Sliderالعراق

(( عيدُ المعلمِ ..وقفةٌ أخرى !!))

عبدالسادة البصري

عبد السادة البصري

في عام 1971 كنت في الصف الرابع الابتدائي في مدرسة الخليج العربي الابتدائية في جنوب الفاو ، جاءنا معلمٌ اسمُهُ ( ناصر قاسم ) ليدرّسنا اللغة العربية وآدابها ، وعدَنا حينها بأنّ أي طالب يحصل على أعلى الدرجات في مادة التعبير يمنحه هديّة ، ولأنني كنت دائما أحصل على أعلى الدرجات ، لهذا أحصل على هديته طبعاً .. كانت هداياه عبارة عن قصص وروايات ودواوين شعر .. أهداني البؤساء وأحدب نوتردام والشيخ والبحر وروايات نجيب محفوظ وكتاب المعلقات وديوان المتنبي وغيرها !! كنّا نتنافس وقتها على الفوز بهديته هذه ، فتفتّحت عيناي على القراءة واقتناء الكتب ، وبدأت أجمع من مصروفي اليومي مبلغاً لأشتري نهاية الشهر كتابا ، وشجّعني أبي ــ معلمي الأول طبعا ــ حيث اتفق مع صديقه النجّار ليصنع لي مكتبة صغيرة ، فكانت أول مكتبة تدخل بيتنا ، مازالت صورتها عالقة في خيالي لحد هذه اللحظة رغم ضياعها عند نزوحنا قسراً حينما اشتعلت الحرب العراقية الإيرانية !! تذكّرت معلمنا الأستاذ ناصر واهداءاته لي كلّما حصلت على درجة عالية في مادة الإنشاء ( التعبير ) ومكتبتي الصغيرة ــ هدية أبي يرحمه الله ــ وأنا اكتب الآن عن المعلم وعيده الذي مرّ قبل أربعة أيام ، فقارنت بين الأمس واليوم وما بينهما ، حيث كان المعلم في خمسينات وستينات وسبعينات القرن الماضي لوحده عالَماً خاصاً ، كنّا نقتدي بهندامه وسلوكه وطريقة تدريسه ، كما نتسابق لاستقباله قبل وصوله الى باب المدرسة لنحييه ونأخذ دراجته الهوائية منه ليدخل واثق الخطوة يمشي ملكاً ، فكان ساعتها أستاذاً بكل ما تعنيه هذه الكلمة ، لكن بدأت شدة الصعوبة في حياته تزداد شيئا فشيئا ، حينما اشتعلت الحرب زُجَّ به حطبا في اتونها فأكلت الكثير من المعلمين ، ثم الأسلوب الذي اتبعه النظام المقبور بتسييس التربية والتعليم وجعله ملكا صرفا لحزبه ونقل المعلمين الجيدين وغير المنتمين له الى وظائف غير تعليمية ومطاردة واعتقال وإعدام البعض الآخر ، وحينما أطبق الحصار على حياتنا اقتعد المعلمون الأرصفة يبيعون السجائر وأكياس النايلون وغيرها فتحطّمت معنوياتهم أمام التلاميذ وصار البعض من أبناء الذوات والمسؤولين يتهكمون على المعلم بل يتصرفون وفق ما يرغبون ، وبعد عام 2003 انحدر التعليم الى مستويات متدنية بسبب التشرذم والطائفية والخراب وسوسة الفساد التي نخرت كل شيء !! لهذا أقول للمعلم المعلم :ــ أتمنى أن يكون عيدك حقيقيا ، ويعود التعليم الى مستوياته العليا ، بل يصعد أكثر منها ، وأن نتخلّص من الفساد والخراب وتعود كما كنت أيها المربّي الفاضل ، وكما هي صورتك التي نُقِشَتْ في خيالات جيلنا والأجيال التي سبقتنا ، ويعود التدريس والتشجيع والدعم والاحترام ، لا أن تكون عرضة لأهواء الجهلة والفاسدين وبائعي الضمير ، فإننا الآن نعاني من تدني التدريس والتعليم في الابتدائية والمتوسطة والإعدادية وحتى الجامعة يا للأسف ، كما نعاني من عدم احترام المعلم والاعتداء عليه من قبل البعض من أولياء أمور التلاميذ غير الواعين لهيبة المعلم الشمعة التي تحترق لتنير الدرب دائما ، وبالتالي تدنّي نسب استيعاب الدروس والنجاح أيضا ، وإذا استمر الحال عمّا هو عليه فعلى التعليم السلام ويا لبؤس مستقبل الأجيال الحالية والقادمة !! ومع ذلك أقول :ــ كل آذار والمعلم الذي كاد أن يكون رسولاً بخير ولنقف له بإجلال واحترام لأنه من زرع فينا حب القراءة و الكتابة والأدب وحب الجمال .!!!!!!


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى