مقالات

حكومة التطرف الاسلامي في السودان تفتح سفارتها باستراليا 2- 2

خالد العبيد – كاتب صحفي ومحلل سياسي
استراليا – كانبيرا
ekhalidw@hotmail.com

يحدثنا التاريخ الاسترالي بقصة القديسة مارويل باكوارث التي نذرت نفسها لتعليم ابناء جبال النوبة وجنوب السودان في خمسينات القرن الماضي وعندما عادت الى بلدتها في ولاية فكتوريا لم تنس الذين تعلموا على يديها فوضعت على باب بيتها لافتة صغيرة كتبت عليها باللغة العربية : اتفضلوا. وكأنما كانت تتنبأ بهجراتهم الجماعية الى استراليا .
ولان القدر يواصل سخريته .. ولا يغلق دفتر حساباته ابدا كما قال اوسكار وايلد فقد استقبل القس دانيال في مطار سيدني السيد ابراهيم البارودي اول سفير سوداني مقيم في استراليا. كانت بحق مسرحية تم اعدادها بعناية لالتقاط صورة تجمع القاهر والمقهور ، بقصد خديعة الرأي العام الاسترالي بوجود تسامح وحريات دينية في السودان . وهذا بالطبع كذب وافتراء وجميعنا نعلم بان حكومة التطرف في السودان والتي يمثلها البارودي ويرعى مصالحها هنا ، مارست وتمارس قمع الحريات الدينية حتى اللحظة.
قمع المسيحيين في السودان
الانباء دانييل المولود في مدينة عطبرة شمال السودان. لعله تناسى انه في الفترة من 1999 وحتى عام 2000 كان عضوا في اللجنة التنفيذية لمجلس الكنائس السودانية ومسئولا عن المسيحيين في جبال النوبة غرب السودان . وهي نفس المنطقة التي صالت وجالت فيها الناسكة مارويل بدراجتها الهوائية. هذه الفترة بالتحديد كانت الفترة الكالحة التي مارسها فيها النظام السوداني قمع المسيحيين السودانيين وهدم كنائسهم وحرمانهم من ممارسة شعائرهم الدينية بحرية .
فمنذ عام 2011م حظرت الحكومة الاسلامية منح تراخيص لبناء الكنائس وقال مطلوب العدالة الدولية عمر البشير قولته الشهيرة : ( ان كل اهل السودان مسلمين وما دايرين دغمسة اديان تاني ) . وبعد فترة قصيرة من هذا الحظر اصدرت الحكومة السودانية قرارين بازالة سبع وعشرين كنيسة في مناطق من بحري وشرق النيل وجبل اولياء وسوبا . وتابعنا جميعا محاكمات ظالمة للقس حسن كودي والناشط عبدالمنعم عبدالمولى وسجنهم لمدة 12 عاما . وفي عام 2012م هاجمت مجموعة دينية متشددة كنيسة بضاحية الجريف غرب، شرقي الخرطوم وأشعلت فيها النيران. فكان حري بالقديس دانيال قبل ان يهرول لاستقبال موفد النظام ان يسأل نفسه مرة واحدة فقط لا غير : اين يؤدي المسيحيين السودانيين الذين هدمت كنائسهم عبادتهم بعد ان تم حرمانهم من الصلاة حتى في ميدان عام .

العلاقات مع السودان في ظل العقوبات الدولية
كتب الاستاذ عادل راسخ قبل سنوات قليلة ان المعلومات الواردة عن السودان في موقع وزارة الشؤون الخارجية والتجارة الاسترالية ، تستعرض العقوبات المفروضة من الأمم المتحدة على السودان ، وهي ثلاث عقوبات رئيسية اخطرها ما يتعلق بحظر استخدام الأصول والأرصدة الخاصة بحكومة السودان، أو التعامل مع الأشخاص والكيانات المحظور التعامل معها المدرجة في قائمة مجلس الأمن.
وأضاف ان الأشخاص الذين يصنفهم مجلس الأمن ، باعتبارهم يخضعون للعقوبات المالية فيما يتعلق بوضع السودان هم من الذين يعرقلون عملية السلام ، ويشكلون تهديدا للاستقرار في دارفور والمنطقة ، ويرتكبون انتهاكات لقانون حقوق الإنسان وفظائع ضد الانسانية. كما ان الالتزام بالحظر يمتد إلى الموارد المالية التي تملكها الكيانات الخاضعة للحظر أو التي تتحكم في هذه الموارد بصورة مباشرة أو غير مباشرة. وان خرق التدابير الخاصة بهذه العقوبات يُعد جريمة جنائية بموجب القانون الاسترالي.
عليه يصبح التعامل مع الحكومة السودانية في أصول مالية وموارد اقتصادية خاضعة للعقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة أو إعطاء أموال أو أصول مالية أو موارد اقتصادية ، إلى أشخاص أو كيانات محظور التعامل معها من قبل مجلس الأمن يعتبر جريمة تعرض المواطن الاسترالي أو أي شخص في استراليا ، إلى عقوبات تشمل السجن وغرامة قد تصل الى ثلاث اضعاف قيمة الصفقة التي تم التعامل فيها مع الدولة او الجهة الخاضعة لعقوبات الامم المتحدة.
جباية الاموال من السودانيين المهاجرين
في شهر اغسطس الماضي كشفت صحف الخرطوم عن بعض تفاصيل الموجهات والأجندة المعلنة التي حملها معه السفير ليمارس مهامه الدبلوماسية هنا في استراليا ، فقد عدد البارودي خمسة نقاط رئيسية سيضعها في مقدمة برنامجه تمثلت في الاستفادة من خبرات الكيانات والكوادر السودانية الموجودة في استراليا ، وتقديم الخدمات للسودانيين ، واستخراج وثائق ثبوتية ، الى جانب افتتاح مركز ثقافي سوداني بالسفارة يتضمن اقامة معرض دائم للسودان .
الثابت ان سفارات السودان في مختلف الدول وخاصة دول الخليج تقوم بتمويل احتياجاتها المالية من ايجار وفواتير ومرتبات من جيوب المواطنين . وابتدعت وزارة الخارجية صنوفا ومسميات جديدة للرسوم والاتاوات دخلت في قاموس الدبلوماسية السودانية كبدعة جديدة تشبه سياسة الاسلاميين الجدد ، ولكم ان تتخيلوا ان هنالك ضريبة تحت مسمى شق الترع – وتضميد الجراح – وتكفين الشهداء – وكفالة الايتام – ومد شريان – وصيانة صالات قدوم !. كل هذا بجانب تجديد الجوازات والبطاقات وشهادات الميلاد وتأشيرات السفر وغيرها .
وفي ظل الحظر المالي على السودان ، والحصار المضروب على سياسة السودان المالية اضافة الى الإفلاس العام الذي تعاني منه الدولة اصلا بسبب انهيار الاقتصاد السوداني على نحو لم يسبق له مثيل ، ولا سبيل الى ان يستقيم الوضع الاقتصادي إلا بإزالة النظام واقتلاع الفساد من جذوره . لذا فان المؤكد ان السفارة عينها على جيب المهاجر السوداني في هذه البلاد . ولن يحتار ابالسة نظام الخرطوم في ابتداع مسميات اخرى جديدة لتحصيل اموال المهاجرين السودانيين في استراليا او في أي دولة غربية اخرى . من المحزن يقوم اللاجئين الذين تم تهجيرهم قسرا من ديارهم بدفع ايجار منزل سفير ومبنى سفارة لدولة تعرض فيها للتعذيب وكاد ان يفقد حياته.
اجندة المؤتمر الوطني في استراليا
عبثا يحاول سدنة نظام الخرطوم في استراليا فك العزلة الخانقة وتجميل وجه النظام من الجرائم التي ارتكبها منذ ان انقلب على النظام الديمقراطي وأطاح بحكومة انتخبها الشعب عن طريق انتخابات حرة. ويحاول النظام الهروب من المواجهة القانونية والمحاكم التي تنتظر بعض قادة الانقلاب بعد الجرائم الفظيعة التي ارتكبها من قتل وتشريد وحرق للقرى. ويعلم قادة النظام ان هذه التهم لا تسقط عقوباتها بالتقادم وإنهم سيمثلون امام العدالة الدولية.
ستسعى السفارة وسدنتها الى فرض جاليات وجمعيات ومنظمات بقيادات موالية للنظام تهدف الى قيادة العمل الجماهيري بين المهاجرين تعمل على تنفيذ برامج متفق عليها مع النظام مثل تدريس اللغة العربية لابناء المهاجرين والتكويش على الفرق الرياضية وتأسيس اذاعة يتم تكريس برامجها لخدمة خط النظام الاعلامي .
ستعمل السفارة بل ستكرس كل جهودها لاختراق الجاليات والتنظيمات السودانية القائمة الآن وخصوصا الروابط الاقليمية مثل تنظيمات وجمعيات دارفور وجبال النوبة والعمل على اختراق قيادتها والترويج لسياسة فرق تسد لزرع الفتنة والتشكيك بينهم لإضعاف وتشتيت قيادتهم .
كما ستعمل السفارة على المشاركة في المهرجانات الثقافية والاجتماعية والسياسية المختلفة على مستوى المدن الاسترالية تحت دواعي انها تمثل السودانيين الذين تم نفيهم من الوطن .
تصفية الحسابات
بما ان الجالية السودانية في استراليا تعتبر من الجاليات الكبيرة الموجودة خارج السودان ، فقد ذكر احد القياديين في حزب المؤتمر الوطني في استراليا بانهم ( أي تنظيم الحكومة ) لاحظوا نشاطا سياسيا كبيرا لاحزاب المعارضة في استراليا وانه – حسب ما ذكره – لابد من التحرك والتصدي لهذا النشاط السياسي بإعداد برنامج مناسب . وقال ان مدخل العمل للمؤتمر الوطني سيكون عبر استقطاب افراد من التيارات السياسية لصالح المؤتمر الوطني . وأضاف انه ومن خلال العمل الاجتماعي نستطيع توصيل صوت المؤتمر الوطني . واعترف بان المؤتمر الوطني في استراليا يجد معارضة كبيرة من السودانيين خاصة روابط وأبناء دارفور وجبال النوبة وأكد ان استراليا تحتضن معارضة قوية من ابناء هذه المناطق .
وقال ان السياسات والموجهات الجديدة لعمل المؤتمر الوطني في استراليا تم اقرارها في لقاء مشترك مع قيادة المؤتمر الوطني بالخرطوم وعلى مستوى عال . وان عليهم تنشيط الدور الاعلامي للمؤتمر الوطني في استراليا .
مما ورد اعلاه وبلسان سدنة النظام يتضح ان حزب النظام الذي رضع من ثدي التنظيم الاسلامي المتطرف لا زال يعمل لتصفية حساباته مع خصومه السياسيين خارج الوطن بمبدأ العنف والإرهاب.
ليس حريا بنا ان نذكر القائمين على امر سفارة النظام بان 90 في المائة من السودانيين في هذه البلاد غادروا الوطن الى ابعد نقطة في العالم بسبب الجرائم التي ارتكبها النظام في حقهم وحق اسرهم وذويهم . فكيف تستقيم الفكرة يا اولي الالباب بان تلاحقوهم لتستفيدوا من خبراتهم بعد ان تركوا لكم الجمل بما حمل ؟ .. وكيف تسمح لكم ضمائركم ان تمدوا اياديكم لتستقطعوا ولو دولارا واحدا من عرق مشردين من ديارهم يعملون ساعات طويلة وقاسية اعمالا هامشية بالرغم من انهم من حملة الشهادات والمؤهلات العليا .
قصص الاستراليين من اصول سودانية
كتبت المؤرخة والباحثة الاسترالية ويندي ليفي انه جدل غير مجدي، ولكنه من المناسب الآن اخذ هذه الخطوة إلى الأمام وننظر بعمق لقصص هؤلاء السودانيين الاستراليين، إن علاقتنا مع السودان قد ولدت في زمن الاستعمار والحرب والتمييز العرقي. جرت كلها خلال قرن أو يزيد ، فنجاحات الحكومات الاسترالية في دعم السودان ليصبح قارة ما تزال بعيدة لأسباب عديدة .
إن التمييز العرقي والتجاهل قد أشعل سنوات من الحرب الأهلية في السودان . وإن الجالية السودانية في استراليا بكل أشكالها مميزة وتحظى بالتقدير في المجتمع الاسترالي . كما إن عدد الاستراليين من أصل سوداني في ازدياد مضطرد . وفي هذا الزخم يجب ان نتطلع للجانب الايجابي الذي يجعل من الممكن تفعيل علاقاتنا على المستوى الاهلي الاجتماعي وعلى مستوى سياساتنا الوطنية.
إنه قدرنا ان تكون علاقات السودانيين المنفيين اسرة واحدة بعيدة عن برامج سفارة النظام المخفية والمعلنة . وهنا في استراليا ستكون رحلتنا معهم طويلة سنذكرهم يوميا بالليل وآناء النهار بمآسي وفظائع الفساد والنهب والقتل المنظم الذي يدل بصورة قاطعة انهم لا يخشون حتى الخالق .. والأمثلة على قفا من يشيل .. نظام ترونه باقيا ونراه زائلا طال الزمن ام قصر ..


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى