مقالات

مطالبات عراقية بمحاكمة المالكي

ناجحة كاظم
أثلجت الدعوى القضائية، التي رفعها الفريق الركن عبدالواحد شنان آل رباط، رئيس أركان الجيش العراقي السابق أمام المحكمة العليا في بريطانيا، مطالباً فيها بتقديم رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير للمحاكمة، قلوب العراقيين، وصارت مادة أحاديثهم في بيوتهم وأماكن عملهم ومقاهيهم وأصبحت سيارات النقل العام في العراق منتديات لمناقشة هذه الدعوى.
وعلى الرغم من أن هذه الدعوى قد لا تثمر عن نتائج مادية ملموسة، إلا أن العراقيين بات ينطبق عليهم التشبيه القائل (كالغريق الذي يتشبث بقشة)، فهم بعد المآسي والكوارث والتفجيرات المستمرة التي يذوقونها يومياً منذ 14 عاماً يكتفون بأن يصل إلى سمع العالم الأصم كلمة واحدة عما يعانون تجعل العالم يكف عن تفرجه الأبله على مأساتهم والوقوف معهم وعمل أي شيء لتخليصهم مما هم في معمعته، فضلاً عن أن هذه الدعوى منحتهم الشعور بكيانهم وأن العراقي ذات تطالب بحقوقها وليس موضوعاً للبحث.
فهل يمكن لهذه الدعوى أن تثمر عن شيء؟
يقول نزار العنبكي أستاذ القانون الدولي، المقيم في عمان حالياً، إن الجنود البريطانيين ارتكبوا جرائم كبيرة وكثيرة، وكانت الحرب، التي اشتركوا فيها على العراق، عدوانية وغير مشروعة ولكن بعد اثبات هذه الجرائم يمكن إقامة دعاوى جنائية أمام المحاكم البريطانية والأميركية، لان إقامتها أمام المحكمة الجنائية الدولية يصطدم بعقبات إجرائية، ويفترض بهيئة الأمم المتحدة أن تهتم بهذا لأمر، ولكن المعتدين أعضاء في مجلس الأمن وسيستخدمون حق النقض (الفيتو) لمجرد طلب مناقشة هذا العدوان أمام المجلس.
ومع ذلك كله، فإن هذه المحاكمة التي تجري، الآن، لرئيس الوزراء البريطاني توني بلير، لا تخلو من فائدة إعلامية مدوية وإقامة علاقات عامة يمكن إيصال القضية العراقية، من خلالها، إلى أسماع العالم كما أنها تربك من ارتكب الجريمة، وترعب من مازال يقترف الجرائم ضد العراقيين إلى الآن، والفائدة الأكبر هي عندما تستطيع مثل هذه المحاكم القضاء على المستقبل السياسي للمجرمين.
وبالتزامن مع هذه المحاكمة، وجهت شاعرة عراقية كبيرة هي الأكاديمية بشرى البستاني نداءً طالبت فيه بمحاكمة المالكي ومن تسبب معه في تدمير “حاضنة التاريخ وأم دجلة الموصل الحدباء أمام القضاء الدولي وشعب العراق”، كما جاء في النداء، الذي أدان مجلس النواب واللجنة التي شكلها للتحقيق في احتلال الموصل، وأخفت هذه اللجنة النتائج تستراً على المجرمين.
استهلت البستاني نداءها بكلام انطوى على آهة حرى: “لقد انتهت الموصل، أم دجلة وحاضنة التاريخ.. أٌعرق مدن العراق، وأقدمها.. هكذا يرى من يمرّ بأنقاضها اليوم.. سُحقت بنيتها التحتية، ونُسفت مصانعها ومعاملها ومدارسها وجامعاتها، وهُدمت وأُحرقت مستشفياتها ومذاخرها، وقتل علماؤها والمتميزون من أكاديمييها، وتشرد أكثر من ثلاثة أرباع المليون موصلي من الفقراء الأبرياء، ورُدمت آلاف العائلات البريئة تحت أنقاض بيوتها وما زالت الجثث تحت تلك الأنقاض، وما زالت أرواح الآلاف من شباب العراق وجنده النبلاء الذين استشهدوا ضحايا تلك المؤامرة الدنيئة تحوم أرواحهم تحت سماء الموصل الشهيدة تنتظر القصاص”.
إن ما يؤذي العراقيين ويوجعهم هو أن ما يحدث لهم يتواصل بعمد، والمجرم الأول في أمان يواصل السلب والنهب من دمهم ويشرّدهم من ديارهم.
من هذا الواقع الأسود الجريح ولد هذا النداء، الذي جاء فيه: “باسم كل الأمهات العراقيات الثكالى في الوسط والجنوب أطالب بتقديم المتهمين بهذه الجريمة الكبرى إلى المحاكمة أمام القضاء الدولي وشعب العراق، فلا بد للجريمة من مجرمين.. فأين هم؟ ولابد للمجرمين من نيل عقابهم، فلماذا نجوا؟ وهؤلاء المجرمون يعرفهم الشعب العراقي وقد حقق مجلس النواب بأمرهم، وللأسف، اختفت النتائج التي تكشفت أمام لجنة التحقيق، التي شكلها المجلس، بعد أن تأكد لها الفاعل الحقيقي بدءا من رئيس الوزراء السابق إلى آخر ضابط استبدل شرفه العسكري بملابس الاستسلام..وإذا كان في العراق معتصمٌ واحد، فليرفع هذا الطلبَ إلى محكمةٍ عادلة يشكلها الشعب العراقي بعيداً عن رؤوس النهب والخيانة وقريباً من عدالة السماء”.
وإذا كانت القضية، التي يحاكم عليها بلير قد انتهت بغزو العراق وانسحاب الغزاة وبقيت آثارها فإن جريمة تسليم الموصل إلى داعش وتدميرها وقتل أهلها، فيما بعد، ماثلة ومستمرة، لذلك حظي نداء الشاعرة باهتمام واسع على شبكات التواصل الاجتماعي، وأبدى عراقيون كثيرون استعدادهم للاتصال بالمحامي عبد الحق العاني، الذي تولى قضية الفريق الركن عبدالواحد شنان آل رباط، رئيس أركان الجيش العراقي السابق أمام المحكمة العليا في بريطانيا، لكي يتولى رفع قضية التآمر على محافظة نينوى وعاصمتها مدينة الموصل، وإذا حدث ونجحت القضية وتم الاقتصاص من الفاعلين فسيكون لذلك تأثير حسن في كبح روح الانتقام والثأر، المتوقع أن تندلع بعد القضاء على داعش وطرده من المحافظة.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى