مقالات

قصة حبس مع منجد المدرس .. !

*أحمد الياسري – سدني :
– خلال فترة عشرين سنة غربة التقيت بعشرات الشخصيات الأدبية والسياسية والإبداعية في مختلف البلدان التي أقمت بها ابتداءا من ايران آلى تركيا الى شرق اسيا الى استراليا … ولكن قصة علاقتي بالمخترع الطبي البرفيسور العالمي ( منجد المدرس ) مختلفة جدا لأنني تعرفت على هذا الشاب البغدادي الطموح في ( سجن) …!
– بدأت القصة عام ١٩٩٩ حين وصلنا عبر أندنوسيا الى استراليا ودخلنا مركز احتجاز كيرتن في غرب استراليا ، نقلتنا من جزيرة كرسمس بالمحيط طائرة صغيرة عبر داروين الى كيرتن حين نظرت من الطائرة الى مكان الاحتجاز أصبت بالرعب ! لأن المكان كان وسط غابات بمدينة نائية جدا تحيط بها بحيرات التماسيح من كل الجهات .. أدخلنا الشرطة الى مكان خاص لمنحنا هويات المحتجز كما هو موضح بالشكل أدناه .. جلبوا لنا مترجم وكان شاباً ناعماًوصغيرا يتحدث الانگليزية بطلاقة سألته من اي مدينة انت قال انا بغدادي ، سألته متى سيخرجوننا من هذا السجن قال الوضع صعب جدا والمدة قد تصل سنوات .. قلت له عندي صديق خرج من الحجز بشهرين قال لي هذا محظوظ ولكنك ستبقى هنا لفترة طويله ، جاوبته بخشونة وهل انت وزير الهجرة ! حدثت مشادة بيننا فكرهته من اللحظة الاولى .
– منجد كان شابا مخيفاً يمتلك من الذكاء والطموح ما يجعلك تقلق منه ، عصبي وغير متدين عقليته وجودية كنّا وقتها معبأين بافكار الاسلام السياسي والمقاومة كانت نقاشاتي الدينية والسياسية مع منجد حادة جدا رغم اننا متفقون بعداء نظام صدام حيث اخبرني منجد ان البعثيين طلبوا منه قطع اذن احد الهاربين من العسكرية فرفض واعتقله النظام السابق. لكن لا ادري ربما خلافه الدائم مع الشيخ محمد الأنصاري الذي قدم معه على نفس السفينة اثر على علاقته بِنَاولكن بعد ان قمنا باضراب شباط وتصدى منجد إدارة التفاوض مع الاستراليين ورفض الشيخ الأنصاري المشاركة معنا بالإضراب اقترب منجد منا جدا وتوثقت علاقتي به اكثر حين قررت وزارة الهجرة نقلنا معاً للكمب المغلق أسسنا خمس فرق كروية وكان فريقنا اسمه فگتوريا وفريقه داكس يعني البطوط وصلنا للنهائي بعد ان هزمنا فريق الافغان والايرانيين فكتبت قصيدة كوميدية ضد فريق منجد ليلة المباراة النهائية :
( هذا فريق البطوط .. يالتريد تشجعه
ياكل من اليلعبون- كل دقيقة أربعة
لو لعب منجد .. لو لعب
بالگاع يهبد.. لو لعب
وبسرعة يشرد .. لو لعب
قائد فريق البطوط .. لبغداد كون نرجعة
ويأكل من اليلعبون كل دقيقة أربعة )
…………
انزعج منجد جداً من قصيدتي وكسرني في المباراة النهائية التي خسرناها بهدفه بالوقت القاتل … خرج منجد قبلي من الكامب لكنه حرص على الاتصال بِنَا اتصل بي اكثر من مرة ليطمأن عليّ وكان ودوداً رحيما رغم مزاجيته العالية لكنه أوصل صوت محتجزي كيرتن الى الاعلام الاسترالي بعد ذلك خرجنا وانقطعت اخباره .. علمت فيما بعد ان تزوج من استرالية وأنجب بنت جميلة جدا .. التقيت ذات يوم بصديقنا المخرج فؤاد الركابي وكان مقيما في ملبورن اخبرني ان منجد سال عني وهو سعيد بنجاح عمودي ومن قرائه ووعدني بإرسال تلفوني له لكنه لم يفعل الى ان فوجئت بعد فترة حين رأيت لمنجد تقريرا بقناة استرالية تتحدث عن إنجاز عالمي لطبيب استرالي وكان هو هذا الطبيب التي افتخرت به استراليا حيث أخذ هذا المخترع العراقي فكرة زرع الإعضاء الميكانيكية في الجسم وساهم بإعادة الحياة لضباط بريطانيين قطعت ارجلهم وانه بروفيسور عالمي ويعتبر مرجعية طبية بجراحة العظام … التقينا انا ومنجد في مثل هذه الأيام قبل عام لم يتغير شكله كثيرا لازال وجهه طفولياً كما تركته ذكرته بقصيدتي التي كتبتها عليه فضحكنا كثيرا دعتني زوجته الاسترالية لتناول الغداء معهم ولكن لم أوفق لزيارتهم .. اتصلت بمنجد لمساعدة شاب عراقي بترت رجلاه فساعده كثيرا حين علم انه من طرفي ….
– الصور أدناه هي صور للاجئين عراقيين هربوا من جحيم صدام وادخل بعضهم اسم العراق في موسوعات الاكتشافات العلمية .. منجد اللاجىء العراقي الهارب من جحيم بلده العراق تحدى وزير الهجرة الاسترالي الذي قال ان مكانه الطبيعي السجن وأثبت ان اللاجىء العراقي ستفتخر به استراليا ذات يوم،، وهاهي استراليا تفتخر بالبروفيسور العالمي ابن مدينة بغداد منجد المدرس.

* شاعر وصحفي عراقي يقيم في استراليا

مدير تحريرجريدة ” العراقية ” التي تصدر في سدني


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى