بقلم: علي المسعودي

يواصل الدكتور عبد الحسين شعبان في كتابه الجديد «هسهسات الضوء في أنطولوجيا الثقافة العراقية» رحلته الفكرية الممتدة في فضاء الإبداع العربي، مؤكدًا أن الثقافة العراقية ليست حدثًا عابرًا في تاريخ المنطقة، بل نهرًا متجدّدًا تتغذّى منه الذاكرة العربية بروحها النقدية والجمالية والإنسانية.
الكتاب الصادر عن دار النهار اللبنانية يأتي بوصفه بانوراما فكرية وأدبية ترصد تحولات المشهد الثقافي العراقي، وتعيد قراءة رموزه بعمق الباحث ووجدان المبدع، لتصبح صفحاته مرآةً للوجع والجمال والوفاء معًا.

بين الضوء والذاكرة

في «هسهسات الضوء» يستدعي شعبان أسماءً شكلت وجدان العراق الثقافي من أمثال بدر شاكر السيّاب، وسعدي يوسف، وشاكر السماوي، وحميد سعيد، وغيرهم من أعلام الشعر والفكر، ليقدّم من خلالهم سيرةً جماعيةً للوعي العراقي في وجه العتمة والمنفى.
لكنّ المؤلف لا يكتفي بتأريخ الأسماء، بل يغوص في عمق التجربة، في علاقة المبدع ببيئته، والإنسان بذاكرته، والوطن بحلمه، لتتحول «الهسهسات» إلى إشارات ضوءٍ خافتةٍ لكنها كفيلةٌ بأن تكشف الطريق وسط الركام.

أنطولوجيا الفكر والجمال

الكتاب يتجاوز حدود الرصد إلى رحابة الأنطولوجيا الثقافية، فهو لا يسرد الوقائع فحسب، بل يحاور الزمن عبر نصوصٍ تنبض بالحياة.
وما يميز أسلوب عبد الحسين شعبان هو هذه اللغة المتأنية التي تجمع بين فلسفة الفكر وأناقة السرد، فيعيد من خلالها الاعتبار للمثقف بوصفه ضميرًا إنسانيًا قبل أن يكون شاهدًا على عصره.

شعبان.. ذاكرة عراقية ناطقة

من خلال هذا الإصدار، يبرهن الدكتور شعبان أنه ليس مجرد مفكرٍ أو كاتب، بل هو ذاكرة عراقية ناطقة، تستعيد الضوء من بين ركام السنوات، وتُعيد رسم خريطة الثقافة بألوان الوفاء.
فـ«هسهسات الضوء» ليست مجرّد صفحات في النقد الأدبي، بل هي سيرة وطنٍ يُنادي أبناءه عبر حروفٍ تلمع كأجنحة الفجر