تحقيقات

أهالي ابي الخصيب: الدجاج المشوي بالتنور أهم وجبة غذائية بعد حلاوة نهر خوز

* كتابة وتصوير/ حيدر الجزائري

البصرة ( ابي الخصيب )

بين قرى مبنية من اللبن والطين، وعلى امتداد الأفق تتراءى أشجار النخيل الشامخة المحملة بعذوق الرطب الطازج، نقطع الطريق المتعرجة الى قضاء ابي الخصيب، بصحبة عشرات الأنهر، وهي تدخل البساتين لتلبسها خضرة وجمالا خلابا، الى جانب تغريد البلابل وهدير الحمام من على السعفات وأسطح المنازل. لوحة باذخة بالحسن، لكنها لم تكشف إلا عن جزء قليل من اسرار دلع وسحر هذا القضاء، الذي ينام على ضفاف شط العرب، وهو يعانق حكايات الناس في “ابو مغيرة” و”السراجي” و”مهيجران” و”محيلة” و”الصنكر” و”نهر خوز” و”جيكور”.

استقبلنا الحاج ابو بشائر استقبالا سخيا كحال اهالي ابي الخصيب، واجلسنا بعد ان ادخلنا بستانه الجميل على بساط منسوج من الصوف، وهو يحدثنا عن تاريخ العائلة وحكايات الماضي الجميل، وعند دنو وقت الغروب وموعد الافطار، قام ابو بشائر بمد سفرة الافطار التي كشفت عن كرم اصيل، فالتمور المتنوعة من “الحلاوي” و”الساير” و”البرحي”، تجاور حلاوة النهر خوز مع اللبن وخبز التنور والرقي والبطيخ واصناف مختلفة من الفواكه، طبعا لم ينس ابو بشائر ان يمنح صدارة السفرة لطبق مهم من اطباق اهالي هذا القضاء، وهو طبق الدجاج المشوي على طريقتهم الخاصة، والتي جعلت منه طبقا يتميز بمذاقه الشهي الذي لن تجد له مثيلا في اماكن اخرى. يقول ابو بشائر، وهو يبتسم لنا “كلوا فهذا ما ندخره ونقدمه لضيوفنا، وما نتميز به في ابي الخصيب، فلنا طريقتنا الخاصة في تحضيره وشويه”. وبعد ان شربنا الشاي المعد على الفحم، نادى على بنته الكبرى “بشائر” لتحكي لنا قصة هذا الطبق، وتكشف عن اسرارهم في طريقة اعداده.
حيث قالت في حديثها مع “العالم” إن “اهالي ابي الخصيب يتميزون بهذه الأكلة، وهي تقدم في المناسبات حصرا في شهر رمضان أو في ولائم العرسان، وكذلك للضيوف من الوجهاء والشيوخ. ويعد تقديم هذا الطبق علامة على الكرم وحسن الضيافة التي عرف بها سكنة ابي الخصيب منذ القدم”. وتابعت بشائر، ان “طريقة ابي الخصيب في اعداد طبق الدجاج المشوي هي الافضل، بل لا يشاركهم احد في تحضيره”، مضيفة “اذ ان طريقة الشوي مهما قام بها الاخرون فلن يتمكنوا من بلوغ الطريقة الحقيقية، واسرارها الخاصة التي يمتاز بها اهالي ابي الخصيب”.
وزادت ان “اكلة الدجاج المشوي ذات تحضيرات متعبة، تتطلب صبرا مع حب للضيف الذي يستحقها”، إذ يعتبر هذا الطبق “أكلة رئيسية في شهر رمضان”. وعن طريقة اعدادهم لأكلة الدجاج المشوي، اوضحت بشائر “يفضل ان لا يزيد عمر الدجاج عن اكثر من سنة، سواء كان محليا ام مستوردا، لانه سيستغرق وقتا كثيرا في الشوي، لذا يحبذ دجاج اصغر من هذا العمر لسهولة طبخة”، منبهة الى أن “الشوي يحتاج الى ساعة ونصف في الصيف في التنور، وساعتين في الشتاء”.
وتابعت “نعمد قبل ليلة على تنظيف الدجاج، ونضع عليه الليمون الحامض لطرد رائحة الدجاج غير المرغوب فيها وإعطائه نكهة خاصة”.
وفيما اذا كان هناك خلطة خاصة من التوابل للطبق، اكدت بشائر “في الصباح يتم العمل على اعداد خلطة التوابل الخاصة به، وهي عبارة عن بهارات متنوعة “مشكل” اضافة الى معجون الطماطم، ثم تتبل الدجاجة كاملة بها قبل ساعة من شويها، بعد ذلك ناخذ جريدا اخضر من النخل، ويطلق عليه اهالي البصرة اسم “كصمول” يتم اقتطاعه من النخلة مباشرة، على ان يتناسب طوله وحجم التنور، وبحسب عدد الدجاج المراد شويه، ويتم قص الجريد بالمنجل بحجم معين من النصف، وندخل الدجاجة فيه بعد ربط الجهة بخوص اخضر ايضا. وقبل ذلك نقوم بتحضير تنور الطين وجلب كمية مناسبة من حطب جذوع النخيل او سعفها، وفي النهاية يتم ايقاد التنور”. اما عن نوع الرز المستخدم مع الطبق فتقول بشائر “نقوم بتحديد نوعية معينة ولابأس بأي نوع، ويوضع في قدر بحسب الكمية المطلوبة، ويضاف اليه ماء بدون اي نكهات ماعدا الملح لوجود البهارات والتتبيلة ونكهة التنور”، مشيرا الى “ضرورة ان يكون قدر الرزق بمواصفات محددة “يصنع للقدر مقبض من الحديد وفق قياس محدد بحسب التنور، لتكون عملية ادخاله واستخراجه من والى التنورة سهلة”. واردفت بالقول “يشترط قبل انزال القدر الى التنور ان تكون ناره هادئة، وبعد ادخاله يتم وضع الدجاج المربوط بجريد النخل، ومن ثم تتم تغطية فوهة التنور بصفيحة من الحديد لتمنع الغبار من دخول الى التنور والطين، وكذلك لحفظ الحرارة”. وتواصل بشائر موضحة “ثم نستخرج طين من الشط او النهر ليتم تغطية التنور بوضع الطين والسعف المبتل على غطاء، لكي لا يتسرب ويدخل اليه هواء خارجي ولأجل ان لا تخفت حرارة التنور والجمر وتستهلك بسرعة، كما ان الدجاج الموضوع في التنور لن ينضج بالشكل المطلوب”.
واشارت بنت ابو بشائر الى “ان الرز المطبوخ مع الدجاج لا يتم الاكتفاء به لانه سيصبح لينا وبمذاق مالح فلابد من طبخ رز اخر ليقدم على المائدة عبر طبق كبير”.
وخلصت “بعد بلوغ الفترة المحددة من ساعة ونصف الى ساعتين بحسب فصلي الشتاء والصيف، نقوم بإزالة الطين وتنظيف فوهة التنور ببطء وصبر، ونستخرج الدجاج اولا ثم نقلب الرز على اوانٍ خاصة ليقدم الى الضيف، كي يتناول الجالسون على المائدة مايعجبهم من الكمية.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى