Sliderادب وتراث

الدبلوماسية الليبية في القرن الثامن عشر …. صور من ماض رائع

مصطفى امحمد الشعباني*
ذات صباح  من أيام شهر نوفمبر من عام 2015 قمت بزيارة مبنى البرلمان الأسترالي القديم في كانبيرا الذي يعود بناؤه إلى عام 1927م ولا يتجاوز عمره المائة عام ، وكم كان مدهشا ورائعا وأنت ترى وتستمع إلى تفاصيل الذاكرة الوطنية الأسترالية وهي تحظى بالعناية والاهتمام والتقدير حيث وجدت كل التفاصيل حتى تلك التي قد ينظر إليها البعض بلامبالاة وقد لاتسترعى انتباه أحد كبقايا ورقة كتب عليها أحد المسئولين ملاحظة ، أو قلم استخدمه ذات مرة نائب أو رئيس كتلة أو وزير ، تتجول في المبنى وأنت تستمع إلى خطب ومناقشات في قاعات البرلمان عبر موجات أثير يأتيك من أجهزة قديمة كانت تستعمل فيما مضى لتدفعك بقوة إلى أن تعيش تلك اللحظات من ماض نراه قريبا قد لايثير الاهتمام ، ويراه غيرنا كنزا لايقدر بثمن رغم قصر المدة وقصر عمر هذا البلد الذي لايتجاوز المائة والخمسين عاما فيما نحن في منطقتنا العربية ومن بينها بلدي ليبيا تحديدا تتجاوز جذورنا في التاريخ العشرة آلاف عام كلها مليئة بالكنوز والحضارات الإنسانية وكانت مهد الأديان ، وكان كل تاريخ البشرية وصناعته يمر عبر المنطقة العربية ……. .شردت آنذاك للحظات وعادت بي الذاكرة إلى ماض من تاريخ بلدي ليبيا أهمله الأحفاد ولم يحظ من أحد بالعناية وبالتوثيق لأغلب أحداثه وآثاره التي تتناثر بكثرة وتنوع على هذه المساحة الشاسعة ، بل أنه يتعرض الآن إلى حملة من الطمس والتدمير والتشويه والسرقة كما حدث في أزمنة سابقة ……. تساءلت هل يعرف أحد أن بدايات الدبلوماسية الليبية قديمة تعود إلى القرن السابع عشر حين واكبت اللبنات الأولى لإرساء قواعد القانون الدبلوماسي الحالي في العالم ؟ وأنها سبقت في ممارستها ميلاد العديد من الدول بعضها الآن قوة عظمى يشار لها بالبنان ….. وهل يعلم البعض أن ليبيا التي كانت تسمى آنذاك ” طرابلس الغرب ” تبادلت السفراء والقناصل ووقعت الاتفاقيات مع الدول الأوروبية الكبرى في تلك الفترة ؟ وفرضت بحكم قوتها البحرية أتاوات حين كانت تسيطر مع جاراتها تونس والجزائر ومراكش على حركة الملاحة البحرية وخط التجارة الدولية الذي يمر عبر البحر الأبيض المتوسط ، وهل يعلم أحد أن أول سفير عربي مسلم لدى مملكتي السويد والدنمارك كان سفيرا ليبيًا زوّد بأوراق اعتماد رسمية كالتي نعرفها اليوم وأن هناك تمثيلا دبلوماسيا متبادلا بين ” إيالة طرابلس الغرب ” والعديد من الدول ؟ … لعلني أنقلكم بعجالة عبر هذه السطور إلى ذلك الماضي الذي يختزن الكثير من الشواهد منها ما يزال شاهدا ملموسا على كنوز جرى نقلها في غفلة من الزمن لتزين قصور الملوك والأمراء في أوروبا ومن بينها الأعمدة الرخامية التي نقلت من مدينتي صبراته ولبده أواخر القرن الثامن عشر على يد التجار اليهود لقصور فرساي والمملكة الإنجليزية وهي ماتزال قائمة شاهدة على حضارات نشأت في الساحل الليبيي ، كما أن أرشيف العديد من الدول ومن بينها الولايات المتحدة الأمريكية والسويد يحتوي على كم هائل من الوثائق والمراسلات التي تغطي جانبا مهما وكبيرا خلال تلك الفترة ، ولعل من أدق الشواهد التي ما تزال حية تصدح بها حناجر جنود مشاة البحرية الأمريكية ” المارينز ” هو النشيد الذي وضع ليخلد أول حرب بحرية للأسطول الأمريكي خارج أراضيه تخوضها الولايات المتحدة الأمريكية خلال الأعوام “1801-1805” مع باشا طرابلس الغرب القوي يوسف باشا القرمانلي فيما يعرف بحرب السنوات الأربع ولا يزال يحتفظ باستهلالته الأولى حين ينشد الجنود بفخر أول حرب يخوضونها خارج بلادهم
From the Hall of Montezuma
To the shore of Tripoli ,
We fight our Counlrys battles
In the air on land and sea
وترجمتها :
من هضاب مونتيزوما
إلى شواطىء طرابلس
خضنا معارك الوطن
في البر .. في البحر … في الجو

كما أن السيف الذي يتمنطق به ضباط البحرية الأمريكية في بذلاتهم المراسمية هو السيف الليبي الذي أهداه أحمد باشا القرمانلي لقائد الحملة الأمريكية (دايتون) بعد احتلال مدينة درنه، واتخذته البحرية الأمريكية ضمن القطع الأساسية لبذلة الضابط البحري الأمريكي لما له من قيمة جمالية .
كان المبعوثون الدبلوماسيون الليبيون محطّ دهشة وإعجاب وتقدير واهتمام من ملوك وأباطرة أوروبا لسعة ثقافتهم وقدراتهم الدبلوماسية الراقيةولعل أشهر الشخصيات الدبلوماسية الليبية التي عرفتها قصور ملوك وأباطرة أوروبا وكانت محط الإعجاب والتقدير أينما حلت على سبيل المثال لا الحصر : الحاج محمود أغا الذي كان مبعوث علي باشا القرمانلي إلى دول اسكندنافيا عام 1758 حيث زار السويد ثم الدنمارك ، وقام الرسام السويدي (كارل جوستاف بيلو ) الذي كان يعمل في البلاط الملكي الدنمركي برسم صورة زيتية له بمقاس (78.5 × 63 سم) وهي توجد حاليًا بمتحف الدولة بكوبنهاجن ، والحاج عبدالرحمن البديري الذي كان ذو ثقافة وحنكة عاليتين ، والسيد علي الخوجة الذي شغل منصب الوزير الأول لدى الباشا ومحمد الدغيّس وحسونة الدغيس الذي وصفه القنصل الفرنسي في طرابلس (روسو) في رسالته في 8 يوليو 1826بأنه ((شاب كثير الدهاء شرير مغرور وإنه على الرغم من حسن الاستقبال الذي لقيه بفرنسا أعلن جهارًا عداوته لنا وانحاز بلا تحفظ إلى مصالح القنصل البريطاني )) كما أثنى عليه قنصل السويد آنذاك ( كريرج دي همسو ) بالقول (( إنه أعجوبة من الفهم والثقافة والمدنية وقد عاش في شبابه بفرنسا وانجلترا وكان مقبولاً في أرقى المجتمعات بها )) وتبدو شخصية حسونة الدغيّس مثيرة للاهتمام لأنه تميّز بثقافته وإطلاعه الواسع وكان يجيد عدة لغات منها الفرنسية والتركية واتصل بالحضارة الأوروبية قبل رفاعة الطهطاوي بفترات ، كما قام خلال وجوده في باريس بترجمة كتاب (المرآة) لصديقه الجزائري حمدان عثمان خوجة من العربية إلى الفرنسية وهو كتاب يتناول وضع الجزائر تحت الإستعمار الفرنسي ، كما عمل محررا بجريدة ( تقويم وقائع ) التي تصدر باللغة الفرنسية في استنبول، وقام بالعديد من المهام الدبلوماسية من بينها المبعوث الرسمي للباشا إلى أسبانيا عامي 1811-1813 لمناقشة الديون المترتبة على الحكومة الأسبانية وقنصلها المقيم في طرابلس وشغل خلال الفترة ما بين 1818-1820 مهام الوكيل التجاري المقيم لطرابلس في مدينة مرسيليا وكان سفير الباشا عام 1821 إلى البلاط الانجليزي حيث استقبله الملك جورج الرابع كما تولى مهام الشئون الخارجية (وزير الخارجية) في الولاية خلال الفترة ما بين 1826-1829وينقل عن الدغيس مبرر قبوله الوزارة بأنه ( شعورا بالمسئولية وحدها وعليّ أن أقدم بعض الخدمات لأبناء وطني ) ويذكر أنه قام بأول محاولة اصلاحية لتغيير نظام الحكم في ولاية طرابلس الغرب من النمط الاستبدادي إلى النمط الديمقراطي المقيّد على غرار النظام الإنجليزي الذي كان معجبا به وربما تكون أول المحاولات الإصلاحية في المنطقة العربية إذ أنه سبق محمد علي والي مصر في طرح أفكاره ومحاولة تطبيقها ولكنه لم ينجح ، فقد كانت شخصية حسونة الدغيّس والتي مسكونة بفكرة الإصلاح وعدوة للاستبداد والتي دفعته إلى السعي لوضع دستور للأيالة الطرابلسية على النمط الإنجليزي بالتعاون مع الفيلسوف القاضي (جيرمي بنتام) مؤسس مذهب النفعية عام 1822 الذي وضع العديد من الدساتير لبعض الدول الأوروبية آنذاك ، وتعتبر من أولى المحاولات الفكرية الإصلاحية في المنطقة حيث وضع الاثنان خطة لتنفيذ المشروع في مخطوط عنوانه ( بعض المعلومات والآراء عن دولة طرابلس على الساحل البربري الأفريقي ) يتكون من أحد عشر فصلا تتعلق بــــ ( السكان – المساحة – اللغة – الملكية – وضع الحياة – خطبتين وضعهما بنتام لكي يستعملهما الباشا – خطاب بعنوان إلى أهل الجبل – رسائل كتبها الدغيس إلى جان كوينسي أدامز رئيس الولايات المتحدة الأمريكية – ملاحظات باسم رحالة إلى طرابلس ) وحدد الاثنان الأسلوب والطريقة لنقل طرابلس الغرب إلى دولة حديثة يحكمها القانون وفق معايير ذلك الوقت :-
الأول : محاولة اقناع الباشا بالقبول والبدء في الاصلاحات عن طريق : قبول الباشا ثم موافقته على الاصلاح ويستدل على الموافقة بقبوله إلقاء الخطبة التي أسماها ” بنتام ” خطبة العرش في الجامع الكبير وتشمل هذه الخطبة تكوين جمعية دستورية يتم اختيارهم من الناس يسمون مندوبون واعلان الباشا اصدار الدستور وكذلك الضمانات بعدم استخدام السلطة للقوة .
الثاني : العصيان المسلح في حالة فشل المسعى الأول ويشمل تمرد أهل الجبل وإعداد قوة عسكرية قوامها 1000 فرد لغزو المدينة واسقاط حكم الباشا ولكن لم يقدر لهذا المشروع النجاح لأسباب كثيرة وتفاصيل متعددة لسنا في وارد الحديث عنها لقد كان حسونة الدغيّس كما يقول د. عقيل البربار منتميا إلى قيم الثقافة الليبرالية التجارية الناشئة في القرن التاسع عشر وكان معاديا لتجارة الرقيق فأحد أفكاره الأساسية التي وردت في مخطوط له عن تجارة الرقيق في أفريقيا نشرها بالانجليزية عام 1822كانت تدور حول فكرة ( أن تشجب وتعارض التجارة ليس بذي فائدة مالم يذهب المرء ليهاجم الظروف الاجتماعية التي خرجت ونمت فيها ) ورأى أن علاج المسألة أن يشجع التجارة الأخرى بين دول شمال أفريقيا ( كالتعويض ) مقابل التجارة المطلوب منهم التخلي عنها ، ويقول د . البربار أنّ مصطلحي ( التعويض و تجفيف المنابع ) اللذين وردا في مخطوط الدغيّس لايزالان قيد الاستعمال في الأدبيات السياسية الحالية .
وقد أثنى عليه يوسف باشا القرمانلي في رسالة التهنئة التي وجهها إلى الملك جورج الرابع بمناسبة جلوسه على عرش المملكة الإنجليزية المؤرخة في 3 صفر 1237هـ الموافق 1821 (.. ولما انكان الأمر كذلك تعيّن علينا إرسال هذه التهنية ودورنا الذي هنالك لينوب عنا في تهنيتكم ويتكلم على لساننا معكم وهو الأجمل الأرضى الأكمل الأخص الأديب الأريب البطل اللبيب ولدنا وصهرنا سيدي حسونة الدغيس بن المحترم المهذب المكمل أقرب ما لدينا من العمال وعين الخواص عندنا من الرجال وزيرنا سيدي محمد الدغيس نوبناه عنا في تبليغ هذا الغرض لأنه عندنا من أوكر المفترض فالمرغوب منكم كما هو الظن الجميل فيكم أنكم تباشروا به عند الملة وتعاملوه بأنوات التبجيل والميراث وأن تكون منه ببال ونظركم السديد شامل له في كل الأحوال …) إننا نتساءل الآن بعد مرور أكثر من قرن ونصف : ماذا لو قدّر لهذه المحاولة الإصلاحية المبكرة منذ عام 1822 النجاح ؟ من المؤكد أن الإجابة أنها تكون قد ساهمت في تغيير أنماط الحياة السياسية في ليبيا مبكرًا ونقلتها إلى مصاف الدول التي ترسخت فيها الديمقراطية وأضعفت بشكل كبير الحاضنة التي تنتج العقلية الاستبدادية التي تصنع الطغاة والديكتاتورين !!!!! ؟ .
لقد استطاعت الدبلوماسية الليبية خلال تلك الفترة فرض احترامها على الدول الأوروبية التي تسابقت لتجديد الاتفاقيات والمعاهدات أو لدفع دول أخرى لتوقيع معاهدات مع باشا طرابلس ودفع الأتاوات السنوية لضمان مرور سفنها عبر البحرالأبيض المتوسط بل أن الأمر دفع ببعض منها خلال حروبها مع دول أخرى إلى طلب توقيع معاهدة تحالف عسكري مع حاكم طرابلس القوي ، ففي عام 1740سارعت السويد إلى فتح قنصلية لها بطرابلس وأرسلت أول مندوب لها وهو القنصل السويدي المقيم في تونس (جورج لويجي ) وخلال هذه الفترة تم توقيع العديد من الاتفاقيات والمعاهدات بينهما ومن بينها معاهدة السلم والتعاون والملاحة الموقعة في 15أبريل 1741ونصت الفقرة الأولى أنه ( من تاريخ هذا اليوم إلى قيام الساعة سوف لن تكون هناك كراهية بين مواطني البلدين ، وسوف يتعاملون بالمودة والصداقة والتعاون كما لم تكن هناك أبدًا حرب أو كراهية بينهما ) واعترافًا بدور بدور نابليون بونابرت في الوساطة بين باشا طرابلس وملك السويد في توقيع هذه المعاهدة أفرج يوسف باشا عن الضابط البحري السويدي البارون (آرمفلدت) الذي كان مسجونًا في طرابلس ومن بين المراسلات الدبلوماسية المتبادلة بين البلدين خطاب أحمد باشا إلى ملك السويد وفيه يشير إلى حرب ملك السويد ضد روسيا (الموسكوفيت) ويؤكد له أنه ( إذا لم تكن المسافة كبيرة جدا لكان ساعده بجنوده أو سفنه ) وجاء في خطاب اعتماد الحاج عبدالرحمن البديري المرسل من الباشا علي بن محمود وهو مؤرخ في 1779 ( إلى أعظم ملوك أوروبا ملك السويد لقد وصل إلى الباشا الخبر العظيم بالحادث السعيد وهو ولادة ابن لكم وأرسل المبعوث الخاص به لتقديم تهانيه ولتجديد علاقات الصداقة بين البلدين ) كما جرى تبادل الهدايا بين حكام البلدين ومن أطرف هدايا باشاوات طرابلس إلى ملوك السويد وأغربها كانت الحيوانات التي لم يتعود السويديين رؤيتها فقد استلم الملك فردريك الأول اثنين من الأسود وبعض الضباع من باشا الجزائر وحصانين من باشا تونس ولكن عندما وصلت هدايا أحمد باشا اتضح أنه أكثر كرمًا من سابقيْه حيث كانت هداياه : اثنان من النمور وأربعة من البقر الوحشي وقفطانان حريريان وسرجان مزخرفان جميلان جدًا . وكل هذه الهديا والوثائق والمراسلات والمخطوطات النفيسة ماتزال في الأرشيف السويدي كما أن وجود المبعوثين الليبيين بهيئاتهم وأزيائهم الشعبية المميّزة التي لم يتعوّد عليها سكان دول الشمال كان مبعث اهتمام شديد من عامة الناس انعكست في أعمال الكثيرين من الرسامين والشعراء المعاصرين لهم ، ويذكر أن ملك السويد خلال وصول بعثة عام 1779 برئاسة الحاج عبدالرحمن البديري والتي كان البروتوكول يقضي بأن يستقبل الوزير الأول المبعوث الضيف ثم تجري بعد ذلك مراسم تقديمه للبلاط الملكي لمقابلة الملك رسميًا ولكن ملك السويد لم يحتمل الانتظار حتى ذلك الحين فاندسّ بين عامة الناس ليرى المبعوث الدبلوماسي الليبي الحاج عبدالرحمن البديري أثناء مراسم استقبال الوزير الأول له ، ويعتبر الحاج عبدالرحمن البديري من أشهر الشخصيات الدبلوماسية الليبية فقد كتب عنه سفير السويد المعتمد لدى ليبيا عام 1990بمناسبة مرور 50 عامًا على العلاقات الليبية السويدية بالقول (…كان رجلاً مثقفًا وله اهتمامات تجارية وعلمية تردد كثيرًا على المسارح وقام برحلة لدراسةمناجم الحديد بمدينة ( دانيمورا ) شمال استكهولم كما زار معهد العلوم السويسري والجمعية العامة للمعهد يوم 21 نوفمبر 1779 وعلى إثر هذه الزيارة قام بتقديم اقتراح للمعهد بإرسال خبير إلى طرابلس لدراسة البلاد وقد قوبل هذا الاقتراح بالاهتمام والموافقة حيث تم إرسال الدكتور غوران روثمان الذي وصل طرابلس وتم استقباله من طرف الباشا علي بن محمود وقام روثمان بعدة رحلات داخل إقليم طرابلس وأعدّ دراساته وتقاريره التي نشرها معهد العلوم في استكهولم آنذاك في نشرة جيورويلز تيد نينجار ) وتقول مسّ توللي في كتابها ( عشر سنوات في بلاط طرابلس ) عن الحاج عبدالرحمن البديري ( إنه رجل متنور جدافقد تكرر وجوده في بلاطات أوروبا الكبرى ومن طريقته المتميزة في تصرفاته المهذبة حظي الحاج عبدالرحمن بتقدير مختلف الملوك فمنحوه هدايا وأوسمة رفيعة ….. لقد قضى الحاج عبدالرحمن معظم حياته في أعمال السفارة بين بلده وبلاطات أوروبا فرقّ طبعه وارتقت أفكاره وأعماله أكثر من بقية مواطنيه ….) وعندما اعتلى لويس السادس عشر LOUIS XVI عرش فرنسا تم تجديد المعاهدات القديمة المبرمة بين فرنسا وولاية طرابلس وتوجه وفد طرابلسي برئاسة الحاج عبدالرحمن البديري واصطحب الوفد معه الهدايا تمثلت في عددكبير من الجياد والجمال وطيور النعام والصقور والغزلان والضبيان وعند صعودالحاج عبدالرحمن البديري إلى السفينة عائدًا إلى طرابلس كتب هذه الكلمات إلى الوزير الفرنسي دي سارتين :
من ضيعة الملك في طولون في 13 أغسطس سنة 1775 :
حضرة الوزير الجليل
لقد شملتموني منذ وصولي إلى فرنسا وخلال كل خطوة خطوتها عبر هذه المملكة الزاهرة برعايتكم فكنت محل ترحيب فيمدينة طولون TOULON وريم REIMSوعلى الخصوص عند زيارتي لأعتاب العرش الأمبراطوري ولسوف تظل هذه الذكرى حيّة في نفسي إلى الأبد وسأقض أحداثها إلى أطفالي ليحتفظوا بها من بعدي، ولتتفضلوا أيها العزيز الجليل بقبول أرقّ تحيات الوداع مقرونة بخالص تمنيات خادمكم المتفاني …
عبدالرحمن بديري

  • مصطفى امحمد الشعباني
    كاتب سياسي ودبلوماسي بعمل في سفارة ليبيا في  كانبيرا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى