Sliderمقالات

جودة التعليم العالي في العراق مرة اخرى !

د. رحيم مزيد

تلقيت ردوداً من اساتذة جامعيين ومهتمين على ما كتبته عن التعليم العالي في العراق في جريدة (وطن برس)، ومن ضمنها أوراق عمل خلص لها منتدى العراق الأول للكفاءات الشابة، الذي أقيم مؤخراً في اربيل ونظمته احدى مؤسسات المجتمع المدني اسمها (منظمة الكرم للتنمية البشرية) .كان واحداً من محاور هذا المنتدى قد ناقش أسباب استبعاد العراق من المؤشر العالمي لجودة التعليم في منتدى دافوس . بدءاً أشد على أيدي المنظمين في منتدى العراق للكفاءات الشبابة لتبنيهم هذا الموضوع الحيوي والخطير في الوقت الذي تواصل فيها المؤسسات الحكومية المعنية سباتها الطويل، وتتنصل عن مسؤليتها في تراجع سمعة التعليم في العراق، اول وأهم الحواضن المتقدمة للتربية والتعليم في المنطقة .
ومما لفت انتباهي في مناقشات هذا المنتدى انه نبه الى خطورة الإجراءات الترقيعية لمعالجة (الكارثة الحقيقية) التي يواجهها قطاع التعليم في العراق، وغياب الدور الريادي والفاعل للجامعات العراقية صاحبة الباع الطويل في تخريج الاف العلماء والباحثين.
ان مسئولية الجامعات العراقية تحتم عليها اتخاذ إجراءات سريعة وفاعلة لوقف حالة الانهيار هذه عبر سلسلة تدابير عاجلة تستهدف اولاً العنصر الفاعل في عموم العملية التدريسية واقصد اساتذة الجامعات . وليس سراً ان النسبة الأكبر من اساتذة الجامعات العراقية اليوم، تفتقر الى ابسط المقومات الأكاديمية، حيث تسبب الفراغ المخيف الذي خلفه إقصاء واستهداف وهجرة وتهجير مئات الأسماء الأكاديمية المرموقة في تصدر بعض المغمورين اكاديمياً او المنتمين للأحزاب المتنفذة، صدارة المشهد الأكاديمي في العراق. لقد اصبح طبيعياً في الأوساط الجامعية التحدث عن ضعف الثقافة العامة للاستاذ الجامعي العراقي وعدم تمكنه من اللغات الحية التي تساعده في ملاحقة اخر المستجدات في اختصاصه (ناهيك عن عدم تمكنه من لغته الام أصلاً) فضلاً عن سهولة حصول البعض منهم على الترقيات العلمية التي جعلتهم كمن يكذب الكذبة ثم يصدقها!  ان التخمة التي تشهدها الجامعات العراقية في حملة الألقاب العلمية العالية كالأستاذ والأستاذ المساعد لا تتناسب على الإطلاق مع الحصيلة التراكمية لما تنتجه هذه الجامعات من بحوث علمية رائدة ومهمة ذات عامل تأثير Impact Factor ، او براءات اختراع مسجلة، او تطوير المناهج الدراسية وطرق التدريس، وهو ما يعني ان لدينا مشكلة حقيقية في البيئة الأكاديمية عموماً وفي إجراءات الترقية العلمية وقبلها سياسة القبول في الدراسات العليا، بالاضافة الى اليات النشر العلمي ونوعيته ومستوى المجلات العلمية المُحكمة.
ان ضعف جودة البحث العلمي في الجامعات العراقية لا يتحمله الاستاذ الجامعي فحسب، بل هو من ضمن أولى مسئوليات الجامعات الرصينة التي يفترض بها ان تجتهد في إيجاد البيئة المحفزة للابتكار العلمي، وفي وضع مختلف المزايا التشجيعية لمنتسبيها للقيام بالابحاث العلمية الرائدة، سواء من جهة توفير مستلزمات البحث العلمي وأدواته وتهيأة المختبرات والاجهزة الحديثة واتاحة الوصول الى المكتبات ومراكز البحوث العالمية او تبني حركة ايفاد مدروسة للباحثين العراقيين الى الجامعات الكبرى للاطلاع والاحتكاك بحركة البحث العلمي العالمية وأنشطته وبرامجه وتقنياته، وعدم الركون والاستسلام الى منهجية البحث التقليدية التي لم تعد تستجيب للتطور العلمي والتكنولوجي المتسارع الذي يشهده العالم.
تخيلوا معي الحالة المزرية لجامعاتنا التي لا يزال من يحمل مرتبة الاستاذية فيها يُدّرس طلبته المناهج والمقررات نفسها، وربما حتى (المَلازم) التي سبق وان درَسها هو نفسه في دراسته الأولية ! لا شك اننا امام تحدٍ كبير، فلا نهضة تُرتجى مع استمرار مسلسل التجهيل المنظم في جامعاتنا، الأمر الذي نحتاج معه الى إرادة نهوض جادة في هذا القطاع الحيوي، يتحمل مسئوليتها الجميع مؤسسات حكومية وقطاع خاص ومنظمات مجتمع مدني أيضاً، فالحراك الذي اثاره منتدى العراق الاول للكفاءات الشابة او غيرها من مثل هذه الأنشطة (وعلى أهميته) لن يكون كافياً، مالم ترافقه إجراءات عملية تجعل المعنيين امام مسئولياتهم في التصدي بشجاعة وعلمية لواحدة من اخطر تحديات الوجود التي يواجهها المجتمع العراقي .
وليكن ما بادرت به نخبة طيبة من الشبان الطامحين في هذا المنتدى، منطلقاً جاداً نحو خطوات راسخة تعيد للتعليم في العراق رصانته وجودته واحترامه الذي كسبه على مدى عقود من العمل الأكاديمي والبحثي الرائد.
فعلها شبان منتدى العراق للكفاءات الشابة، فهل من مزيد ؟!

  • كاتب واكاديمي عراقي 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى