Sliderثقافة وفنون

عادت حليمة لعادتها القديمة

وارد بدر السالم 
عادت حليمة ..

وارد بدر السالم
وكأنها بقيت صغيرةً كفرخ الحمام* ترابط في عش قريتنا مثل كوزِ ينقّط الماءَ للزرازير والعابرين من الغرباء* وكأنّ حليمة القديمة تعود الى شاطئها البكر معي* تغرّد مثل البلابل* وتنوح – وسط القصب- كنايٍ وحيد* تنطّ كبطة الماء بين الدغل والموج * توزع السنابل على العصافير* وترتّق فجوات السقيفة بأذيال نفنوفها * وتحدّث الشمس بما تشتهي كأنها إلهٌ صغير*
تعود حليمة الى أجمل عاداتها:
• تنقّع شعرها الطويل في ساقية قريتنا. فتعلق به الأسماكُ الصغيرة وأوراق الصفصاف الذابلة وزغب الدجاج والعصافير.
• تذرع البساتين في الظهيرة تطارد جِراء الكلاب وفراخ البط.
• تقود الجواميسَ الى مثاباتها. وتعلف الأبقار من أي بستان يصادفها.
• تأكل من الحقول ما لذّ لها من التمر والحندقوق وتين المزارع.
تذكّرني حليمة بعادتها القديمة :
• في التخفي وراء الطيور وفوق الشجر وتحت موجات نهرنا القديم.
• تخاتل كلاب القرية. تغافلني وتدفن نفسها بين الشمبلان والقصب. فتصبح مثلَ حوريةٍ في النهر السريع . لا أرى إلا ذؤاباتِ شعرها. لكنني من فرط الحب لها أخاف عليها من لدغ الأفاعي وعضّات كُليب الماء؛ فكنت اصيح في الظهيرة بأعلى ما أستطيع : أينك يا حليمة.. لا تمازحي النهر والفيضان. لا تلعبي مع الموت والاختفاء. غير أنها تصمت مثل وردةٍ غريقة. ثم تنطّ كغرنوق أثقلته المياه والأعشاب. مبللة العينين. نقية مثل الصَّدَفَة.
(حليمة قصبة خضراء اصبحت ناياً فيما بعد)
( في الغروب يتبعثر القمر على شعرها الأسود فتشتعل قريتنا بالذهب الأصفر)
كانت حليمة توزع عاداتها بطيبة قلب:
• تزرع على دشاديش الفلاحين عبّاد الشمس وبذور الرشاد.
• تضع كحلَ الأنوثة على عيون الصبايا الصغيرات.
• تحدّث الأسماك – كأنها سمكة- حتى تبيتُ ليلتها تحت الماء.
• تغزل مع عجائز القرية صوف الخراف.
• تبكّر مع الفلاحين.
• تخبز في تنور البيت. وتطير مع الدخان.
من عاداتها القديمة:
• نعبر النهر؛ أنا وهي ؛ شبه عاريين الى الضفة الأخرى * فتلتم حولنا الأعشاب والضفادع وصِلال الأفاعي الصغيرة * نخبط الماء على عجلٍ وأنا أمسك بيدها الناعمة مثل ماء الندى * وفي منتصف النهر تصرخ حليمة وتشير الى صدرها المرتجف * أمد يدي داخل صدرها الصغير* وألتقطُ حلمتها – عفواً .. التقطُ سمكة صغيرة علقت في سوتيانها الأحمر. فأوبّخها : لا تخافي * في النهر عادات لا تعرفينها كهذه السمكة التي تلعق عسلاً في نهدك الصغير * وحليمة لا تخاف فيضان النهر* تلتقط الأفاعي من أذيالها وتلوّح بها لصويحباتها * ثم تغني ما شاء لها الغناء* وتجري مع الفيضان مثل القصبة*
تعود حليمة لعادتها القديمة * وكأنّ السنوات لم تجرِ في عروقها *
وكأنّ الأنوثة قطرةُ دم يبتلعها النهر وتمضي*
لتبقى
حليمة
في
عادتها
القديمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى