (( 4 ))

 يحْدُثُ عادةً وكُلما دبَ ارتباكٌ بنا . .

ويأسٌ . . وخوفٌ . .  فنسْتَغْفِر اللهَ . . .

سراً وجهْراً . .  نُصلى له وندعوهُ أنْ يهِبْ لنا عونَهُ

نرفعُ اليهِ يدينا هكذا. .  خائفينَ . . .

لنجْتازَ محْنةَ الخوْفِ . . واليأسِ . . والارتباكْ

ويحْدُثُ أنْ لا . .  يلْتَفِتْ لنا اللهُ . .

فى ملكوتِهِ . . . فَلِما لا يسْتَجِيبُ لنا اللهُ . . . ؟

وقدْ كُنا نرفعُ اليهِ يديناَ  ،

وندْعوهُ سراً وجهرا . . ألمْ نكنْ موقنينْ ؟

ربَما لمْ نكنْ قُربَ شرْفتِهِ الطاهرهْ

ربَما ، كُنا بعيداً . . بَعيداً . . ولمْ نقترِبْ

فقطْ . .  كُنا نرفعُ اليهِ يدينا . . .

ولمْ نكُنْ خاشعينْ.

 واجب مدرسى. . !

 فى آخِرِ بيتٍ هُناكْ

فى الطَرفِ الجنوبي مِنَ القريةِ . .

آخرِ الليلِ يصْرخُ طفلٌ صغيرٌ ، يرتعشُ مِنَ البرْدِ:

يَا أبى . .

لماذا تنام وحيدًا هُناك بالمقبرهْ  . .؟

يَا أبى . . عُدْ الينا . .

فَهذا الشتاءُ طويلٌ . . طويلْ

المطرُ غَمرَ بيتَنا ،

وأتلفَتُ المياهُ . . كُتُبى . . وحِذائى . .

وضاعَ منى عبْر الظلامِ القلمْ

وليل ُ البلاد ِقدْ غطَ فى نومِهِ . . ولمْ تأتِ شمسٌ . .

كي أُكْمل الواجبَ المدرسيْ .

 

 مُدرِسُ تاريخْ . .

كُنا خمسهْ

كُنا خمسةٌ . . نعلمُ الأولادَ فى المدرسةِ القديمةِ ” الهُناكْ “

لمْ نفترقْ أبدًا ومنذُ عشرينَ سنهْ

كُنا خمسهْ . . نتبادلُ أصابعَ الطبشورِ . .

وننْحتْ )) ،  بزهوٍ حروفَ الهجاءْ ))

كُنا نتْلو لهمْ ” . . قُلْ هو الله أحدْ . . ”

اسمَعوا . . كيفَ نقْرأُ هذا الكلامْ

أنْظروا . . كيفَ نكتُب هذى الحُروفَ . .

” أَلِفٌ . . بَاءٌ . . الِفٌ . . ياءْ ”

حافِظوا على الوقتِ . . والواجبِ المدرسيْ

كُنا نُرددُ لهمْ دائماً . .

فِيما تُتابعنا أعينُهمْ بارتباكٍ . . ورهبَهْ

  هَكذا كُنا 

كُنا نؤسسُ لهمْ تحتَ سقْفِ الفصُولِ . . .

سماواتٍ تتْسعُ لأحلامهمْ دُون حدْ

كُنا خمسهْ

واحدٌ . .  مات هُنا بالذبحةِ القلبيهْ  . . .

وآخرٌ . . سافرَ ذاتَ مرةٍ. . وتاهَ فى مدينةٍ بعيدةٍ . .

ولمْ يَعدْ

اثنان اوُدِعا السجنَ بتهمةِ الخيانهْ 

لمْ يَعدْ منْ أحدٍ باقٍ هُنا . . إلا انَا . . .

مُدرِس التاريخِ ، فى المدرسةِ القديمةِ ” الهُناكْ ”

لمْ اعدْ مُدرسَ التاريخِ ،  عَبرَ الجميعُ ورحلُوا . .

. . .  وفَاتنى التاريخْ .

  • شاعر ودبلوماسي من ليبيا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى