سدني من بشار الوكيل

بمناسبة أسبوع اللاجئين في أستراليا، نظّمت جمعية برطلة في سيدني مهرجانها التراثي السنوي في نسخته الثانية يوم الأحد الموافق 22 حزيران/يونيو 2025، وذلك في مدينة فيرفيلد بولاية نيو ساوث ويلز، وسط حضور رسمي وشعبي كبير عكس عمق ارتباط الجالية بجذورها وتاريخها العريق .
المهرجان لم يكن مجرد فعالية اجتماعية، بل كان تكريمًا حيًا لذاكرة بلدة برطلة الآرامية السريانية الواقعة شرق مدينة الموصل في شمال العراق. أعاد المهرجان ربط الحاضر بالماضي، مستحضرًا الهوية العريقة للبلدة، ومجسدًا أوجه حياتها الثقافية والاجتماعية الغنية، ضمن أجواء احتفالية نابضة بالفن، والحرف، والموسيقى، والروح الجماعية.

عرض تفاصيل الحياة اليومية في برطلة
أبرز ما ميّز المهرجان هذا العام كان سلسلة المشاهد الحيّة التي أعادت تمثيل تفاصيل الحياة اليومية في برطلة. عبر محطات فنية بديكورات أنيقة ولمسات ساحرة، تنقّل الحضور بين لوحات نابضة بالحياة: من مشهد الزراعة ورعاية الأرض، إلى نساء يعجنّ ويخبزن “خبز الرقاق” في التنور، إلى حرفيين يحيكون ويفصّلون، وانتهاءً بنموذج البيت البرطلي المليء بالدفء والإيمان. كما جذب الانتباه نموذج المقهى الشعبي (الجايخانة)، حيث اجتمع رجال البلدة لاحتساء الشاي ولعب الألعاب الشعبية، في مشهد أعاد الحياة إلى الذاكرة .
اعمال يدوية
وتم خلال الحفل عرض معروضات أعمالًا يدوية وحرفًا تقليدية ومعاصرة، عرض أبناء وبنات برطلة نتاج أناملهم المبدعة، في مزج فني بين الماضي والحاضر. ثم جاءت فقرة الطعام التراثي لتكتمل الصورة، حيث قدّمت أمهات البلدة أكثر من أربعين صنفًا من الأكلات البرطلية الأصيلة مجانًا، بنكهاتها المميزة، في تعبير صادق عن كرم الضيافة وجمال الموروث الشعبي.
حضور قوي للموسيقى
وكانت الموسيقى كانت حاضرة بقوة، وعلى أنغام الطبل والزرنة قدّمت فرقة الفنون الشعبية والفلكلورية – وهي إحدى ثمار الجمعية الجديدة – أجمل الدبكات والرقصات بزيّها الشعبي، مستوحاة من أغاني برطلة التراثية التي جمعت بين عذوبة الكلمات وروعة الأداء. ولعلّ اللافت أيضًا كان ارتداء الزي البرطلي التقليدي من قبل الحضور، رجالًا ونساءً وأطفالًا، بما فيه من نقوش إيمانية وتراثية خيط بعضها في العراق، وخُيط البعض الآخر هنا في أستراليا.

مسك الختام
في ختام المهرجان، دُعي الضيوف إلى جولة في رحاب التراث، شملت معارض الصور القديمة، المقتنيات التراثية، والأعمال اليدوية، مع الاستمتاع بتذوق الأكلات البرطلية التي نالت استحسان الجميع. عبّر الحاضرون عن إعجابهم بالتنظيم، وبغنى المحتوى الثقافي، سواء من خلال كلماتهم المباشرة أو عبر التعليقات الإيجابية في وسائل التواصل الاجتماعي، مؤكدين أهمية استمرار مثل هذه الفعاليات التي تُعزّز الهوية الثقافية وتربط الأجيال بجذورها.
لقد نجحت جمعية برطلة في تقديم مهرجان لا يُحتفى فيه بالماضي فحسب، بل يُحتفى فيه بالحياة ذاتها، بالانتماء، وبالتراث الذي يشكل جزءًا حيًا من حضارة وادي الرافدين، أحد أقدم مراكز الإشعاع الإنساني عبر التاريخ.