Sliderاستراليا

الجيل المسروق: لماذا نزعت أستراليا أبناء السكان الأصليين من أحضان أسرهم؟

المصدر / أذاعة SBS  عربي 

إحدى أكثر الممارسات قتامة في تاريخ أستراليا كانت انتزاع الآلاف من أطفال السكان الأصليين قسرا من أحضان عائلاتهم فيما عرف باسم الجيل المسروق

الجيل المسروق هو مصطلح يشير إلى أجيال من أطفال السكان الأصليين وسكان جزر مضيق توريس والذين تم أخذهم من عائلاتهم ومجتمعاتهم في مختلف أنحاء أستراليا بسبب السياسات الحكومية المطبقة في هذا الوقت.

أغلب أبناء الجيل المسروق تم أخذهم قسرا من عائلاتهم بداية من عام 1869، عند تأسيس مجلس فيكتوريا لحماية السكان الأصليين، وحتى عام 1969 عندما تم حل مجلس نيو ساوث ويلز لرعاية السكان الأصليين.

لكن عمليات الانتزاع تلك حدثت أيضا قبل وبعد تلك الفترة.

هؤلاء الأطفال تم وضعهم تحت رعاية عائلات بيضاء أو تبنتهم تلك العائلات رسميا، وبعضهم ذهب لدور الأيتام والرعاية وآخرون تم إيداعهم في مؤسسات حكومية مثل مؤسسات الرعاية والكنائس.

متى تم استخدام مصطلح “سرقة” أطفال السكان الأصليين؟

يعود استخدام مصطلح السرقة في الإشارة إلى تلك السياسات الحكومية إلى وقت مبكر للغاية، ففي عام 1915، أعلن عضو برلمان نيو ساوث ويلز Patrick McGarry اعتراضه على قانون تعديل حماية السكان الأصليين.

ووصف ماكجغراي انتزاع الأطفال من عائلاتهم دون سبب قاهر أنه يمنح المجلس السلطة “لسرقة الطفل من أحضان والديه.”

أما مصطلح “الجيل المسروق” فقد صكه لأول مرة البروفيسور بيتر ريد استاذ التاريخ في الجامعة الوطني الأسترالية خلال ورقته التي حملت عنوان “أجيال مسروقة: انتزاع أطفال السكان الأصليين في نيو ساوث ويلز من عام 1883 وحتى 1969” والتي نشرت في عام 1981.

وقال البروفيسور ريد في مقدمة نسخة حديثة من تلك الورقة: “عندما كتبت عن الأجيال المسروقة في عام 1981، كان من النادر الحديث عن انتزاع الأطفال.”

وخلال الثمانينات شاع استخدام مصطلح الجيل المسروق حتى وصلنا إلى عام 1997، عندما صدر التقرير الحكومي الأهم في تاريخ الجيل المسروق “أعيدوهم إلى المنزل” أو “Bringing Them Home”.

لكن هناك بعض الانتقادات لاستخدام المصطلح خرجت من شخصيات عامة مثل Keith Windschuttle و Andrew Bolt، ليبقى النقاش حول سياسات الجيل المسروق أحد النقاشات الأسترالية المستمرة حتى وقتنا هذا.

ما هي سياسات الجيل المسروق

نزع الأطفال من أسرهم كانت سياسة حكومية رسمية في أستراليا حتى عام 1969، واستمرت في بعض الولايات خلال السبعينات أيضا.

لكن هذه الممارسة بدأت منذ بداية الاستيطان الأوروبي في القارة تقريبا، حيث كان الأطفال يتم أخذهم ليعملوا كمرشدين وخدم وعمال في المزارع. وتم انشاء أول مؤسسة في باراماتا عام 1814 بهدف جعل أطفال السكان الأصليين “أكثر تحضرا”.

وبسبب اختلاف القوانين من ولاية لأخرى، كان هناك سياسات متنوعة لفصل الأطفال عن أسرهم. وأشرفت مجالس حماية السكان الأصليين أو الوزارةات الحكومية على تنفيذ تلك السياسات وعلى المؤسسات التي طبقتها.

تلك السياسات شملت أوامر لجعل أي طفل من السكان الأصليين يبلغ 14 عاما ملزم بالانخراط في قوة العمل وإلا يتم نزعه من مجتمعه ووضعه في إحدى المؤسسات الحكومية.

بعض الأطفال كان يتم انتزاعهم فقط لأنهم يتحدرون من شعوب السكان الأصليين أو لأنهم مختلطي العرق.

ولأن الكثير من السكان الأصليين كانوا يعيشون مفصولين عن باقي المجتمع ضمن إرساليات كنسية، فإن العائلات التي كانت ترفض الانتقال إلى تلك الإرساليات كان يتم تهديدهم بنزع أطفالهم.

كما كان يتم نزع الأطفال الذين يتم اعتبارهم مهملين من قبل السلطات، كان هذا يتم في البداية من خلال أمر محكمة، ثم بعد ذلك أصبح رهنا بتقييم مدير المنطقة التي يعيش فيها السكان الأصليين. أيضا كان غياب الأم والأب أو اليتم يجعل الطفل تحت وطأة الانتزاع الحكومي من مجتمعه.

السياسة الرسمية لنيو ساوث ويلز على سبيل المثال شملت الأسباب التالية لانتزاع الأطفال:

أن يكونوا من أبناء السكان الأصليين

أن يكونوا في عمر 14 عاما

أن يكونوا معرضين لخطر انحلال الأخلاق

أن يكونوا معرضين للإهمال

أن يتم إبعادهم عن محيط محطات سكن السكان الأصليين

أن يكونوا أيتاما

أن تكون خدمتهم مطلوبة

وكان الأطفال يتم إرسالهم إلى مؤسسات بعيدة عن منازلهم، وقد شمل تقرير “أعيدوهم للمنزل” خريطة توضح أماكن تلك المؤسسات في كل ولاية.

التخلي عن هوية السكان الأصليين

كان الأطفال يخضعون لسياسات تهدف إلى إذابتهم في المجتمع الأسترالي وطرح هويتهم كأطفال متحدرين من الشعوب الأولى في أستراليا. الكثير من هؤلاء الأطفال لم يتم إخبارهم أنهم من السكان الأصليين.

وفي بعض الحالات تم تغيير أسمائهم ومُنعوا من الحديث بلغتهم الأصلية، كما تم تعليم البعض الآخر أن يرفضوا هويتهم كسكان أصليين.

الإساءة والمعاملة المهينة

لم يتم تفريق الأطفال عن أسرهم فقط ولكن أيضا تم تفريق الأخ عن أخيه وأخته، وتوزيع العائلة الواحدة على أكثر من مؤسسة أو أسرة ليصبح من الصعب على الطفل تعقب أسرته الحقيقية والعودة إلى مجتمعه.

ولم يسمح للأطفال الذين تم انتزاعهم من زيارة أسرهم أو مجتمعهم، كما تم منع الآباء من زيارتهم في المؤسسات التي وضعوا بها. وكانت السلطات تدمر الخطابات المرسلة إلى الأطفال كما كانت تشرف على التواصل المحدود المتبقي لهم مع السكان الأصليين.

وقال تقرير أعيدوهم للمنزل: “وفي محاولة لفرض نمط الحياة للحضارة الأوروبية على هؤلاء الأطفال وعدم عودتهم إلى مجتمعهم الأصلي عند خروجهم من المؤسسة، كان يتم الحط من الانتماء للشعوب الأولى والازدراء العلني للسكان الأصليين.”

ولم يُسمح لأبناء الجيل المسروق بالمشاركة في أي نشاط ثقافي متعلق بالسكان الأصليين أو الحديث بلغتهم، ما أدى إلى خسارتهم لهويتهم الثقافية ومعرفتهم التقليدية بالأرض.

وكانت الظروف المعيشية في تلك المؤسسات قاسية، حيث كان حجم التمويل للفرد في بعض مؤسسات غرب أستراليا أقل من حجم التمويل للفرد في سجون الولاية.

وكان الأطفال معرضون دائما للاعتداءات الجنسية والضرب والاستغلال. ومن بين 502 شخص تم إجراء لقاءات معهم من أبناء الجيل المسروق في تقرير “أعيدوهم للمنزل” فإن واحد من كل عشرة قال إنه تعرض للاعتداء الجنسي سواء في مؤسسة الرعاية أو مكان العمل الذي أرسله مجلس الرعاية إليه.

ولم يتم إلحاق الكثير من الأطفال بأي شكل من أشكال التعليم النظامي، بل تم إرسالهم للعمل في المزارع كأيدي عاملة أو إلحاقهم بالخدمة المنزلية، ولم يتلق أغلبهم رواتب نظير هذا العمل.

النضال من أجل العدالة

بعد توقف تلك الممارسة المشينة، بدأ أفراد الجيل المسروق في نضالهم لتحقيق العدالة وإقرار الحكومة بتأثير ما حدث لهم على حياتهم.

وكان أحد أهم توصيات تقرير “أعيدوهم للمنزل” هو أن يقر البرلمان الأسترالي رسميا بمسؤوليته عن القوانين والسياسات والممارسات الخاصة بنزع الأطفال.

وبينما سارعت الكثير من الولايات لإصدار اعتذار رسمي على تورطهم في تلك الممارسات، إلا أن الكلمات التي استخدمها رئيس الوزراء جون هاورد في بيان الحكومة الفيدرالية تركت الكثيرين في حالة من الغضب.

هاورد عبر عن “ندمه العميق والمخلص للظلم الذي وقع.”

الضغط المستمر والدعم الشعبي لمطلب الاعتذار الرسمي من الحكومة الفيدرالية أدى إلى خروج كيفن راد في أول جلسة كاملة للبرلمان الفيدرالي بعد انتخابه رئيسا للوزراء بإصدار اعتذار رسمي.

كيفن رود رئيس الوزراء الاسترالي الأسبق

الاعتذار الذي صدر في 13 فبراير شباط من عام 2008 كان أحد وعود راد الانتخابية الأساسية في مواجهة جون هاورد، الذي تقلد منصب رئيس الوزراء لثاني أطول فترة في تاريخ أستراليا بعد روبرت مينزيس.

كما أصدرت مؤسسات الرعاية والكنائس التي شاركت في تلك الممارسات اعتذارات رسمية أيضا بعد صدور تقرير “أعيدوهم للمنزل”.

التعويضات

أحد التوصيات الرئيسية للتقرير كانت تقديم تعويضات مادية للأشخاص الذين تم انتزاعهم من عائلاتهم. وبعد فشل عدد من القضايا في الحصول على تعويضات من محاكم الولايات، عقدت مفوضية حقوق الإنسان ومركز الدفاع عن المصالح العامة مؤتمر في عام 2001 من أجل استكشاف طرق تحقيق العدالة لأفراد الجيل المسروق.

وفي عام 2002 تم منح أول شخص من أفراد الجيل المسروق تعويضا في نيو ساوث ويلز من محكمة تعويضات الضحاي، عن الاعتداء الجنسي والإصابات التي لحقت بها بعد أن انتزعتها السلطات من منزلها.

وفي عام 2007 كان Bruce Trevorrow أول شخص من الجيل المسروق يحصل على تعويض من الحكومة بسبب نزعه من أسرته وهو طفل.

ومنذ ذلك الوقت بدأت حكومات الولايات في وضع برامج لتعويض أفراد الجيل المسروق بما في ذلك تسامانيا عام 2006، وجنوب أستراليا عام 2015 ونيو ساوث ويلز عام 2016. ومنحت باقي الولايات الضحايا دفعات قليلة لمرة واحدة على سبيل التعويض.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى