مقالات

جاري المورسيوشي ومؤيد البدري / بقلم وديع شامخ

بقلم / وديع شامخ – سدني :
أستراليا قارة عظيمة ، بلد متعدد الثقافات والحريات ، بلد التعايش السلمي وإحترام حرية الناس ، بلد سيادة الدستور  والعقد الإجتماعي الراسخ  في القوانين والسلوك أيضا ، ولكنه  ليس مجتمعا يوتوبيا أيضا ، فلكلِ مجتمع   أسباب  لقوته وضعفه ، وهنات بشرية  وقانونية تتعلق بطبيعة النظام السياسي والإقتصادي للبلدان .
ومن نعمة استراليا  قدرتك على الحصول على سكن مناسب وعيش كريم  إن أنت أحسنت  إدارة حياتك .
وفي انتقالي لبيتنا الجديد  لم  أكن مشغولاً  بحكمتنا  الشرقية ” الجار قبل الدار ”  لأنها لم تعد تعمل في مناخ أستراليا الإجتماعي  لتباعد الناس ثقافيا وتقيدهم بقوانين العيش المشترك بسلام وأمان  من غير تدخل  في الخصوصيات .
ولكن  تفاجأت بهذا الرجل ، انه جاري ” مورن”  المورسيوشي  الأصل ، في العقد الثامن  من عمره المديد ،يمتاز بإبتسامة  عذبة من ثغره المائل  للسواد ، مع فضول طفولي شفيف ، نشط  كرياضي قديم ، مفتول العضلات ، مزارع  يحب الأزهار ويتفنن في زراعة الأنواع  النادرة المختلفة منها  ، تبهره الخضرة ، يحب الطبيعة   ويعتني بها  كأم حنون.. دائما ألتقية صباحاً أو مساءً وهو جاد  في العمل على مخلوقاته الملونة ـ أشجاراً ونباتات  في الأرض الخضراء، أو في أصص جميلة  لتكمل المشهد العام لحديقة الدار الأمامية ، وله مع حديقته الخلفية شأن آخر مع الخضروات والفواكه .
عندما قدم  لي   نفسه أول يوم من  وصولنا الى دارنا الجديدة ،  قلت أهلا انا وديع  من العراق ، قال انا  ” مورن ” من جزيرة مورشيوس .. وجارتنا  التركية التي أشار  لها بالحضور للتعارف  في باب بيتنا ، أي أنه جمع جناحي  بيتنا الجارين الأيمن والأيسر ، فكانت سيدة جميلة بشوشة قدمت نفسها  بانها تركية الأصل ،  ، حينها قال المورسيشوي بانه كان يعتقد إنها لبنانية ، فقلت لهما تداركا للأمر  تركيا جارتنا  ولبنان  بلد شقيق . وكأنني أشعت جواً من المرح  يتساوق مع المناسبة  .
وكنت  أغالب  ضحكتي حين قدم جاري نفسه بأنه من مورسيوش  ، لأني تذكرت حادثة رياضية  شهيرة ، كان  شيخ المعلقين مؤيد البدري يشكو من حكم ظلمنا  ” هي مورشيوس  دولة  حتى ايجبون لنا حكم منها !!!”
“جمهورية موريشيوس هي جزر صغيرة بوسط المحيط الهندي، هذه الأيام، تُعرف موريشيوس على أنها جمهورية ديموقراطية مبنية على نموذج ويستمينستير والذي يضمن الفصل بين كل من القوى التشريعية والتنفيذية والقضائية. تتمتع الجزيرة الآن باستقرار سياسي حيث يتم انتخاب 62 عضواً للجمعية الوطنية كل 5 أعوام. وفي حين وجود رئيس للدولة، فرئيس الوزراء هو من يحمل القوى التنفيذية بالإضافة إلى قيادة الحكومة”.
وبعد بحثي عن هذه  البلاد أتصلت  بالعزيز فاضل السراي الشاعر والخبير الكروي ليخبرني  ” بأن  قصة زعل الشيخ البدري من الحكم كانت  في  مباراة    العراق وقطر والذي ظلمنا  فيه هذا الحكم   بضربة جزاء ،..
والمباراة مع   قطر في  تصفيات لوس انجلوس الأولمبية ، خسرناها ولا اتذكر النتيجة بالضبط”.
ولم يكن التعارف   وحده هو  طريقة العلاقة   فكان هذا الجار  يزرع  في حديقته  نبات السلق ”  فكان يزدودنا  بورقه  لعمل  ” الدولمة ”   تلك التي استساغ طعمها  جداً ، فصرنا نرى كيساً مملؤاً باوراق السلق عند بابنا كلّ فترة ..
 وهو  ُيشذب  شجرة الورد الحمراء  التي   تنمو سريعا  وتصل أغصانها الى بيته  لأنها مزروعة على  السياج الفاصل بيننا .
وبينما إقتصرت علاقتنا بجارتي التركية بالسلام العابر،  لا يكفّ هذا الرجل عن مساعدتي حتى في تبديل عجلة السيارة المعطوبة !
شكرا لأستراليا على هذا الجار المورسيوشي   الذي عوضني عن ظلم الحكم الذي وقع على منتخبنا  آنذاك  ، وربما سيكون  شيخ المعلقين مؤيد البدري سعيد جدا  بهذا الرجل الإيجابي  بإنسانيته ، وحقا   صدق أجدادنا   بحكمتهم   ” الجار قبل الدار
…………………..
من عموده الأسبوعي   في جريدة التلغراف  الصادرة  في سيدني 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى