Sliderمقالات

التعليم العالي في العراق، كيف نوقف كل هذا الانحدار؟!

د. رحيم مزيد*

لم يرمش جفن لمسئول حكومي او برلماني، وهو يرى حجم التداعي المريع الذي تشهده المؤسسات الجامعية في العراق الجديد. ربما هو وجه اخر من وجوه الكوميديا السوداء التي يعيشها العراقيون يوماً بعد اخر.ولربما نحن اليوم اكثر من تَصدق عليه المقولة الشهيرة للرئيس السابق لجامعة هارفارد Derek Bok الذي يقول (إذا كنت تعتقد أن التعليم باهظ الثمن، فلتجرّب الجهل)ها نحن ندفع الكلف التاريخية الباهظة لتخلينا عن التعليم لمصلحة الجهل.
هل يعقل ان لا مسئول في هذا البلد تحركُ شعرة في رأسه حقيقة صادمة هي ان كل الجامعات العراقية، العريقة منها والحديثة، حكومية كانت ام أهلية، هي خارج جميع التصنيفات العالمية المعتبرة.
الا يعني شيئاً لمجلس الوزراء او مجلس النواب ان يعلن مؤشر دافوس لجودة التعليم للعام ٢٠١٦ الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، عن استبعاد المؤسسات العلمية والبحثية العراقية منه بسبب ما قال انه (افتقار الجامعات العراقية لمعايير جودة التعليم). هل يعقل ان العراق الذي كانت جامعاته محجاً للطلبة العرب والأجانب، لا يظهر اسم اي منها ضمن اول (٥٠٠) جامعة حول العالم في واحد من التصنيفات العالمية الشهيرة الثلاثة، سواء كان تصنيف ARWU الذي تصدره جامعة جياو تونغ شنغهاي الصينية و يعرف بالتصنيف الأكاديمي للجامعات العالمية Academic Ranking of World Universities ، أو تصنيف QSالبريطاني الذي تصدره مؤسسة Times Higher Education Quaquarelli Symonds ، او حتى تصنيف Webometrics SCIC الاسباني، الذي يصدر عن المركز الوطني للبحوث National Research Council, CSIC .
وحيث ان أسباب كل هذا التهاوي في سمعة التعليم العالي معروفة، فإن الصمت عنها يثير تساؤلات كبرى عن دوافع هذا الصمت وغاياته التي قد تصل الى مؤامرة كبرى تشترك بها أطراف داخلية وخارجية لتجهيل المجتمع العراقي.
وعموماً، يعرف الكثيرون ان اسباباً عدة تقف وراء الحالة المأساوية لواقع التعليم العالي في العراق:
⁃ منها ما يتعلق بحالة الانهيار الجمعي الذي تشهده بنية المؤسسات الحكومية العراقية، والتعليم العالي جزء منها.
⁃ ومنها ما يرتبط بتسييس هذه الوزارة، وممارسة السلطة لأعتى حملات الاجتثاث الممنهجة منذ العام ٢٠٠٣ ولغاية اليوم ،والتي أفرغت جامعاتنا من الاف العقول الفذة في مختلف المجالات.
⁃ رافقت حملات الاجتثاث، عمليات الاغتيال التي طالت العديد من الأساتذة والعلماء العراقيين، وما تلاها من هجرة وتهجير جعلت جامعاتنا خاوية، يقودها ربما الجيل الرابع من التدريسيين الذين حصلوا على ترقيات سريعة.
⁃ الفوضى العارمة في السياسات الجامعية سواء المتعلقة منها بقدم المناهج الدراسية، او الاستحداث غير المدروس الجامعات والكليات والاقسام العلمية او اعتماد الكم على النوع في الدراسات العليا او رداءة البحث العلمي او لا علمية الترقيات العلمية.
⁃ النظرة الدونية للتعليم الجامعي الأهلي، الى الدرجة التي يكون فيها العراق ربما البلد الوحيد الذي يعد فيه التعليم الخاص بمرتبة متدنية قياساً بالحكومي، برغم ان اكبر واهم الجامعات العالمية اليوم هي جامعات خاصة .
⁃ بالاضافة الى كل ذلك، يشهد التعليم العالي في العراق تخبطاً واضحاً في سياسات القبول في الكليات والمعاهد في الداخل، واعتماد جامعات ضعيفة في دول مجاورة كانت حتى سنوات ترسل ابنائها للدراسة في الجامعات العراقية.
⁃ النقص الشديد في البحوث العلمية المنشورة في المجلات العلمية العالمية المعروفة بعامل التأثير Impact Factor، وتكاسل التدريسيين عن إعداد البحوث الرصينة والاكتفاء بالنشر في مجلات محلية لا تحتوي الحد الأدنى من الشروط الأكاديمية.

ان أية استراتيجية لإنقاذ التعليم العالي في العراق، يجب ان تكون مبنية على الأسس التالية:
⁃ هيكلة وزارة التعليم العالي، وتحويلها الى جهاز اعلى مستقل للاشراف على التعليم العالي والبحث العلمي، مع تشريع قانون جديد وعصري .
⁃ إستقلالية الجامعات العراقية إدارياً واكاديمياً وبما يؤمن لها الاضطلاع بدورها كرافعة لنهضة المجتمع.
⁃ تحديث شامل للمناهج الدراسية، وإعادة النظر بالنظام الدراسي السنوي المعمول به حالياً في معظم الجامعات العراقية.
⁃ إعداد استراتيجية جديدة للدراسات العليا، تأخذ بالاعتبار التطورات التي يشهدها العالم وحاجة المجتمع العراقي ومتطلبات السوق.
⁃ اعادة تنظيم إجراءات الترقيات العلمية في العراق، ترافقها سياسات صارمة لإعادة تأهيل التدريسيين العراقيين الذين يفتقرون الى العديد من المهارات العلمية والبحثية لاسيما عدم التمكن من اللغات الأجنبية الحية او ضعف استخدام الكمبيوتر او عدم امتلاك مهارات التدريس الحديثة.
⁃ تبني إجراءات حقيقية لوقف نزيف الادمغة الذي يعاني منه العراق، واستعادة مئات العلماء الذين هُجّروا في مشارق الارض ومغاربها.
وأخيراً فإن لا نهضة ترتجى لبلدنا مالم تحصل ثورة حقيقية في حقل التعليم، يضطلع بها الأكاديميون والعلماء، وتبدأ من حيث انتهى العالم، فهل نحن قادرون؟!

  • كاتب وصحفي وأكاديمي عراقي مستقل 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى