Sliderثقافة وفنون

ألحان ذياب خليل: ابتسامة “بصراوية” أنيقة

علي عبد الأمير
لا يليق مسار الحزن بقراءة تجربة الملحن القدير، ذياب خليل، حتى مع رحيله القاهر اليوم الثلاثاء 24 كانون الثاني/ يناير 2017 في مدينته: البصرة. ذلك ان صاحب ألحان أغنيات مثل “يا جلمة (كلمة) انت” بصوت المطرب سعدون جابر، شكل ابتسامة انيقة على ملمح الغناء العراقي الذي غلب عليه الحزن.
واذا كان هذا مفارقة واضحة، فهو امتياز للرجل الموهوب الذي قدم مبكرا الحانه (منتصف سبعينيات القرن الماضي) حين كان المشهد الغنائي العراق مكتظا بالأسماء الكبيرة حقا، غناء وألحانا وشعرا. ولنأخذ هنا تأكيدا على انجاز هذا المبتسم الأنيق في عمله مع من أصفه بـ”أمير الحزن” في الغناء العراقي المعاصر، المطرب الراحل رياض أحمد، فهو حين لحّن أغنية “لا عالبال ولا عالخاطر”، انما

                                             ذياب خليل في مقتبل عمره وانجازه اللحني
سعى الى لحن إيقاعي برشاقة محببة، لا تخفي صلتها بالبيئة الإيقاعية المحلية التي تتميز بها مناطق البصرة وجوارها. هنا ملمحان ايجابيان، إن شئت، وليس واحدا: رسم ابتسامة على مشهد ثقيل في حزنه، واستثمار الموروث النغمي في لحن معاصر.

                                            رقيق يا حبيبي كأنك كلمة
وفي لحنه لشعر جبار النجدي الذي صار لاحقا أغنية مشعة بصوت سعدون جابر ” يا جلمة انت”، لا نفارق هذا المعنى، فقدّم فنانا لحنا بإيقاع رشيق لكلام غاية في الرهافة، يزاوج ببراعة بين صفات الحبيب ومآثر الكلام الرقيق، ناهيك عن حلاوة وطراوة في صوت سعدون جابر لنربح أغنية نادرة حقا.

                                           مبحر والهوى شراعي
واذا كان الراحل شكّل مع الشاعرين الغنائيين: شقيقه كريم خليل وجبار النجدي ثلاثيا فاعلا، فان أصدق ترجمة لهذا المعنى يتمثل في أغنية ” يا جلمة انت” التي صاغها النجدي ثم الأغنية المدهشة النغم وسلاسة المعنى: “عليك أسأل” بصوت المطرب المقتدر فاضل عواد. وهنا لم يخرج الملحن ذاب خليل عن مساره المدهش والمختلف في مشهد التلقي المعتاد للغناء العراقي والذي يمنح الاعجاب والتقدير لتلك الأشكال اللحنية والتعبيرية والصوتية الغارقة في حزنها ثقيل ومديد، فرغم صبر العاشق على غياب حبيبه (وأكول اصبر على غيابك) فهناك الأمل والثقة (وفي وما تنسى احبابك)، ورغم لهيب الشمس العراقية لكن (لابد ما الشمس يكسر وراها فياي)، وتأسيسا على هذا فثمة الوفاء (أظل طول العمر أهواك) بل (انسى روحي لو ردت انساك)، ومن هنا نحصد ثمار الأمل: ( لابد ما تجي وتضحك فرح دنياي). وعلى هذا النسق نصل في الكوبليه الثاني (أظل سفان مبحر والهوى شراعي) ثم ( تدري الوفي من طبعه للمحب يعتلك شمعه). كل المزيج الشفاف من المشاعر الشخصية والعامة (أحن لعيونك الحلوات حنيني لأهلي ولكاعي)، يقدمه الراحل الأنيق بلحن رشيق متدفق الأنغام كان سيغدو أكثر جمالا لولا التوزيع الموسيقى المتواضع والاداء السيء للكورس وبخاصة الأصوات الرجالية الثقيلة الحضور حد النشاز.
                                                             ضوء القمر البصراوي
ولحنه هذا لفاضل عواد، لم يكن مفارقا للحن آخر للمطرب ذاته تجسد في أغنية “يلوموني” وهي من شعر داود الغنام وفيه الأمنية ” يا ريت وياي تضوي بدنياي” تتصاعد كأنها شهقة أمل ونداء محبة. ومن الشاعر ذاته، جاءت كلمات أغنية “حبينه ضي الگمر” للوسيم الصوت والطلة، المطرب الراحل فؤاد سالم، وفيها تمثيل حقيقي لقدرة ذياب خليل اللحنية على استثمار بيئة البصرية النغمية والخليجية بعامة في انتاج اغنية فاعلة تنتمي للمعاصرة دون ان تتنكر لجذورها الفكرية والشعورية.

وهذا الملمح المحلي البصري روحية نغمية، يمكن تلمسه أيضا في لحنه لصوت المطرب قحطان العطار في أغنية “لو عندي حظ وياك”، التي صاغها شعرا كريم خليل وتجاوزت الأثر المتعب للحزن الثقيل في الغناء العراقي المعاصر، ومن هنا جاء عنوان هذه المقالة- التحية التي نختمها بالقول:
وداعا لصائغ ألحان هو من مآثر البصرة الموسيقية والثقافية
وداعا لصاحب النغمة المتدفقة أملا وحسا راقيا وتعبيرا خصيبا.
وداعا للملحن ذياب خليل.. الذي قدم لنا سلة مدهشة من ورد النغم العراقي المعاصر، بينها وردات عرضنا أعلاه لعطرها الزكي.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى