مقالات

رحلتي مع العرفان الشيعي

أحمد الياسري – سدني
– الكتابة بالمجتمعات العربية هي فعل حربي وليس فكري تحتاج دائما لأسلحة دفاعية وصواريخ كلامية تدافع بها عن نفسك اذا طرحت اي فكرة او ناقشت اي موضوع لأن العقل الجمعي العربي عقل ارتدادي يخاف من الاخر ويعتبر الفكرة عدوة الا اذا ثبت انها تتلائم مع توجهه حينئذ تتحول الى فكرة صديقة ويبدأ بمحاربة من لا يؤمنون بها لذلك فرضية الحرب جاهزة في الباطن الشعوري العربي دائما وهذا ما يفسر انقراض العقل العربي المبدع لأنه عقل متأمل لا يستطيع ان ينتج في بيئة حربية .
– سألتني البارحة احدى الصديقات المنضمة حديثاً لصفحتي عن عقائدي الدينية التي اوؤمن بها ومذهبي السياسي لأنها تابعت كتاباتي ولم تعرف هويتي فأنا ليس لدي ثوابت واوجه النقد لكل الأفكار وكل الشخصيات حسب رأيها وانا هنا وان كان الموضوع شخصياً ولكن لابأس ان نطرحه للأصدقاء ليس لأهمية ثقافتي وأفكاري ولكن حتى يفهم المحاربون كيف يحاربونني ..!
                                                                                  ( البداية )
– مدينة النجف شكلت عقيدتي الاصولية والأدبية في بداية الشباب وكنت شاعراً مثابرا على القراءة والبحث انتقلت الى ايران منتصف التسعينات معارضاً للنظام السابق فدخلت بدوامة الاغتراب وصعوبة الحياة بايران وسطوة رجال الدين والسياسة وتحكمهم بالفكر والحياة كنت ارى ايران أفغانستان ثانية ليس فيها جمال ولا حكمة ولا دين وبدأت اكتب القصائد السياسية التي تحارب نظام ولاية الفقيه ولعل قصيدتي ( برگ تردد ) التي حفظها الشباب آنذاك كانت هويتي التي عرفت بها بالمحافل العراقية وهي اقسى قصيدة ضد ايران …
– فكرت بالعودة للعراق وتسليم نفسي للنظام وان اعدم ببلدي افضل من الحياة ببلد ليس فيه حرية اعيش به بلا هوية بلا كارت اخضر اعتقل به كل يوم لأَنِّي عراقي وأسفر على الحدود لم أعش قساوة بحياتي كتلك التي عشتها بمدينة قم … وقبل ان اذهب الى الحدود العراقية بيوم حدثت المفاجأة …!!!!
                                                                                                        ( المفاجأة )  
– كنت أتمشى بشارع چهار مردان والثلج يتساقط والبرد يمضغ جسدي ادخلت يدي بجيبي بحثاً عن سيگارة احرق بها الجمود الذي يغلفني ، فلم اجد . كان الوقت متأخراً والمحلات مغلقة تمشيت الى نهاية الشارع قرب مقبرة الشهداء فوجدت رجلاً كبيراً لم تغب عني ملامحه للأن جالساً في محله ويقرأ القران .. سلمت عليه وسألته عن سگائر ، فقال لي بأسلوب كوميدي ( إز اين نعمت محروم شدم) ( انني محرومٌ من هذه النعمة ) فضحكت وشكرته وقبل ان ارحل سألني لماذا تدخن ؟؟ فقلت له لأن السگائر تساعدني على تحمل الغربة فأنا غريب ..
أجابني بصوت دافيء ( انا غريب مثلك ..! ) ، قلت له انت إيراني وتعيش ببلدك كيف تقول انا غريب ؟ قال جملته التي استفزتني ( ما همه غريبان در اين دنيا ) ( نحن جميعاً غرباء في هذه الدنيا .. هزتني هذه الجملة وحركت فضولي الشعري وأحسست ان هذا العجوز يمتلك حكمة مع ان مظهره كان يوحي بالفقر والجهل .. جلست في محل الرجل العجوز وقصصت عليه قصتي اقولها للامانة غير هذا الرجل الفقير مجرى فكري وحياتي فقد كان احد ابرز العرفاء في مدينة قم والعرفان في التشيع هو التصوف عند السنة ولكن عرفاء الشيعة اسقطوا عليه معارفهم الفلسفية فسمي ( العرفان ) ، حاج رضا جعلني اشعر بالتحليق الدائم والعلاقة القلبية مع الله عرفني على بعض علماء العرفان في قم كالشيخ الاملي وصرنا نمشي انا وهو نصلي خلف المرجع الشيخ بهجت احد ابرز قلاع العرفان الشيعي فبدأت رحلتي الفكرية مع الفلسفة العرفائية فقرات لأبن العربي وملة صدرا وبدأت اؤمن بطقوس هذا المذهب الفكرية وتحولت مدينة قم الى اجمل مدينة رغم قساوة الظروف وبدأت اكتب قصائدي العرفانية في الامام علي والامام الحسين حتى تحولت خلال فترة قليلة الى ابرز شعراء العرفان والشعر الطقوسي في هذه المدينة .
                                                                                               ( العرفان مذهب اممي ..)
– العرفان مرجعيته فلسفية روحية وليس عقائدية نصوصية ثوابته الإيمان المطلق بالله والإنسان لذلك يوجد عرفاء شيعة ومعتزلة وأشاعرة ولاهوتيون غربيون تتباين طروحاتهم الفلسفية كل حسب مذهبه ودينه ولكنهم يتوحدون في الثوابت المعرفية الروحية .. فالعرفاء الشيعة مثلا يركزون على ان العشق لله وان يكون في قلب الانسان قبسة الحب الفطري الذي فطره الله عليها حيث يقول القران (( فطرة الله الذي فطر الناس عليها ذلك الدين القيم ) العمق الحسي الانساني عند الشيعة ، هو من اهم مظاهر العرفان نحن نعتبر الامام علي سيد العارفين ، فهو احد أبرز رموز ومصاديق المعرفة الإلهية في التاريخ الانساني ، بينما ينظر الشيعة النمطيون للامام علي الضارب برمحين الطاعن بسيفين الذي قتل مصلياً اذن هو استشهد من اجل فرض الصلاة فيقدسون الصلاة كمظهر تعبدي مجرد خال من الطاقة الروحية التأملية التي جسدها الامام
العرفاء الشيعة هم في الغالب فلاسفة ومن ابرزهم الشهيد الصدر الاول والثاني لكن الصدر الثاني لديه تحفظ على على بعض المباحث الفلسفية للعرفاء كون الفقهاء النمطيون يحرمون الفلسفة ويعتبر بعضهم العرفان خروج عن الثوابت الإيمانية وهذا بتصوري فرضته الظروف الموضوعية لحركة الشهيد الصدر الثاني المجتمعية وخوفه من اتهامه بالخروج عن المذهب من قبل الحوزة النجفية التي عطلت الاجتهاد الفلسفي واخذت منه موقفاً سلبياً بينما اعتمدت عليه حوزة قم وطورته لذلك تقدمت حوزة قم وتأخرت حوزة النجف لكن الحوزتان في الغالب اعتمد فقهاؤها على القياسات البحثية الفلسفية التي أسسها قادة العرفان كالملة صدرا في الحكمة المتعالية المأخوذة أساسا من ابن العربي ..بنِسَب متفاوتة في الفقه تحديدا كما اشار الفيلسوف المرجع السيد كمال الحيدري في كتابه التوحيد ..
– حين دخلت استراليا ساعدني الشعر والعرفان على الاندماج بالمجتمع وقراءة العلمانية كفهم سياسي يحمي الدين ويعتبره مصدر من مصادر الحريات الانسانية لا كما يصور البعض انه فهم يحارب الدين فتشكل فهمي بين دولة العرفاء الروحية التي اقترب بها من الله ودولة استراليا العلمانية الديمقراطية التي اقترب بها من الحرية وبقيت الحرية والله هما المتلازمتان اللتان تحرراني من شرور نفسي وتقربني من الاخر ..  فأنا اعشق السيد المسيح والامام علي واحترم بوذا اؤومن بتعدد الأفكار وأدعو للسلم والمحبة واعتبر كل من يسرق الشعب العراقي ارهابياً حتى وان تعلق بأستار الكعبة وكل من يدعو الى القتل والارهاب مجرماً وان كانت عمامته اكبر من الكرة الارضيّة الفضيلة الانسانية ليس لها مذهب او دين والمعرفة كما يقول الشعراء تسترق حتى وان كانت من عدوك ، هذه عقائدي الياسرية قلبي لا يمكن ان يكره إحداً واشعر بسعادة اذا خدمت إنساناً لأَنِّي أتقرب بذلك الى معرفة الله اكثر .

كاتب وشاعر عراقي مقيم في استراليا 


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى