تحقيقات

تمور بدرة تتوارى عن الأسواق ومطالبات بوضع برامج وطنية لإحياء بساتين النخيل في المناطق الحدودية

جبار بچاي

في سوق بدرة القديم يقف أبو منهل،  بائع التمور منذ ثمانينيات القرن الماضي يتأمل سلال التمر المعروضة في محله الصغير التي تحتوي أصنافاً تقليدية من التمور بغياب الأصناف الشهيرة من تمور بدرة كالبرحي ، المكتوم ، جمال الدين ، العمراني ، التبرزل ، الخضراوي، البربن ، الابراهيمي ، اسطة عمران والعويدي وغيرها من الاصناف التي تتميز بانتاجها بساتين قضاء بدرة ( 80 كم ) شرقي محافظة واسط .

يعود الرجل الستيني الى منزله مع انقضاء  يومه وهو لم يبع سوى بضعة كيلوات من الخستاوي  والدكل وبعض الانواع التقليدية من التمر بعد تراجع انتاج الاصناف الفريدة من التمور التي كانت تشتهر بها بساتين قضاء بدرة .

ويعزو أبو منهل الذي ورث المهنة عن أبيه تراجع انتاج الاصناف الجيدة لسببين رئيسيين هما ، شح المياه والحرائق التي طالت في السنوات الاخيرة مساحات واسعة من البساتين إضافة الى أضرار حرب ( 1981 ــ 1988 ) .

” ظاهرة إحراق بساتين بدرة في السنوات الاخيرة عادة ما تقيد ضد فاعل مجهول ولم تمسك السلطات به ولو مرة واحدة ” يقول أبو منهل مضيفاً أن ” الفاعل يتعمد الخبث في طريقة الحرق، إذ يستهدف جذع النخلة وصولاً إلى قلبها، لتموت بصورة نهائية دون أمل بعودةِ الحياة لها.”

يوضح بائع التمر الوحيد من أبناء جيله في سوق بدرة أن ” تراجع انتاج التمور وفقدان الأصناف الفريدة يعود إلى مطلعِ ثمانينيّات القرن الماضي، حيث الحرب الايرانية العراقية وترك البساتين من قبل أصحابها الذين هاجروا الى مناطق اخرى بسبب القصف وتمركز الجيش في بساتينهم.” مشيراً الى أن ” شح المياه وقطعها من قبل الجانب الايراني جاء  ليقضي على ما تبقى من بساتين بدرة .”

 أرشدنا أبو منهل الى  مقهى قديم مسقف بجذوع النخيل يتوسط سوق المدينة ويجلس فيه بعض أصحاب البساتين الذين أصبحوا يشترون التمور والفواكه من السوق بعد أن أصبحت بساتينهم أراضٍ جرداء.

ويؤكد أحد أصحاب البساتين ويدعى حميد الملا  أن ” الحرائق المجهولة التي فتكت بمساحات واسعة من البساتين وشحة مياه السقي كانتا سببا رئيساً لتراجع انتاج تمور بدرة بنسبة 80 بالمئة يضاف الى ذلك قضية تتعلق بنزاعات الملكية حول قسم من البساتين.”

وأضاف ” تصنف بدرة أحد أهم المناطق التي تكثر فيها بساتين النخيل والفواكه، التي كانت تحتوي أصنافاً فريدة ونادرة من التمور العراقية قبل أن تطالها آلة الحرب في عقد الثمانينيات.”

ويقول إن ” التراجع الكبير في الإنتاج بدا واضحاً ، فبعد أن كانت بدرة مدينة مصدرة للتمور العراقية الشهيرة مثل البرحي والمكتوم والقيطاز وجمال الدين واسطة عمران والبربن وغيرها نجد أسواقها خالية من تلك الأصناف ومحال بيع التمور تكاد تكون مقفلة أو أن أصحابها غيروا أجناسها الى مهن أخرى.”

وتحتوي محافظة واسط على مساحات كبيرة من بساتين النخيل والفواكه تصل الى نحو 23 الف دونم موزعة في عدة مناطق ، وتشتهر تلك البساتين بأشجار الفواكه المختلفة والنخيل.

 يقول مدير اعلام زراعة واسط ، علي المرشد ” إكراماً لعمتنا النخلة ومن أجل تحفيز وتشجيع أصحاب بساتين النخيل نحو الاهتمام بالإنتاج ، اعتادت مديرية الزراعة أن تقيم سنويا معرضاً للتمور المنتجة في المحافظة بمشاركة الشعب الزراعية الفرعية وأصحاب البساتين إضافة الى محطة نخيل الكوت التي تقوم بدورها بعرض عشرات الأصناف من التمور المتوفرة لديها.”

ويكشف المرشد أن ” معرض تمور واسط تتخلله ندوات إرشادية وبحثية بمشاركة باحثين مختصين في شؤون النخيل والبساتين ويهدف بالأساس الى التعرف على مشاكل الانتاج والضرورات المطلوبة للمحافظة عليه.”

وأضاف أن” المعرض السنوي لتمور واسط مهم لأصحاب البساتين ، فهم يطلعون على طبيعة الإنتاج وعلى الأصناف الموجودة وتناول المشاكل والمعوقات التي تواجههم وبالتالي يتم إعداد ورقة عمل تقدم الى مديرية الزراعة بهدف تذليل العقبات أمامهم وحل المشاكل لاسيما موضوع المكافحة وشحة المياه بالنسبة الى بساتين قضاء بدرة.”

من جانبه طالب قائممقام قضاء بدرة جعفر عبد الجبار محمد الحكومة المركزية بـ ” ضرورة وضع برامج وطنية لإحياء بساتين النخيل خاصة في المناطق الحدودية وتوفير كل السبل الكفيلة لإعادة الحياة لها بعد أن أصبحت مجرد مساحات كبيرة تملؤها الجذوع والسعف.”

وأشار الى أن ” قضية تراجع التمور في مدينة بدرة أصبحت واضحة للعيان وبلغ هذا التراجع نسبة كبيرة نتيجة الإهمال الحكومي وغيره من العوامل والأسباب التي ساعدت على ذلك كالحرائق التي طالت مساحات واسعة من البساتين في الاعوام الماضية الى جانب شحة المياه بسبب توقف مياه نهر الكلال القادم من الأراضي الايرانية.”  

واحتل العراق لعقود طويلة المركز الأول في إنتاج التمور واحتفظ بالمرتبة الأولى عالمياً من حيث أشجار النخيل والإنتاج السنوي، وبعد أن كانت تتوافر لديه  38 % من مجموع أشجار النخيل في العالم تحول اليوم إلى المركز السادس في الإنتاج وبعد أن كان يمتلك حوالي 31 مليون نخلة أصبح الآن يمتلك اقل من نصف العدد السابق بسبب الحروب التي فتكت بنخيل العراق وبساتينه سيما في المناطق الحدودية الشرقية منذ العام 1980 ، إضافة إلى الإصابة بالأمراض المختلفة ومنها حشرتي الحميرة والدوباس.

يذكر أن تمور الزهدي والساير والخضراوي والحلاوي والخستاوي التي تشتهر بها بساتين النخيل في العراق  تمثل أهم الاصناف التجارية، لكن تمر الزهدي كان أكثرها انتاجاً، حيث يبلغ المعدل السنوي له (321) الف طن ، وفي العام الماضي صدر العراق نحو 600 ألف طن من التمور الى دول مختلفة .

 


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى