Sliderثقافة وفنون

جامعة السلطان قابوس في عمان تقيم ندوة افتراضية بمشاركة وزير الثقافة العراقي

وزير الثقافة يقدم رؤية شاملة عن الثقافة العراقية ودور الجامعات في صناعة الوعي الجمعي

قال وزير الثقافة والسياحة والآثار الدكتور حسن ناظم : لقد واجهنا تحديات الجائحة، واملاءاتها، واغلاقاتها، وما أعقبها من أزمةٍ ماليةٍ بإعادة بناء البيت الداخلي، ووضع ستراتيجية لمهماتٍ أُخرى  للثقافة في بناء الدولة غير مهماتها التقليدية كوزارة أنشطةٍ هدفها التلاقي.
جاء ذلك خلال ندوةٍ افتراضيةٍ أقامتها كلية الآداب والعلوم الاجتماعية بجامعة السلطان قابوس في موسمها الثقافي لفصل الربيع لعام2021م بالتعاون مع النادي الثقافي ومنصة الفنر للعلم والمعرفة، مساء الاثنين ضيَّفت فيها الدكتور حسن ناظم للحديث عن (الثقافة العربية في ظل التحديات الراهنة) أدارها الدكتور سعيد السيابي، والشاعر والكاتب عبدالرزاق الربيعي نائب رئيس مجلس إدارة النادي .
قدم الربيعي نبذةً عن الناقد والمترجم والأكاديمي الدكتور حسن ناظم أستاذ كرسي اليونسكو في جامعة الكوفة الذي عمل في الحقل الأكاديمي منذ عام 1996، فدرّس اللغة العربية، وآدابها في جامعاتٍ، ومعاهد عربية، وأشرف على أطروحاتٍ أكاديميةٍ، وبحوثٍ في جامعاتٍ عربيةٍ وبعض مراكز البحوث الغربية، كما كتب مقرراً دراسياً، ودرّسه للكلية الإسلامية للدراسات العليا، وجامعة ميدلسكس في لندن، وقام بتدريس الأدب الحديث، و البلاغة، ومواد أخرى ذات صلة باللغة العربية وآدابها، وله العديد من الأعمال بما في ذلك: [الشعرية المفقودة: ( تحرير وتقديم) دراسات وشهادات عن الشاعر محمود البريكان] و[النص والحياة] ، و[المجتمع المدني: تاريخ نقدي (إعداد)] ،و[أنسنة الشعر: مدخل إلى حداثة أخرى، فوزي كريم نموذجاً] والكثير من الأعمال الأخرى.
وأجاب السيد الوزير عن سؤال الشاعر عبد الرزاق الربيعي : ماذا بقي من ذاكرتك عن مرحلة الدراسة الجامعية بالقول : لابدَّ من الاعتراف أنَّ دور الجامعة في خلق الحركات الأدبية والفكرية في العالم العربي قد انحسر كثيراً وأسباب ذلك عديدة ومتنوعة، مضيفاً : في يومٍ ما كانت الجامعة هي الموئل لتجديد الأدب والفكر، ولظهور مفكرين كبار في مصر والعراق وسوريا ولبنان كبلدان أساسية صاغت حركات التجديد في الأدب والفكر العربي.
كانت دار المعلمين العالية الحاضنة، وهي التي فرخت تجديد الأدب، وحركة الشعر الحر فظهر السياب، ونازك الملائكة،والبياتي، ومحمود البريكان وإنْ كان بعيداً عن الجو الأكاديمي.
في مصر كان هناك دورٌ لجامعة القاهرة، وكانت الجامعات هي المكان الذي ينظر إليه على أنَّه بناء يتأسس فيه أدبٌ جديدٌ.
وأشار السيد الوزير إلى افتقار الجامعات حالياً إلى الحرية الواسعة التي تُمكّن الجامعة من أن تكون عقلاً للمجتمع.
وعن القراءات التي أثرت به أجاب : لقد ولدتُ في النجف وهي بيئة ثقافية أدبية يفتح المرء عينيه فيها على القرآن الكريم، ونهج البلاغة، والجواهري، والمتنبي، وقد ظلت هذه المؤثرات عالقةً بي وأثرت في طبيعة التكوين والذائقة اللغوية، وعشق اللغة العربية فقراءاتنا الأولى سلحتنا بنطقٍ سليم، وامساكٍ معينٍ بناصية اللغة لكنها لم توفر لنا منهجيةً، ولاحقاً اطلعنا على منتجات العالم الغربي، وتعلمنا لغات أخرى فكانت المناهج سبيلاً جديداً للنظر بعينٍ أخرى إلى ما تعلمناه سابقاً،  والآن أنظر إلى الجواهري بغير النظرة التي كنتُ أنظر بها إليه.
مضيفاً :عندما كنتُ في نشأتي الأولى تعرضت إلى الهيمنة بين القطبين الجواهري، والسياب، وأتقنت اللغة العربية، وتلقفتنا قصيدة النثر.
وسأل الدكتور سعيد السيابي عن مدى محافظة الجامعات على دورها، فأجاب السيد الوزير بالقول : إنَّ الجامعات برغم تباين مقرراتها الدراسية في المذاهب الأدبية، والمناهج النقدية، والأدب العالمي، ومن مراقبتي لها في أكثر من بلدٍ عربيٍّ درَّستُ فيه  توجد فيها نمطيةٌ وبطءٌ في التواصل مع ما ينتج خارج إطار العالم العربي فالمذاهب كالكلاسيكية والرومانسية، والمناهج النفسية والشكلية لا تواكب ما يحدث من تطورات في الغرب ليس في الجامعات فحسب بل حتى في الأوساط الثقافية، فالسياسة هي التي تحكمها، وحين نتأمل ما يتسرب إلى الجامعات وإلى عالم النقد الأدبي في العالم العربي لا نجد خطةً واضحةً لاستقدام المناهج ولا يبدو للجامعة أي تأثير، فلا نستطيع أن نقول أنَّ هذه الجامعة استجلبت البنيوية مثلاً وإنما هناك مجموعة مترجمين ترجموا كتباً عن هذه المناهج فالمسألة محكومة بالاعتباطية، فمثلاً حين كتب عبد الله الغذامي سنة 200‪0م عن منهج النقد الثقافي، كان هذا المنهج موجوداً في الغرب منذ الستينيات وهو مرافق للبنيوية والتفكيكية.
في زمن الحكم الدكتاتوري اعتقدتُ أنَّ الكتابة بهذا النوع من المناهج سببه أنه لا يثير سخط أحدٍ كمناهج التحليل الماركسي أو الاجتماعي أو الثقافي للأدب لأنَّها تتولى فحص النصوص وعلاقتها بالناس، فالبنيوية تذهب إلى اللغة دون أن تمتد إلى الموضوعات السياسية والايديولوجية، والمحللون والنقاد من اليساريين والماركسيين لجأوا إلى التحليلات الشكلية نشداناً للأمان، فيمكن القول بوجود ربط بين القمع، ووجود مناهج نقدية معينة.
وسُئل: هل يرقى الدرس النقدي إلى مستوى المسؤولية؟
فأجاب : لا أحب التعميم، فهناك جامعات تحرص على رصانتها من خلال طبيعة الاطروحات المتماسكة في مخرجاتها على مستوى الدراسات العليا ويشار لها بالبنان فالروح حية في العراق بفعل المبادرات الفردية لا المؤسسات التي تعاني من نقصٍ كبيرٍ في الكفاءات؛ فجيلنا في الثمانينيات درس على يد أساتذة تخرجوا في جامعاتٍ غربيةٍ أو عربية مرموقة أمثال الدكتور علي جواد الطاهر، والدكتور عناد غزوان لكن الحرب في الثمانينيات والحصار جعلنا نخسر هذه الكفاءات بالموت أو الهجرة، ولا نجد لهم تعويضاً، وغيابهم هو الذي أضعف الإنتاج الثقافي إجمالاً، والحركة النقدية، وأضعف مقدار ما تسهم به الجامعات من تجديدٍ للأدب، واستثني مبادرات عمالقة وكبار وأساتذة جدد في العراق.
وبشأن علاقة العراق بالمحيط العربي أشار السيد الوزير إلى وجود قطيعة مع العالم العربي منذ سنة 200‪3 م وسببها معضلة السياسة، وأنَّه حاول عندما كان يدرِّس في جامعة الكوفة أن يعيد الصلة مع المحيط العربي من خلال مجلة الكوفة باللغتين العربية والإنجليزية التي استطاعت أن تخلق بيئةً تفاعليةً مع الكتاب والمترجمين العرب.
وأضاف : ما زال هناك نوعٌ من النفور وعدم التواصل مع العراق كمؤسسٍ وفاعلٍ في الثقافة العربية.
إنَّ الثقافة عابرة لمثل هذه الظروف ويمكنها أن تبني ما هدمته السياسة.
وأشار الشاعر عبد الرزاق الربيعي إلى وشائج الصلة بين العراق وسلطنة عمان منذ العصر السومري، وسأل عن كيفية إعادة التواصل ومعالجة الفجوة؟ فأجاب السيد الوزير : مما يؤسف أنَّ أيام جائحة كورونا لا تتيح لنا أن نطبق ما نفكر به لاستعادة العلاقات ووضع البرامج، مشيراً إلى رواية (القنافذ) للكاتب العراقي فلاح رحيم الذي عاش في عمان وكتب هذه الرواية التي جاءت عراقية في أجواء عمانية.
ونوه إلى وجود مشكلة في مفهوم التثاقف فالدستور العراقي الحالي يؤمن بتعددية المجتمع من كرد وتركمان وعرقيات ومذاهب وهذا لم يكن موجوداً زمن الدكتاتورية وأضرب مثلاً : دعيت إلى منتدى العلاقات العربية الكردية لأقدم بحثاً فلجأتُ إلى دراسة حضور الكردي في الأدب العربي، وقرأت خمسين رواية لم أجد حضوراً للكرد فيها، ووجدت ظلاً باهتاً للشخصية الكردية وعللتُ ذلك أن السلطة لا تقبل بهذا الحضور حتى في الروايات التي كتبت في الخارج،كذلك الأمر في الآداب غير العربية فلا وجود مثلاً للأمازيغ.
مثال آخر كتبتُ دراسةً في الولايات المتحدة الأمريكية عن شاعر تركماني هو فضولي البغدادي الذي ولد وعاش ومات في العراق، ونحنُ لا نعنى به، وهو ابن العراق،  وقد كتب أبرز أعماله باللغة التركمانية، وله تمثالٌ ضخمٌ في باكو في أذربيجان، ويجب التركيز على التثاقف مع الآخر عربياً وغير عربي، وأنَّ مجال الفنون هو المجال الأخصب لإعادة العلاقات والروابط العربية.
وعن استثمار الثقافة كقوة ناعمة قال السيد الوزير : العراق بلد غني ويتنوع غناه في الثقافة والسياحة والآثار ويجب أن يتأسس على عقلٍ منفتحٍ، ويؤمن بالتعايش مع الآخر، والتثاقف معه وإذا لم تكن هناك بيئة آمنة لا يمكن أن يكون هناك استثمار، وهناك معضلة الدولة الريعية التي تعتمد على النفط.
وعن الجهود في استعادة الآثار المسروقة قال : إنَّ أرض العراق أرض آثارية شاسعة من الشمال إلى الجنوب فكيف نحرسها، وأن المشكلة في النبش العشوائي وليس في السرقة، مشيراً إلى وجود جهود من الأمم المتحدة واتفاقات مع دول الجوار لاسترداد الآثار، وقد تمكنا من استرداد بعضها.
وفي مداخلة للدكتور ضياء خضير أثنى على الدكتور حسن ناظم ووصفه بالمتميز في استيعاب تراثه النقدي العربي، ومحاولة المزج بينه وبين التراث النقدي الغربي، فضلاً عن كتبه المترجمة التي يحتاجها القارىء مؤكداً حاجتنا إلى أن نعرف أنفسنا.
وسُئل عن دور المنظمات الدولية في العراق؟ فأجاب السيد الوزير إنَّ هناك منظمات فاعلة تعمل في العراق، فاليونسكو تنفذ مشروعين لإعادة بناء منارة الحدباء والجامع النوري وكنيستين في الموصل بتمويل من دولة الإمارات العربية ، وهناك مشروعٌ لتأهيل خمسة بيوت تراثية في البصرة بتمويل من الاتحاد الأوربي.
وسأل الدكتور سعد التميمي عن الاستفادة من الثقافة والسياحة والآثار اقتصادياً؟ وأجاب السيد الوزير بأنَّ المشكلة أنَّ البيئة غير آمنة لهذا الغرض.
وعن التواصل مع مثقفي العراق في الخارج أشار السيد الوزير إلى محاولة تأسيسٍ لعلاقةٍ مع مبدعي العراق في الخارج الذين ربما يفوق عددهم من هم في الداخل، وهذا يقتضي تدابير كثيرة، كما فكرنا أن نؤسس للتشكيل العراقي المغترب، لأنَّ هناك فنانون كبار خارج العراق.
وسألت الدكتورة الجزائرية المقيمة في نيويورك ناصرية بغدادي عن ستراتيجية الدكتور حسن ناظم في الجمع بين الثقافة والسياحة للتعريف بالعراق، وكذلك دور الآثار التي هي وقف للإنساني؟ فبين أنَّ الحكومة الحالية جاءت بعد حراكٍ شعبيٍّ، ومطالب مشروعةٍ ، وواجهت ظروف الجائحة، واملاءاتها، واغلاقاتها، والأزمة المالية المترتبة عنها، وقد عملنا على ستراتيجتين هما :  بناء البيت الداخلي، ووضع هيكلية جديدة وكادر شبه جديد، ونفكر بستراتيجية لوضع مهمات أُخرى للوزارة لبناء الدولة، وعملنا على استرداد الآثار، ونعول على زيارة البابا فرنسيس مطلع آذار المقبل في إنعاش السياحة، وتبنينا مشروع ترجمة مئة كتاب من لغاتٍ مختلفةٍ؛ لنعرف كيف ينظر الآخرون إلينا بعد سنة 200‪3 م، وبادرنا إلى إعادة طبع ديوان الجواهري، وماضون في طبع الأعمال الكاملة للشاعر حسب الشيخ جعفر،. وأعمال كبار الشعراء في القرن العشرين، وأسسنا لمؤتمر سنوي عن العلوم الاجتماعية، وفكرنا في إعادة صياغة إنتاج الكتاب العراقي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى