مقالات

عن السيّادة وخرافات أخرى

أحمد عبد الحسين 

عندي لكم خبران، واحد سيئ والآخر جيّد. لكنْ قبل ذلك لنتحدث عن أمرٍ أهمّ.
إذا سألك أحد ما عن سيادة العراق وقال لك بصوت الصديقة “دورا”: أين هي السيادة؟ أنا لا أراها. فقل له بلسان موزو: إنها على جسر الجمهوريّة، وأحياناً يحلو لها التسكّع على جسر السنك أيضاً.
أهل الحلّ والعقد عندنا من كبار السياسيين وصغارهم لا يتذكرون سيادة العراق إلا حين تطأ أقدام المحتجين رأس الجسر في طريقهم إلى المنطقة الخضراء، هناك حيث يأكل ويوصوص رجال ونساء لا يرون سيادة منقوصة في احتلال أرض عراقية شمالاً أو جنوباً ولا في تدخل أجنبيّ سافر ومذلّ، ولا في ارتهان القرار العراقيّ لضباط في دول أجنبية، ولا في قصف صاروخيّ محليّ أو خارجيّ لمناطق عراقية، ولا في شلّ الاقتصاد لصالح دول الجوار، ولا في قطع الأنهار عنّا ولا في قدرة كلّ حامل سلاح على خطف وقتل من يشاء ولا في ارتباط مسلحين نافذين بمؤسسات عسكرية وأمنية أجنبية ولا في التمويل الخارجي للأحزاب ولا في إغراق العراق بالمخدرات ولا في تمزيق ميزانيات العراق لترقيع ميزانيات جيران ولا في الضحك على الدولة وإعلاء الطائفة ثم العشيرة على حسابها.
كلّ تلك الموارد لا تنال من سيادتنا الحديدية شيئاً، لكنّ الآنسة “سيادة” تصرخ لله حين يدوس شابّ عراقيّ بحذائه القديم على أسفلت جسر الجمهورية، تماماً في الموضع الذي ذهب فيه خيرة شبّان العراق قنصاً أو رمياً بالدخانيات على الرؤوس. فعلى هذا الجسر فقط تبدأ سيادة العراق وتنتهي.
أول أمس قال السيّد إياد علاوي إن العملية السياسة انتهت. نعرف ذلك لكنْ لا أحد يجرؤ على قوله صراحة. الخوف من قول هذه الجملة يشبه خوف مَنْ يريد إبلاغ أمّ بموت ابنها، ستظلّ تنظر إليه باعتباره هو من قتله لا مجرد ناقل خبر. العملية السياسيّة ماتت لا بسبب الاحتجاجات كما يريد الساسة أن يصوروا الأمر، بل للأسباب المذكورة أعلاه، وما وجود الشبّان الصدريين المحتجين الآن في مرابع الخضراء سوى إعلان للخبر ليس إلا.
لكنْ قد تكون هذه أنباء جيدة. فموت العملية السياسية يمكن أن يكون نافعاً لنا، فرصة لمراجعة أنفسنا والشروع بعقد اجتماعي جديد وتعديل الدستور وبناء مؤسسات رصينة والتخلص من الفساد والمحاصصة اللتين أوصلتنا إلى قعر الهاوية الذي نحن فيه.
قلت: عندي خبران، الأول سيئ والآخر جيّد. سنبدأ بالسيئ: لقد ماتت العملية السياسية في العراق. أما الخبر الجيّد فهو أن العملية السياسية في العراق ..ماتت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى