مقالات

ثورة تشرين وغطاء الرأس .. فتنة أم هوية وطنية ؟؟

  • وديع شامخ *

لاشك أن ثورة تشرين العراق 2019 جاءت من رحم عراقي خالص ، نتيجة لجملة من المتغيرات في الحياة العراقية سياسيا وفكريا وإجتماعيا وجماليا …
ولعل ما يميز هذه الثورة أنها شبابية خالصة وتحمل هماّ وطنياً وإنسانياً تحول بالتدريج من حركة مطلبية ذات أهداف خدمية محددة الى ثورة ضد الطبقة السياسية الفاسدة برمتها وضد قانون انتخابات البرلمان العراقي ومفوضية الإنتخابات وصولاً الى الدستور العراقي .
ولم يكن غطاء الرأس يمثل معادلة أو مؤشراً على تميّز الشباب الثائر ، بل كان التنوع في غطاء الرأس بشكل لافت يعبر عن تنوع المجتمع العراقي في هوياته الجزئية ثقافية ودينية وإجتماعية ولكلا الجنسين ولمختلف الأعمار .
وبالإمكان ملاحظة هذا الثراء الدلالي عندما تستكشف ساحات التحرير منذ بغداد الى محافظات الوسط والجنوب الثائرة.
فقد تشاهد الكوفية والعقال مع السدارة بجنب حاسري الرؤوس من الرجال كما تجد الحجاب والسفور والزي العراقي النسوي الريفي في ” الفوطة – الشيلة – والعباءة” عند النساء ومن مختلف الأعمار .
…….
وخلال عمر الثورة البالغ قرابة أربعة أشهر لم نلحظ لغطاء الرأس أي وظيفة مميزة غير ما تفرضه ساحات الثورة من واجبات تكاملية بين الثوار من كل الجنسين !!
ولم يظهر غطاء الرأس كعلامة مميزة إطلاقا لتصنيف الثوار في الرتبة والدور أو الإنتماء لهذا التيار السياسي أو الديني في المشهد العراقي .

ولم تشهد ساحات التحرير رايات مختلفة سوى العلم الوطني العراقي الرسمي ، ولم يرفع الثوار أية صورة لزعيم سياسي أو وطني أو أية شخصية تأريخية أو معاصرة ولم يحمل الثوار رجالأ ونساءً أي نوع من السلاح ” لا هراوات ولا سكاكين ، ولا مسدسات وكواتم ، ولا بنادق قنص ، ولا قنابل صوتية ” وكل ما كانوا يحملون صدورهم العارية وحلمهم الثوري المتجذر كفكرة في العقول والواقع معا .
لذا كانت الثورة عراقية اليد والهوى والفكر واللغة والسيمياء ، رغم الإختلاف الفكري والثقافي والإجتماعي والإقتصادي المتباين نسبيا الى حدٍ ما
وكلما زاد الثوار من ضغطهم الشعبي السلمي وفشلت الطبقة السياسية الحاكمة من السيطرة على الأمور تندفع الى الواجهة فئة من داخل الساحات وخارجها لها ميولها السياسية المعروفة ولها راياتها وموجهاتها الفكرية الدينية عقائديا والثقافية والإجتماعية والإقتصادية تراتبياً.
……..
تتمتع هذه الشريحة بشعبويتها الدينية العاطفية وبقوتها العسكرية الميليشاوية والمادية مع إرتباط أجندتها بملفات ملتسبة عراقياً وخارجياً ، وهي تُصنف نفسها بوصفها الحامية للثورة ، لذا صار دفع أعضائها في وقت الأزمات الى أخذ أدوار مزدوجة تبدأ بحماية الثوار ، كان لهذا الدور من ميزة على الجميع إقتضي تصنفيهم على الثوار بغطاء رأس أزرق مشابهين بذلك ” ذوو البيريهات الزرق ” العاملين كقوة حماية دولية لحفظ السلام في مناطق التوتر في العالم .
فظهر غطاء الرأس للتميّز وأصبحت سرايا السلام تتقنع بمسمى ” القبعات الزرقاء” وهدفها المعلن والتكتيكي الأول هو حماية الثوار !!
…..
لو رجعنا الى نبذة تاريخية عن غطاء الرأس منذ تأسيس الدولة العراقية 1921 لوجدنا أن الإمبراطورية العثمانية قبل هذا ، فرضت – الفينة- كغطاء رأس بشكل رسمي لغاية العقد الثاني من القرن الماضي, حيث اصدرالسلطان العثماني محمود الثاني في عام1824م, فرماناً سلطانياً بجعل الطربوش لباس رسمي لجنود وضباط الجيش العثماني, وبعد أربع سنوات عمّم الطربوش على جميع موظفي الدولة بما فيهم الوزراء والقادة,مع اختلافلون الطربوش حسب درجة الموظف .
لكن الملك فيصل الأول عندما أعتلى عرش العراق عام 1921 جاء للعراق بزيه البدوي الحجازي المتكون من العقال المقصب والعباءة العربية، كأول ملك على العراق ، “كان يحلم ببناء دولة عصرية في العراق, وادخال عدد من التقاليد والنظم السياسية والإجتماعية الحديثة للعراق الخارج تواً من ظلمة الحكم العثماني الذي استمر مايقارب الأربع قرون, ومن جملة هذه التغيرات أراد هذا الملك الطموح إيجاد لباس وطني للرأس بدلاً من الفينة ليكون كزي رسمي لموظفي للدولة العراقية, فاوجدت السدارة, ووزعت أول مرة للوزراء من قبل رستم حيدر أحد مستشاري الملك في حينها, وكان أول من ارتدى السدارة هو الملك فيصل الأول لتشجيع الناس على ارتدائها, ومنها سميت باسمه (فيصلية).
……
هكذا كان غطاء الرأس العراقي يعبر عن هوية وطنية عراقية دون المساس في أغطية الرأس الأخرة التي يرتديها العراقيون في الأرياف والأهوار والبادية
، فغطاء الرأس رمز مجتمعي وليس رمزاً لإستباحة الآخر بشكل قسري في ظل ثورة شعبية ضد طبقة سياسية فاسدة وفي لحظة تأريخية مفصلية في تاريخ العراق الآن .

شاعر وكاتب عراقي يرأس تحرير مجلة النجوم الاسترالية 


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى