ادب وتراث

كاظمية والراديو : الامم المنتحرة !!!

قصة قصيرة : طعمة البسام
بعد ان نشبت الحرب اظفارها فينا اشترت السيدة ( كاظمية ) راديو ترانسستور صغير لتستمع لاخر أخبار الحرب … لم يكن لها عهد بالراديوات من قبل ، ولكن هول الحرب واخبارها المتضاربة دفعها لشراء راديو ذات الموجة الطويلة الواحدة ، بدينارين ونصف الدينار … الامر الاساسي الذي دفع ” كاظمية ” الى شراء الراديو ليس اشتعال الحرب فحسب بل سحب مواليد ابنها “حميد ” الذي بلغ توا الثامنة عشرة من عمره ، وحين راجع حميد دائرة تجنيده اعطوه كتابه بشماله ودفعوا به الى معسكر تدريب الشعيبة ، لتهيئته كمقاتل للمشاركة في الحرب ، وفي استماعها المستمر لنشرات الاخبار في الراديو كان تمني النفس في ان تعرف كيف هو حال ابنها “حميّد ” كما كانت تحب ان تسميه تدللا ، ولكن اذاعات بغداد ولندن وصوت امريكا ومونت كارلو لم تاتِ على ذكر اسم ” حميّد” ابدا ،الامر الذي اثار قلق كاظمية كثيرا ، وحين يعود من اجازته بعد غيبة تمتد لاكثر من شهر تسأله امه عن الاذاعات التي لا تذكر اخباره … ينظر اليها حميد مشفقا ثم يقبلها على راسها ، ثم يقول لها بحكمة مبكرة : الاذاعات للساسة والمغنين والراقصات وليست لنا نحن الجنود !!!
ادمنت “كاظمية ” الاستماع الى الاخبار … كل يوم تستمع الى اكثر من سبع نشرات اخبارية تبدءها صباحا في الساعة الثامنة بنشرة اخبار اذاعة الكويت … ثم الى نشرات اخبار اذاعة بغداد وابرزها في الثانية والنصف من ظهيرة كل يوم وفي الليل تستمع تقريبا الى كل نشرات راديو البي بي سي ومونت كارلو وصوت القاهرة كانت تثق كما تقول باخبار “لنده” وتقصد لندن … وبعد نشرات الاخبار تتابع كاظمية التحليلات السياسية .. وفي اليوم التالي تناقش زوجها عند الافطار في تلك الاخبار والتحليلات … ظلت كاظمية كذلك سنوات طويلة … اشترت بعد ذلك راديو اكبر وبموجات اكثر.. اضحى الراديو صديقا لا تفارقه ابدا اكتشفت اذاعات جديدة … كانت اذاعة موسكو الناطقة باسم الحكومة السوفيتية الاكثر مقتا عندها تقول انها اذاعة ثقيلة : روس يتكلمون العربية … وبسبب ادمانها الطويل على الاخبار حفظت اسماء رؤوساء الدول والعواصم وعرفت اسماء امناء الامم المتحدة والجامعة العربية والوحدة الاوربية واعضاء منظمة الاسيان .. وعرفت اسماء وزراء خارجية نصف دول العالم ، وعرفت اسماء سيدات امريكا الاولى ابتداء من زوجة ريغان الى زوجة ترامب … وتوصلت الى قناعة غريبة اذ قالت لزوجها يوما : ان الاخبار تدوين يومي لتاريخ العالم … ذهل زوجها لعبارة تفوهت بها امرأة كل ثقافتها الاستماع الى الاخبار … غير انه التفت اليها وقال: من يا محلل سياسي سمعتِ هذه العبارة ؟؟؟
مضى الان اكثر من ثلاثين سنة على الاستماع المتواصل للراديو ومع اختفاء الراديو واختصاره على اصحاب السيارات مع ظهور موجة التلفزيون ثم النت ظلت كاظمية وفية لعشقها الاول فما زالت الى الان تحتفظ براديو الترانسستور القديم ذات الموجة الواحدة..ولديها الان نحو عشرين جهاز مختلف الاشكال والاحجام والالوان كانت قد اشترتها في اوقات متفاوته وتحتفظ بها كموروث عائلي …
ثم ان “حميّد” اشترى مؤخرا لامه نقال حديث بمليون وربع المليون دينار وقدمه لها كهدية .. وظل معها اسبوعا كاملا يعلمها كيف تستخدمه … دون ان تستطع كيف تتعامل معه وقالت له : اذا ما بيه موجه قصيرة ما اريده . … ثم القت به جانبا وعادت الى صديقها الراديو ….
ورغم استماعها للاخبار لثلاثة عقود متواصلة من السنين فان كاظمية الى الان تسمي الامم المتحدة ………….. الامم المنتحرة !!!!!!!


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى