ادب وتراث

قراءة في فكر علي شريعتي ” 7 ــ 7 “

عبدالله خليفة *
يقول علي شريعتي: ]الاستبداد هو من المعالم الطبيعية التي تتسم بها هكذا حكومة، لأن رجل الدين سيشغل منصب خلافة الله وتنفيذ أوامره في الأرض. وفي هذه الحالة سوف لا يكون للناس حق إبداء الرأي والانتقاد والاعتراض، فالزعيم الديني يعطي لنفسه حق الزعامة والقيادة مرتكزاً على قيمته واعتباره الديني لا على قيمة وآراء الناس وانتخابهم. إذاً هو حاكم غير مسئول وهذا النوع من الاستبداد هو أسوأ أنواع الاستبداد والدكتاتورية الفردية[، ] السابق، ص 122[. إن هذا رفض واضح للحكم الديني الشخصي المستبد، وهو أمر يعبر عن فكر شريعتي المناهض للحكم الديني الفردي، وليس لحكم المؤسسات الدينية أو الحكم الفردي المستند إلى هذه المؤسسات، وهو الأمر الذي قامت به القوى الدينية في إيران عبر تضفير دكتاتوريتها بمؤسسات منتخبة مهيمن عليها.

ويطرح شريعتي الاستبداد هنا كحالة فردية وغير منتخبة من قبل الناس، لكنه يقصد الحالة السياسية المعاصرة، لأنه يؤمن بالإمام المعين، كجزء من وعي الاثني عشرية، ولهذا يستنكر ] مبدأ البيعة والشورى والنظام الديمقراطي في الحكم [، ] ص 172[ . وهذه التناقضات تعبر عن وعي الإقطاع المذهبي وهو يحاول الجمع بين الأنظمة المتضادة، فمن جهة يحاول الإبقاء على هيمنته على الجمهور المؤمن، وهذه لا بد لها من دكتاتورية، ولكنه من جهة أخرى، لا يناقض التحديث والرأسمالية بشكل مطلق، بحيث لا تدمر سيطرته، وهذه تحتاج إلى مؤسسات منتخبة من قبل هذا الجمهور المؤمن المطيع. ولهذا فإن شريعتي يرفض الواقع التاريخي المعروف بوجود مؤسسات دينية متنفذة عبر التاريخ الإسلامي، ]أما الإسلام، فلا يمكن إثارة هذا الأمر فيه لأن المجتمع الإسلامي لا يوجد فيه رجل دين بالمعنى الذي نراه في الأديان الأخرى.[، ]ص 123[. ونظراً إلى تعبير شريعتي عن وعي الإقطاع المذهبي الذي لم يتحدث بشكل كلي، فهو لا يرى تناقضات الداخل المذهبي، بل يرى الطائفة كتجسيد للحقيقة والعدالة، كتماهٍ مع المطلق، وبالتالي تنتفي السيرورة الاجتماعية وقوانينها داخلها، ومن هنا لا يرى تداخل رجال الدين والإقطاع، ولا يرى تحولهم إلى شريحة من هذه البنية الاجتماعية، وهي شريحة تؤبد نظام الاستغلال التقليدي، وتعجز عن إعادة إنتاجه في شكله الرأسمالي الحديث المتطور، على الأقل في زمننا هذا، ولهذا تتطابق أحكامها الفقهية والسياسية معه، وتتصور ان رؤيتها أبدية، رغم ان شريعتي نفسه، يرفض التقليد الفكري، قابلاً التقليد الفقهي، داعياً المؤمنين إلى التجديد الفكري والتنوع، وهذا جانب تجديدي جزئي، محكوم بدولة دينية.

إن وعي علي شريعتي يعبر عن وعي هذه الشرائح من الطبقة الوسطى التي استفادت من الثقافة الديمقراطية المعاصرة، لكنها ظلت تابعة فكرياً واجتماعياً للإقطاع، خاصة ان نمو هذه الفئات هو بين القوتين الأساسيتين للإقطاع:القوة الحاكمة السياسية، والقوة الموالية المعارضة الدينية.في حين ان الطبقة البرجوازية غير قادرة على أن تكون طبقة مهيمنة بسبب غيابها عن الإنتاج الصناعي. إن معارضة هذه الشرائح الوسطى للحكم المطلق يقودها إلى البحث عن قوى بديلة، لا تجدها في فكر عصري قوي وفعال في مناخ إيران السابق، ومع قيام الحكم المطلق بضرب كافة التجليات الحديثة للمعارضة، وإنعاشه للمؤسسات الدينية، تتوجه تلك الشرائح إلى التبعية الفكرية للإقطاع المذهبي. إن فكرها في هذا الحصار الأمني والسياسي لا يمكن أن ينمو إلا مموهاً، وحيث يمثل الوعي الديني مظلة تاريخية عريقة، مثلما تتشكل شرائح البرجوازية المعاصرة من أموال وصفقات الدولة، أو من العقار والزراعة وسوق المؤمنين، فتظهر البرجوازية التابعة للدولة، والبرجوازية التابعة للإقطاع، ومن هنا تتشكل جبهة تحرير إيران برأسين ديني وعصري، ومثلما يضطرب خطاب شريعتي بين الدين التقليدي والحداثة، لكن هؤلاء وقد فعّلوا الإقطاع المذهبي يقوم بالتهامهم فيما بعد، ليجعل البرجوازية تابعة بشكل كلي، لكن الصراع لم ينته، وقد مثل خطاب شريعتي دفعة لنمو دولة الإقطاع المذهبي الشمولية دون أن يقرأ خطورة ذلك على مستقبل إيران.

كاتب وروائي من البحرين 


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى