ثقافة وفنون

قصة قصيرة “ابو سلمان و”العواء ” السومري “….

قصة قصيرة كتبها / طعمة البسام:

كان عبادي والمنكوب ونسيم عودة وداخل وحضيري هم اصدقاؤه … في الواقع كما في اشرطة الكاسيت … قال له صديقه الذي فر فيما بعد الى السعودية … لو كانت اليابان تدري ان مطربين كهؤلاء سيسجلون اصواتهم على اشرطتها لما تكبدت صنع هذه الاشرطة … غير انه كان يقول له دوما : ان المنكوب وداخل هم احفاد اوتنبشتم … وكان لليابان الشرف العظيم في تخليد اصوات حفدة السومريين …
وكعادته في كل يوم خميس يرتدى “ابوسلمان “يشماغه وعقاله وعباءته ونعاله الزبيري ويذهب الى تسجيلات ” الماجدي ” في العشار …ليمضي سهرته الاسبوعية … يعلم ابو سلمان ان العرب من محيطهم الى خليجهم يسهرون تلك الليلة مع ام كلثوم من صوت القاهرة … ولكنه هنا يمضي سهرته مع ” العواء ” السومري الذي يفطر القلب ويصدع الروح .. يقول لنفسه دوما انه يحب الحزن اللذيذ النبيل الذي يتسرب من شقوق فؤاده حين يستمع الى نواح المنكوب الى حد انه سمى ابنه البكر سلمان تيمنا بسلمان المنكوب .. واطلق على ابنه الثاني اسم داخل …وكان ينوي ان يسمي باقي ابناءه باسماء عبادي وحضيري واوتنبشتم … غير ان اقداره لم تكن على مرامه … فقد انجبت امرأته ثلاث بنات … فاطلق عليهن اسماء” زهور ” و” وحيده ” و” مائده ” تيمنا باسماء مطربات مشهورات كان قد عاصرهن ….
وفي ازمان لاحقة ،انقرض الكاسيت ، كما انقرض “عواء”السومريين غير انه احتفظ بكاسيتاته … كان يستمع اليها كثيرا خصوصا في اوقات الظهيرة …. كان يقول ان مواجعه ” تهيض ” في اوقات الظهيرة .. ولايعرف لماذا ؟؟ يرى احيانا ان المواجع تتفجر في الليالي حين تستذكر الروح ايامها الخوالي … الا ان مواجع ابو سلمان ” تتوهج ” في الظهيرة فيستمع الى عبادي في ” الفصلية ” .. ولاحقا تولع ابو سلمان بــــ”سعد الحلي” وكان يقول ان سعد حفيد نبوخذ نصر ..ووريث شرعي لحضارة بابل ،بل وريث هاروت وماروت اللذين علما الناس السحر … وعلما سعد الغناء!!!.. حين مرض ابو سلمان رايته جالسا على فراش بسيط بباب بيته وكان بقربه مسجل كبير من تلك التي كانت متداولة في سبعينات القرن العشرين … وعدة كاسيتات من تلك التي كان تلفزيون الكويت يعرض لها اعلانات كنا نسميها “دعاية ” وهي كذلك …. اكل المرض من ابو سلمان الشحم واللحم فظل شبحا : عظاما مكسوة بجلد رقيق … ولكن حبه للانين ظل كما كان … شاهدته اخر مرة وكان يستمع بوجد الى مطربة كانت ذائعة في زمنه اسمها ” فرات ” كان صوتها يحفر في وجدانه جداولا .. ولم يعر بالا لاولئك الذين كانوا يناصحونه بترك الاستماع الى الغناء … كانوا يقولون له : ان المرء يبعث يوم القيامة مع من يحب !! وكان يقول كم رحمة الله واسعة اذا كان يبعثي حيا مع داخل وعبادي وحضيري وفرات واوتبنشتم …
بالامس مررت بسوق البصرة القديم .. السوق الذي تباع فيه الانتيكات : المحابس والخرز والسبح وساعات الجيب من الماركات السويسرية واليابانية …. كان ثمة رجل خمسيني يفترش الارض ووضع امامه مسجل من تلك التي كانت تجلب من الكويت في السبعينات ومعه عدة كاسيتات … كانت الكاسيتيات لعبادي وسعد وفرات والمنكوب … كان الرجل الخمسيني يشبه تماما ابو سلمان … كان نسخته الاخرى … تمعنت فيه كثيرا … نظر الي الرجل ، فسالته عن ثمن المسجل … قال : خمسين … لم اجادله او اعامله دفعت له الخمسين الف .. ثم اشتريت منه الكاسيتات قلت لنفسي : ساحتفظ بهذا للتاريخ … التاريخ المنسي لاناس منسيين !!!!!!!.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى