مقالات

ملعبُ الميناء.. ذاكرةُ أجيال !

عبد السادة البصري
قبل أيام سافرت إلى بغداد مع الكابتن هادي أحمد ــ نجم خط وسط المنتخب العراقي في السبعينات ومنتصف الثمانينات ــ للاحتفاء به في ملتقى الخميس الإبداعي في اتحاد الأدباء، وكان معنا بعض أصدقائه الرياضيين. طول الطريق كان حديثهم عن نادي الميناء وملعبه وأيامه الرياضية والفنية التي أوقدت في مخيلتي شمعة الذكريات ، حيث سكنت قبالة الملعب لأكثر من خمس عشرة سنة !
ملعب الميناء علامة مميزة وفارقة في البصرة كلها منذ إنشائه عام 1934 بملحقاته كالنادي الاجتماعي الصيفي والشتوي والسينما الشتوية والصيفية وقاعات الألعاب الأخرى ، إضافة إلى بيوت لإقامة الفرق الرياضية الوافدة من المحافظات والدول الشقيقة والصديقة في سنوات الأربعينات وما تلاها وصولاً إلى اشتعال الحرب العراقية الإيرانية. حيث لعبت على أرضه فرق عراقية وعربية وأجنبية من دول مثل إيران وبريطانيا وتركيا والهند ومصر وبعض دول الخليج ،، كما غنّى فيه مطربون عراقيون وعرب أمثال عبدالحليم حافظ وشريفة فاضل وغيرهم ، وكانت العروض السينمائية تجري فيه ليلاً ونهاراً ، ويتذكر أبناء تلك الأجيال أيامه الرياضية والفنية إذ بقيت السينما الشتوية فيه حتى منتصف الثمانينات !
هذا الملعب صار خراباً بعد 2003 استُغِلَت ملحقاته من قبل بعض العوائل التي لم تجد سكناً يؤويها فاضطرت إلى التجاوز عليها. ثم أُخرِجَت منها لتُهدم وتبقى حطاماً منثورا ، و تم تهديم الملعب وملحقاته بحجّة بناء ملعب بمواصفات حديثة ومعاصرة يكون رديفاً لملعب النخلة في المدينة الرياضية. وقد أُنشِئت بعض جوانبه وأعمدة المدرجات بعد وضع حجر الأساس فاستبشر الناس خيراً بما سيؤول إليه من حلّة جديدة وصورة أجمل. لكنهم صُدِموا بعدما تُرِك المشروع عند ربع التنفيذ بحجّة الأزمة المالية وعدم إيفاء الشركة المقاولة استحقاقها من المبلغ المرصود لانجازه ! ظلَّ الملعب خراباً وتحولت السينما الشتوية إلى قاعة أهلية لبناء الأجسام أما الصيفية فصارت أثراً بعد عين لتظلَّ شاشتها البيضاء الكونكريتية شاهداً على جمالٍ خبا واستقرّ في ذاكرة أبناء المعقل !
أخذت فرق النادي بكل فئاتها تتمرن وتلعب في ملاعب أخرى ، أمّا النادي الاجتماعي فذاب في خضّم المتاهات وصار نسياً منسيا ! ملعب الميناء الذي يسكن ذاكرتنا جميعا ، علينا أن نسعى في الشروع ببنائه مهما كلّف الأمر ، وهذا واجب تتحمله الشركة العامة لموانئ العراق كونها القائمة عليه منذ تأسيسه. فوزارة الرياضة والشباب لم تكن معنية به كل تلك السنوات حين كان في أوج ازدهاره ، لهذا عليها أن تقف مع الموانئ وتتعاون معها في إكمال المشروع كي يعود بملاعبه الخضر مزدانا بسفّانته الزرقاء وهي تعبر عباب الخراب صوب ضفاف البناء والازدهار لتعود أيام الملعب وملحقاته !
نظرة قصيرة وتأمل لما كان عليه الملعب أيام زمان تجعلنا نفكّر بجدٍ وانتماءٍ حقيقي للبصرة وموانئها وملعبها وللرياضة بشكل عام والفن والجمال وصناعة الحياة بكل روعتها بعيدا عن المحاصصة والفساد اللذين أكلا الأخضر واليابس وننهض في الشروع بالبناء والاعمار!

كاتب وشاعر من العراق 


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى