تحقيقات

رحلتي_الى_كردستان

احمد الياسري سيدني
رحلتي من ايران الى تركيا في التسعينات جعلتني شاهداً على الوضع المأساوي الذي عاشته كردستان ايّام الحرب الأهلية الكردية دون ان اشعر ان شهادتي قد يكون لها قيمة في يوم من الأيام …
حين اعتقلتنا القوات التركية وتم إيداعنا بسجن في منطقة موش جنوب تركيا كنّا مجموعة من اللاجئين أغلبنا أكراد ماعدا خمسة عرب من الجنوب انا منهم .. حذرنا الأكراد المسجونون معنا ان نضغط على القاضي التركي لتسفيرنا الى ايران لأنهم قالوا ان البرزاني سيسلمنا للمخابرات العراقية ..
وصلنا زاخو ليلاً قبل ان اعبر الجسر رميت جنسيتي وشهادة جنسيتي العراقية خوفاً من ان يطلع البيشمرگة على هويتي .. أدخلونا الى غرفة تحقيق سألني الضابط الكردي ( انت منين ؟) قلت له انا إيراني كنت مقيم بالنجف بضمانة مرجعية السيد الخوئي وتم تسفيرنا لأيران بعد وفاة الخوئي والدي وعائلتي يعيشون الان بالأهواز وانا خرجت بجواز عراقي مزور لتركيا املاً بالوصول لأوربا … قال لي الضابط متهكما ( كاكا اگطع ايدي اذا ما طلعت من جماعة الحكيم الدجال كلكم خونة وعملاء لأيران ) قلت له لو كنت عميلاً لإيران فلماذا اقطع هذه الجبال هرباً من ايران ونظامها ..

احمد الياسري
شاعر وصحفي عراقي

_ سألني ماهو رأيك بالخميني ؟ قلت له مرجع شيعي لا أقلده .. قال ماهو رأيك بالخائن جلال طالباني قلت له لا اعرفه .. ماهو رأيك بالبرزاني؟ قلت له والدي قال لي انه ابن ملة مصطفى البرزاني الذي حرمت المرجعية النجفية قتاله … قال لي ( هاي كلاوات مال شيعة ما تعبر علينه حضر روحك باچر نسفرك للموصل .. ثم ادخلوا علينا قناة تلفزيونية خاصة بجماعة البرزاني صورتنا جميعاً فهمت من اصدقائي أكراد سليمانية الذين كانوا مسجونين معي ان التقرير موجه للشعب الكردي للتحذير من سياسات طالباني ومافعله بالشباب وتم إضافتنا للتقرير على أساس اننا من أكراد سليمانية ايضاً وليس عرباً .
_ في اليوم الثاني نقلتنا كوستر الى سجن دهوك يقال انه كان منزل عدنان خيرالله قبل الانتفاضة .. ١٥ يوما بهذا السجن تعرضنا لأبشع انواع الاهانات منها ان الشرطة كانوا يدخلون علينا ليلاً وصباحاً يجرون تعداداً باللغة الكوردية ( يك، دو، سه چوار ) وهكذا الذي لا يعرف رقمه بالكردي كان يتعرض لضرب مبرح .. ( قندرة كردي على راس عرب) هذه من الاهانات الزلاطة التي كنّا نسمعها كل لحظة عشنا في السجن لحظات رعب لا نعرف اي لحظة يتم تسليمنا لصدام والتسليم لصدام كان يعني الإعدام ..
_ نقلنا بعد ذلك لسجن القلعة في أربيل الذي لم يكن أفضل من سابقه إهانات وتعذيب أصدقائنا الذين يرتكبون اخطاء بسيطة اذكر ان صديقنا جاسم تحدث مع زوجته من الشباك فمسح الأسايش بوجهه الارض .. المحقق الذي استلم ملفنا في سجن القلعة كان اسمه على ما اتذكر (نقيب شمال) هذا الرجل شريف جداً ولازلت اتذكر كلمته حين وضع في جيبي خمسة وعشرين ديناراً بعد ان تقرر تسفيرنا للسليمانية ( ابني احمد لو صدام يعطينا جبل من ذهب مااسلمكم اني عشت وي اهل الجنوب واعرف انت معارض لصدام ومو إيراني مقيم بالنجف ..يالله روح ) حقيقة منظر هذا الانسان الشريف لم يفارق مخيلتي أبداًكان هذا بداية عام ١٩٩٧ …
_في الطريق لگراج أربيل كانت المدينة عبارة عن مقبرة مهدمة اثار القذائف والبنايات التي هدمها الجيش العراقي مع قوات البرزاني واضحة جداً الانفجارات شبه يومية الوضع يشبه الى حد كبير وضع الموصل الان بعد طرد داعش ، في الگراج ونحن نبحث عن باصات سليمانية وجدنا باصاً وحين سألناه عن وجهته قال انا متوجه لبغداد .. جلسنا جميعاً على الارض وبكينا .. سألنا السائق لماذا تبكون قلنا له نحن مغتربون عن العراق منذ سنوات ويعز علينا ان نقف على حدود الموصل ولا نستطيع الدخول لبلدنا .. هذا المشهد كان من المشاهد المؤثرة في حياتي ..
#وصلنا السليمانية فرأينا معاملة حزب الاتحاد مختلفة تماما قمة الاحترام والمحبة اذكر ان احد البيشمرگة في السيطرة سألنا ماذا فعل بكم حيوانات البرزاني ؟ انتم في وطنكم الان .. الرعب الذي عشناه بدهوك واربيل تلاشى وشعرنا اننا في وطننا .. لكن السليمانية كانت تعيش حرباً ضروس لازلت اتذكر القائد الكردي الشيعي جبار فرمان الذي كان يلقبه البيشمرگة بالوحش لقساوته مع جنود البرزاني حيث كان يرمي أسراهم من الجبال ..
#مشروع الدولة الكردية لم اشاهد كردياً يتحدث عنه آنذاك الكل كان يتمنى عودة صدام والخلاص من شبح الحرب الأهلية التي دمرت كردستان .. الوضع المادي كان سيئاً السلاح كان منتشراً بالشوارع قوات البه كه كه كنت أشاهدهم بالمقاهي ، كل ما شاهدته بتلك الفترة ان الأحزاب الكردية كانت تحلم بتقاسم ممر ابراهيم الخليل فقط وتتمنى ان تحكم سيطرتها على المحافظات الثلاث فقط ..
#وجدت الكثير من أكراد كركوك الذين التحقوا بكردستان بسبب الحصار لم يقل احد منهم ان كركوك كردية فقط بل كانوا يقولون انها مدينة مشتركة ، الكل كان يتمنى ان يتحسن الوضع المادي فقط ويعيش الناس في بحبوحة بينما قادة الأحزاب الكردية كانت عوائلهم في أوربا تنعم بالحرية والرفاه المادي وتصدر الشعارات للشعب المسكين الذي قسمته الحرب لمعسكرين سوراني يقوده طالباني وبادناني يقوده برزاني لم اسمع حينها ان الايزيديين أكراد حتى اني التقيت بايزيدي من سنجار في السجن كانت تهمته دخول دهوك بطريقة غير رسمية والكرد الفيلية كانوا يعاملون معاملة العرب .
#الخلاصة :.
_نقلت لكم مشاهداتي لتقارنوا بين كردستان بالتسعينات وكردستان الان .. انا شخصيا أتمنى ان تقوم للأكراد دولة لأنهم يستحقون ذلك ولكن لا أتمنى ان تقوم هذه الدولة على النموذج الاسرائيلي باقتطاع اجزاء من العراق لمجرد ان غالبيتها كردية اقتراب البرزاني من نتيناهو هو لأستنساخ النموذج الاسرائيلي في العراق وهذا صعب جداً لأن العراق ليس فلسطين وعرب العراق ليسوا عرب اسرائيل..
_ صراع الأحزاب الكردية مع المركز لم يكن صراع مباديء بل صراع مصالح واموال ودليلي حين اكتسحت داعش سنجار وسهل نينوى هرب البيشمرگة لكن جماعة جلال التفوا على كركوك بحجة حمايتها لماذا لم يحموا الكرد الايزيدية ويوقفوا المجازر؟ كانت حركة سياسية بائسة ليس فيها ذرة إنسانية تَرَكُوا الأقليات في هذه المناطق يواجهون مصيرهم حتى يشعرونهم بضعف الدولة ليلتحقوا بكردستان من جهة ومن جهة اخرى يشعرون المركز بقدرتهم على حماية كركوك التي فشلت الدولة بحمايتها ليطلق برزاني بعدها مقولته الشهيرة الحدود ترسم بالدم
_ بماذا يختلف برزاني عن حليفه السابق صدام ؟ صدام اشعر الكرد انه يحتل مناطقهم بالقوة والبرزاني يشعر العرب الان انه يحتل مناطقهم بالقوة ايضاً مستغلاً الانفلات الأمني وداعش.. كركوك اذا استمر برزاني بابتلاعها بالقوة دون اجراء تفاهمات مع المركز وسكانها فستتحول لقدس جديدة، سيلجأ العرب السنة والتركمان والعرب الشيعة الى إحراقها على رأس الكرد حينئذ ستطبق مقولة الحدود ترسم بالدم وستسقط دولة كردستان قبل ان تولد .. لا تكرر اخطاء والدك بمهاباد يا كاك مسعود .. الحوار والتفاهم وحده الكفيل بضمان حقوقكم ومكتسباتكم الذي يحلم الإيرلنديون والابرجنيز بتحقيق ربعها في استراليا وبريطانيا .. تحكمون العراق وترسمون خريطته بالشكل الذي يعجبكم .دولة داعش عاشت ثلاث سنوات بالعراق لكنها تلاشت وسحقت اذا أردت ان تبني دولة على هذا النموذج فستتمنى ان تعود للجبل لأن آلاف ١٦ لا ترحم يا ابا مسرور وطيران التحالف سوف لن يحميكم اذا لم يهاجمكم أصلاً … اما اذا اردتها دولة منطقية فاقم الاستفتاء بالحزام الأخضر حينئذ ستكسب احترامنا جميعاً والجأ الى الدستور لإيجاد صيغ حل مشتركة مع الدولة واعلم ان العبادي هو الشخص الذي يمكن ان يستأمن الكرد مواثيقه لأنه رفض مهاجمتكم وقال انا مكلف بحماية مواطنينا الأكراد في وقت دق فيه الكل طبول الحرب واولهم جنابك يا كاك مسعود.
#انا مع تقسيم العراق وأول الكتاب الذين يدعون للتقسيم كحل ولكن ارفض ان يكون التقسيم باحتلال الاراضي وفرض سياسة الامر الواقع والقوة العسكرية .. حق تقرير المصير مقدس كلنا معه لكن حق تقفيص المصير كلنا ضده ونرفض ان يتم تقفيص اراضينا لإقامة مملكة ال البرزاني التي لا تعترف بالديمقراطية وتتاجر بمشاعر الشعب الكردي المسكين.

  • شاعر وصخقي عراقي مقيم في استراليا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى