Sliderادب وتراث

قراءة في فكر علي شريعتي ” 2 ــ 7 “

عبدالله خليفة – المنامة*
يمثل منهج علي شريعتي الفكري رؤية دينية مسبقة تقوم بمعالجة الوقائع التاريخية والفكرية من موقفها الديني، فهو يرى إن الدين التوحيدي ] يقوم على أساس عبادة رب واحد والإيمان بقوة واحدة متنفذة في مصير المجتمعات الإنسانية على مر التاريخ [ ويضيف بأن ] هذا الاعتقاد البشري يمثل ميلاً فطرياً نحو عبادة القوة الواحدة والإيمان بالقداسة [، ] علي شريعتي، دين ضد الدين، دار الأمير، بيروت، ص34 [. إن شريعتي هنا يأخذ التوحيد اليهودي والإسلامي كشكل وحيد للوعي الديني في العالم، وفي كل مراحل التاريخ، في حين انه يمثل تجربة بشرية معينة، ولها من العمر ألفان من السنين، في حين نرى إن تجربة الإنسان الدينية على مدى مئات الآلاف تقوم على تنوع الآلهة والمعبودات.

وهذه المعلومات أصبحت بديهية ولكن علي شريعتي لا يقوم بدرس تاريخ الإنسان الديني المعقد، ويقوم بتبسيطه تبسيطاً مؤدلجاً، لكي يضع داخله مسلماته الدينية المسبقة، وهذه الطريقة من البحث قد لا نراها فيما يلي من منهجيته، ولكنها هنا تقوم على قراءة لا تاريخية للأديان، فتلغي التوحيد كذروة لتطور الدين في منطقة المشرق، فحين لا ترى جذوره وتجعل تاريخ الدين واحداً، تنفي المجاهدات والنضالات الطويلة التي تشكلت للخروج من الطوطمية وعبادة الأسلاف والأجداد وعبادة الكواكب والنجوم والأصنام الخ.. إن هذه العبادات مثلت تطور عبادات القبائل بصورة طويلة معقدة، في المناطق الزراعية خاصة: مصر، العراق، سوريا الخ..ثم جاء الدينان التوحيديان من القبائل الرعوية التي كانت مغايرة لهذا التكوين الزراعي، ونظراً إلى المهام التوحيدية السياسية التي كانت أمامها. وتمثل هذه التواريخ مادة دراسية أولية منتشرة، فنستغرب كيف لا يتمكن باحث كالدكتور علي شريعتي من الإحاطة بها.وبغض النظر عن المطامح الايديولوجية المسبقة فإن للبحث العلمي مواصفاته المختلفة. لكن هذه العملية تعبر عن طريقة التجريد التي يلجأ إليها شريعتي لفرض وجهة نظر مسبقة، وهي طريقة ستكون إحدى أداتين يلجأ فيهما إلى قراءة التاريخ، أو بالأحرى إلى توظيفه لصالح موقفه السياسي الراهن وقتذاك.

والأداة الثانية هي شحن هذا التجريد بمادة ملموسة وحقيقية منتقاة، وهي لا تتضاد مع ذلك الموقف ولكنها أيضاً تكشف وقائع حقيقية وصراعات موضوعية، لأنها وليدة مادة التاريخ الحقيقي، وبهذا تجري عملية فكرية مركبة، فيها الحقيقي المنتقى الموظف لصالح الموقف الإيديولوجي، وفيها القطع عن جذور التاريخ وصراعاته الشاملة. إن الموقف السياسي الديني الراهن لشريعتي يحكم قراءة التاريخ، وهو موقف ينطلق من ظروف إيران ومن مذهبها الديني السائد ورموزه وتاريخه ونضالاته العظيمة ومن كونه شكلاً من أشكال الوعي القومي ويعبر عن طبقة سائدة في مخاض بين كونها إقطاعاً، وكونها برجوازية، بين رؤيتها للعالم من خلال المذهب، ورؤيتها له من خلال بعض جوانب العلم ولغة التحديث. في المنهج وتناقضاته تناقضات الطبقة الوسطى الإيرانية، في محاولاتها لإيجاد جذورها الجديدة، ولقراءتها المتعينة للتراث، وللسيادة على الطبقات الأخرى، ولتبعيتها للإقطاع وعدم قدرتها على الاستقلالية الفكرية في ذلك المخاض السياسي، مخاض حركة تحرير إيران بقيادة رأسيها الطالقاني وبازركان، حيث لم يتضح بعد الصدام بين الطبقة الوسطى والإقطاع الديني، حيث لم يتضح أيهما القائد: الدين التقليدي أم العلم، القرون الوسطى أم الحداثة، الاستبداد أم الليبرالية ؟! في منهج شريعتي هذا المخاض الفكري والسياسي.

كاتب وروائي من البحرين


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى