رمضانيات

طقوس عراقيي المغرب في عيد الفطر !!

بقلم : فيصل عبد الحسن*

حين يقترب شهر رمضان الكريم من نهايته، وعادة في الثلث الأخير من ذلك الشهر في كل عام تبدأ العائلات العراقية بإعداد المعجنات التي ستقدم للضيوف صباح يوم عيد الفطر المبارك، وكذلك ما تفطر به العائلة العراقية في هذا البلد صباح يوم العيد أيضا.
وبالمناسبة فإن الكثير من العادات المغربية قد اختلطت مع العادات العراقية الأصيلة، وصار العراقيون المغتربون في هذا البلد يزاولونها كما لو كانت عادات عراقية، وهي في الحقيقة عادات هجينة مأخوذة من عادات البلدين، وعلى سبيل المثال فإنه ليس من عادة العراقيين تناول أول إفطار صباحي يوم العيد تكون مكوناته الرئيسية قد تم أعدادها من فطائر الحلوى، ولكن هذا ما تفعله معظم العائلات العراقية هنا، فتجد في مائدة الصباح: الغريبة باللوز والفقاس، والسلو، وكلها أنواع من المعجنات المغربية التي يبدأ إعدادها قبل أيام لتكون جاهزة صباح يوم عيد الفطر المبارك.
حلويات مشرقية ومغربية
وتختلف أنواع الحلوى باختلاف دخل العائلة المالي، فإذا كانت من العائلات الميسرة الأحوال، فتجد في إفطار عيدها حلويات غالية الثمن من نوع: المحنشة، البسطيلة بالقشطة، البسطيلة بالحليب، وكعب الغزال، وغير ذلك من الحلويات المكلفة ماليا، وبعض العائلات العراقية التي لم تغير عاداتها العراقية تكتفي بصناعة الكليجة العراقية بنوعيها: كليجة التمر وكليجة لب قراش(واللب قراش هو مهروس جوز الهند) وعندما يريد رب الأسرة التوسيع على عائلته، فهو يخطف رجله إلى منطقة(السويقة) في مركز مدينة الرباط لإعطاء عربون لمحل حلويات مشرقية من اجل إعداد (صينية) بقلاوة باللوز والجوز، أو زنود الست، أو (صينية) كنافة بالدهن الحر، لتكون حاضرة، وفي متناول أيدي العائلة، وهي ساخنة في ساعة مبكرة من صباح يوم العيد.
طقس مهم
حلويات العيد هي أهم طقس من طقوس عيد الفطر المبارك في المغرب، فإذا كانت الفرحة في عيد الأضحى لا تتم إلا بذبح الكبش وسلخه وتقسيم لحمه ووضع ما يوزع للفقراء وما يستبقى للعائلة، في حسبة دقيقة، وإشعال النار لشي رؤوس الأكباش، لتهيئتها لإعداد (باجة) العيد في اليوم الثاني من عيد الأضحى، فإن كبش عيد الفطر وفرحته الحقيقية تكمن في حلوياته، وتنوعها، ودسامتها أيضا، فهناك حلويات ككعب الغزال تصنع من مجروش اللوز والجوز وتكون مادة خالصة من النوعين مع العسل الخالص، ما يجعل هذا النوع من الحلويات مكلفة ماديا، ولكن البيت الذي لا يوسع على أفراده بكميات كبيرة ومنوعة من الحلويات، هو بيت لم يعد للعيد مباهجه المطلوبة، ولا يبشر أفراده بفرح الإفطار بعد شهر من الصيام والقيام، وفرحة المغفرة والعتق من النار، والاستعداد لاستقبال أيام جديدة بروح جديدة من الجد والاجتهاد وحب الناس، والأمل بتحقيق الأمنيات وإشاعة المحبة، والفرح بين الأهل والأصحاب والجيران.
حصان التاريخ
في صباح اليوم الأول من عيد الفطر المبارك بعد تأدية صلاة العيد في الجوامع في مختلف مدن المملكة المغربية التي تحتفي عادة بهذا اليوم يلبس المغاربة زيهم التقليدي: الجلابة، أو الجبادور والبلغة (نوع من الأحذية المغربية التقليدية الخفيفة) التي توضع في القدمين، ويعتمرون الطرابيش الحمر، بينما ترتدي الفتيات التكشيطة المغربية الملونة، ويقلدهم في ذلك بعض أبناء وبنات العراقيين وخاصة عندما يصطحبهم آباؤهم للذهاب إلى مصور المدينة لتصوير الأولاد فوق حصان التأريخ الذي تم تزيينه ليبدو راكبه أثناء التصوير، وكأنما هو قادم من القرن الخامس الهجري، بكامل عدته من السيف والكومية المغربية (خنجر طويل) يوضع في لفة القماش التي تحيط وسط الفارس كالحزام، مع الدرع والراية، ويصحب ذلك موسيقى عالية لموشحات أندلسية أو مقطوعات موسيقية تراثية أو أمداح نبوية من فن الملحون المغربي يبثها جهاز استريو ضخم، عالي الصوت، فتبدو عملية التصوير لها رهبة ومهابة يقشعر لها البدن، وكأنما من يقوم بتصوير نفسه سيذهب فورا بعد ذلك عائدا في عجلة التاريخ تلك إلى الوراء، خمسة قرون أو أكثر، في حملة من حملات الموحدين لإسناد أهل غرناطة في بلاد الأندلس، وحماية المدينة من الوقوع في أيدي أعدائها.
ضرورة سنوية
التصوير السنوي للأولاد فوق حصان التأريخ ضرورة سنوية تتم في كل عيد فطر، للكثيرين من أبناء الجالية العراقية، وفي كل بيت مجموعة كبيرة من هذه الصور، ومن دونها فلن يكون العيد عيدا للأطفال، وكيف لهم أن يعرفوا أنهم طالوا شبرا عن عيد الفطر السابق، أو كيف تبدو أشكالهم بعد شهر من الصيام ومعاناة الجوع والعطش، وكيف لهم أن يقارنوا بين حالهم في عيد الفطر السابق، وحالهم في عيد الفطر الجديد من دون تلك الصور، فكل التغيرات يمكن معرفتها من أشكال ملابس العيد التقليدية التي أرتدوها، وصوروا بها في عامهم الماضي، ومن قسمات الوجوه، ومن ألق العيون الفرحة بعيدها، وسنتها الجديدة القادمة، ومن دون التقاط هذه الصور، ماذا سيبعثون للخالات والعمات والأعمام والجدات والأجداد في العراق، وفي دول كثيرة أخرى أنتشر فوق أديمها الأهل والأحباب، وكيف لهم أن يعرفوا من دون تلك الصور أن الأيام القادمة التي تبدأ بأول يوم من أيام الفطر المبارك ستكون خالية من الذنوب كصفحة بيضاء، وقد محا الله تعالى بواسع لطفه وكرمه من سجل أعمالهم ذنوبها، وغدوا منذ ذلك اليوم سعداء بسجلاتهم البيض كنوارس محلقة فوق الساحل.
* كاتب عراقي يقيم في المغرب


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى